المسئولية الجنائية للطبيب
الطب في حقيقته فن وصنعه, ولهذا الفن أصول
علمية يجب مراعاتها, ولا عذر للجهل بها إذ تحقق المسئولية إذا لم تراعي تلك الأصول
من قبل الطبيب, وتأخذ هذه المسئولية معناها الجنائي إذا تعمد الطبيب في تجاهل تلك الأصول,
وعدم التقيد بها, أو أهملها.
وقبل البحث في هذه المسئولية, فإنه يتعين
علينا بحث طبيعية الأعمال الطبية التي يمارسها الطبيب, والتي يترتب جراء مخالفتها نشوء
المسئولية.
الأعمال الطبية:
قسم فقهاء القانون الأعمال الطبية الى قسمين:
اولا: الأعمال المادية:
وهي التي لا تتصل بالأصول الفنية لمهنة
الطب, ويمكن تقديرها دون الاعتداد بالصفة المهنية لمن يقوم بها, ومن أمثلتها أن يجرى
طبيب جراح عملية جراحية ويده مصابة بعجز يمنعها من الحركة,
أو أن ينسى في جسم المريض آله من الجراحة, أو يقوم بالعملية وهو ثمل, أو يقع في غلط
في المادة التي يحقن بها المريض, أو لا يحترم واجباته الإنسانية …الخ.
والواقع أن الوظيفة تتضمن عدداً من الواجبات
الجوهرية, بعضها بالتأكيد عبارة عن واجبات تستدعي الحيطة العادية, ومن الطبيعي أن يسأل
الطبيب عن الإهمال أو الرعونة في تنفيذها, لأنها أن كانت أعمال تقع من الطبيب أثناء
ممارسته مهنته, إلا أنها ليست أعمالاً فنية, و إنما مجرد أعمال مادية يتساوى فيها الطبيب
مع غيرة من غير الفنيين .
ثانيا: أعمال فنية أو مهنية:
وفي الأعمال التي تتعلق مباشرة بفن مهنة
الطب ، حيث تكون لصيقة بصفة الطبيب ولا يتصور صدورها من غير الطبيب, كالتشخيص والعلاج,
مثل وجوب لجوء الطبيب إلى وسائل علمية معينة لتشخيص المرض, تستعمل في الملاحظة والفحص,
أو أن يخلط في تشخيصه بين أنواع متميزة من الإصابات, مثل ان يشخص إصابة المريض على إنها التواء في مفصل الكوع,
ومعالجته على أساس هذا التشخيص, بينما حقيقة الإصابة أنها كسر في الكوع.
كما أن أعمال العلاج تعد أيضاً من الأعمال الفنية,
مثل التأكد من الأدوية والوسائل العلاجية, وأن المريض في حالة تسمح باستعمالها, ومن
أمثلة ذلك أن يتأكد الطبيب الجراح قبل إجراء العملية من أن المريض سوف يتحمل التخدير
اللازم لإجرائها …الخ .
والغاية من التمييز بين الأعمال الطبية
على النحو السابق, هي الرغبة في إبعاد القضاء عن التعرض للبحث في مسائل فنية تخرج عن
اختصاصه, لأنها مسائل علمية تجرى مناقشتها من الأطباء, لكن مع ذلك فقد حرص شراح القانون
على تأكيد وجود مبادئ وحقائق ثابتة معترف بها إجماعاً في الأعمال الطبية الفنية, وتعتبر
مخالفتها أو الغلط في تطبيقها خطاءً جسمياً, لا يجوز اغفاله, وأنه يستتبع حتماً المسئولية
.
وعلى ذلك فإن خطاء الطبيب في مجال الأعمال
المادية يكيف بأنه خطاء عادى, أما تقصيره في مجال الأعمال الفنية فيكيف بأنه خطاء فني
أو مهني, وأساس هذه التفرقة إظهار أن درجة الخطاء اللازمة لانعقاد مسئولية الطبيب,
عن الخطاء في المجال الفني, تختلف عن تلك المعتادة في مجال الأعمال المادية.
وما يمكن أن نستخلصه, هو أن الطبيب لا يسأل عن أخطاءه
الفنية إلا متي كان سيئ النية, أو كان خطاه جسيماً ناتج عن عدم التزام الطبيب بقواعد
الحيطة والحذر, كما أن الإهمال الشديد والرعونة الزائدة التي لا يمكن أن تغتفر, تجعل
الطبيب في حكم سيئ النية عند فقهاء القانون .
الخطاء المستوجب للمسئولية:
رأينا فيما سبق أن الفقهاء قد درجوا على
تقسيم الأعمال الطبية إلى نوعين كما سبق, وهذا التقسيم وأن كان ينطوي على صعوبة التفرقة
في بعض الأحيان بين الأعمال الطبية المادية, والأعمال الطبية الفنية, إلا أنه أرتكز
على عديد من المعطيات المنطقية الصحيحة .
وبناءً على ذلك ذهب فقهاء القانون في كل
من فرنسا ومصر ,على أن الخطاء في الأعمال الطبية أيا كانت يستوجب المسئولية القانونية,
بشرط أن يكون الخطاء من الجسامة التي لا يمكن تجاوزها بالنسبة للأعمال الطبية الفنية
.
خلاصة القول أن الأطباء يتساووا مع غيرهم
من الأشخاص العاديين في المسئولية, بالنسبة لأخطائهم المادية, ويعاملون معاملة خاصة
بالنسبة لأخطائهم الفنية .
التمييز بين أنواع الخطاء:
إن الخطاء المستوجب للمسئولية في هذا الخصوص,
هو الخطاء بنوعيه, الخطاء العمدي وهذا لا يثير إيه صعوبات, حيث تترتب علية المسئولية
القانونية بشقيها الجنائي والمدني, والخطاء غير العمدي وهو الذي اشترط فيه الفقهاء
الجسامة, أو عدم التقيد بقواعد الحيطة والحذر بالنسبة للأعمال الطبية الفنية .
وبالتالي فإن الخطاء العمدي يرتب المسئولية
القانونية ــ(المدنية _الجنائية ) لأن الطبيب يعتبر فيه سيئ النية, وذلك سواء في الأعمال
المادية أو الفنية .
أما الخطاء غير العمدي لكي يرتب المسئولية,
فقد اشترط شراح القانون أن يكون جسيماً, أو ناتجاً عن الإهمال و الرعونة.
مفهوم الخطاء الجسيم:
هو خطاء غير عمدي, يختلف فيه قصد الإضرار
بالغير من جانب مرتكبة.
وقد عرفة الفقهاء بأنه الخطاء الذي لا يصدر من اقل
الناس تبصراً, مع ذلك يمكن تحديد الخطاء الطبي الجسيم بأنه: كل فعل يرى طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب
المسئول وفي مستواه المعني أن حدوثه يحتمل جداً أن ينشأ عنه الضرر المنسوب لذلك المريض.
وهذا يعني أن درجة احتمال حدوث الضرر, هي
التي تحدد درجة جسامة الخطاء .
أما بالنسبة للمسئولية الجنائية للطبيب,
فإنها تقع علية إذا كان قد تعمد الوقوع في الخطاء, أو فرط في اتباع الأصول العلمية
للمهنة, أو خالفها, وتكون المسئولية الجنائية على الطبيب بحسب تعمده الفعل, ونتيجته,
أو تقصيره وعدم تحرزه في أداء عملة, وهذا الرأي هو ماقررته محكمة النقض المصرية.
لذلك فإن الإهمال المفرط في إتباع الأصول العلمية
لمهنة الطب, طالما رتب ذلك ضرراً للمريض, فإن الطبيب يقع تحت طائلة المسئولية الجنائية
بحسب تعمده الفعل ونتيجة, وتقصيره وإهماله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي