الفسخ بسبب
خياري البلوغ والأفاقة
أجمع الفقهاء على أن للأب تزويج أبنه
الصغير جبراً عنه بحق الولاية وكذلك ابنته الصغيرة البكر دون رضاها كما أجمعوا على
أن ليس للأب تزويج ابنه الكبير ولا ابنته الكبيرة الثيب دون رضاهما واختلفوا في
حقه في إجبار ابنته الصغيرة.
الثيب
أو الكبيرة البكر:
فذهب الحنفية إلى أنه له تزويج ابنته
الصغيرة مطلقاً ثيباً كانت أم بكراً وليس له تزويجها إذا بلغت ثيباً كانت أم
بكراً.
وذهب الجمهور إلى أن للأب تزويج ابنته
البكر، صغيرة كانت أم كبيرة وليس له إجبارها على الزواج إذا كانت ثيباً، صغيرة
كانت أم كبيرة.
فإذا كانت كبيرة زوجها بإذنها وإن كانت
صغيرة لم يزوجها أحد حتى تبلغ لأنه لا إذن لها قبل البلوغ، وقيل للسلطان تزويجها
إذا رضيت.
واختلف الفقهاء في ولاية لإجبار على
النحو الذي تقدم هل تكون للجد وغيره من العصبات كما هي للأب على أقوال:
فذهب الحنفية على أن ولاية الإجبار على
الصغيرة والصغير تكون للأب والجد العصبي وغيره من العصبات بترتيب عصوبتهم، كالأخ
والعم، وابن العم وهكذا.
وذهب الشافعية إلى أن ولاية الإجبار
تكون للأب وللجد بعده ولوكيلها فقط ولا تكون لغيرهم لأن للجد حكم الأب عند عدمه
وللوكيل حكم الأصيل.
وذهب المالكية والحنبلية إلى أنها تكون
للأب فقط ثم لوصية من بعده إذا نص في الوصاية على ذلك وقيل تكون له بغير نص عليها
ولا تكون لغيرهما فلا تكون للجد ولا للأخ والعم وغيرهم مطلقاً.
حكم
الخيار بعد البلوغ والإفاقة:
إذا بلغ الصغير أو الصغيرة وأفاق
المجنون أو المجنونة بعد أن زوجهما الولي بالشروط المتقدمة هل يكون له خيار لفرقه
من هذا النكاح الذي لم يكن له رضاًَ معتد به وقت عقده وبالتالي لا يكون لازماً في
حقه ذهب جمهور الفقهاء وفيهم المالكية والشافعية والحنبلية إلى أن الولي الذي يملك
إجبار الصغير أو الصغيرة أو المجنون أو المجنونة على الزواج إذا زوجهم بالشروط
السابقة لصحة النكاح كان زواجه لازماً وليس لهم بعد البلوغ أو الإفاقة حق الخيار
مطلقاً لأنه ليس لغير الأب أو الجد أو وصي الأب عندهم حق التزويج بالإجبار لهؤلاء
بحسب الخلاف السابق والأب والجد كاملاً الشفقة فتتحقق بذلك مظنة المصلحة للمولى
عليه في زواجه، فيكون العقد لازماً لا خيار له فيه بعد البلوغ والإفاقة سواء أحصل
دخول بعد العقد أم لا.
وذهب الحنفية إلى التفصيل في ذلك:
فقال أبو حنفية ومحمد إن كان الوليّ هو
الأب أو الابن وقد تم العقد مستكملاً شروط الصحة كان العقد لازماً، وليس لهم بعد
البلوغ أو الإفاقة خيار مطلقاً لأن الأب والجد والابن كاملوا الشفقة فيكون عقدهم
محقق المصلحة فلا يخيرون فيه.
فإن كان الوليّ غير الأب والجد والابن
كالأخ والعم وابن العم وغيرهم فإن كان مستكملاً لشروط الصحة كان نافذاً غير لازم
فإذا بلغ الصغير أو الصغيرة أو أفاق المجنون أو المجنونة كان لهم حق الخيار فلهم
الابقاء على النكاح كما لهم فسخه لأن العقد تم دون رضا منهم مع مظنة المصلحة لهم
دون تحققها قطعاً فصحّ غير لازم إذ
المصلحة المقطوع بها في الزواج لا تعلم حقيقة إلا من قبل الزوجين أنفسهما لما
تنطوي عليه من الرغبة والحب وغير ذلك وذلك منوط إليهم دون وليهم، فيكون لهم الخيار
بعد البلوغ والإفاقة تحقيقاً لمصلحتهم من الزواج سواء أحصل دخول أم لا، لأن الدخول
لا أثر له على إسقاط الخيار مطلقاً كما في خيار العتق.
وذهب ابو يوسف إلى أن الأب والجد
وغيرهما سواء في ذلك ولا يكون للصغيرين أو المجنونين خيار مطلقاً لأن العقد تم مع
مظنة المصلحة فكان لازماً لهما حفاظاً على حق الزوج الأخر فلا يفسخ بحال من ذلك
يتلخص لنا أن جمهور الفقهاء متفقون على أن عقد الولي عن القاصرين إذا ما استوفي
شروط صحته يكون لازماً ولا خيار لهما بعد البلوغ والإفاقة وخالف في ذلك أبو حنفية
ومحمد وذهبا إلى أن الولي إذا كان غير الأب والجد والابن كان عقده غير لازم
وللقاصرين خيار الفسخ بعد البلوغ والإفاقة.
ولذلك فإن الدراسة في هذا الباب ستكون
طبقاً لمذهب الطرفين من الحنفية فقط حيث لا يقول بهذا الخيار غيرهما من الأئمة.
هل يكون خيار البلوغ والإفاقة على
التراخي؟
ينص الحنفية على أن الخيار من البلوغ
والإفاقة يكون على التراخي لا على الفور فلكل من الصغيرين والمجنونين بعد البلوغ
والإفاقة أن يختار الفسخ في أي وقت شاء ذلك ولو امتد الزمن مدة طويلة ما لم يظهر
منهم رضاً بالعقد صراحة أو دلالة، أما الرضا صراحة فكان يقول من له الحق في الخيار
بعد ثبوت الحق له أجزت النكاح أو أسقطت خياري في الفسخ وأما الرضا دلالة فكان تمكن
المرأة الزوج من وطئها أو تطلب منه مهرها أو نفقتها أو ان يطأها الزوج أو يشترى لها
بعض الحلي وغيرها، وهذا بالنسبة للرجل والمرأة الثيب، أما بالنسبة للبكر فإن مجرد
سكوتها عن الفسخ لحظة واحدة بعد بلوغها وإفاقتها يعتبر رضاً منها بالعقد مسقطاً
لخيارها وقيل بل أن ذلك محمول على المجلس لا الفور لكن الأول هو المرجح إذ أن
سكوتها يعتبر إذناً منها بالزواج وإجازة لها في غير الإجبار فيكون كذلك في حالة
الإجبار دون الثيب والغلام فإن السكوت لا يعتبر رضاً منهما ذلك لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: "الثيب تستأمر والبكر إذنها صماتها" وبذلك يكون الخيار
في حق البكر على الفور مآلا إذا أن حقها في الفسخ يسقط بتأخرها عن الفسخ لحظة
واحدة بعد البلوغ أو الإفاقة وذلك لاعتبار سكوتها في ذلك رضا بالنكاح، بدليل أنه
لا يسقط في حق الثيب والغلام بذلك ولا فارق بينهما إلا هذا الاعتبار.
فكان اعتباره في حقها على التراخي سرياً
على القاعدة العامة فيه.
هذا ولا يعتبر السكوت في حق البكر رضاً
بالنكاح إلا إذا كانت عالمة بالعقد فإذا بلغت وسكتت مدة ثم ادعت عدم علمها بالنكاح
فإنها تصدق بيمينها لأن ذلك محتمل في حقها.
فإذا سكتت البكر أو وطئ الغلام زوجته،
أو مكنت الثيب من نفسها بعد البلوغ والإفاقة، ثم ادعوا الجهل بحقهم في الخيار فهل
يصدقون؟
المذهب أنهم لا يصدقون في شيء من ذلك
لأنه لا عبرة بالجهل بالأحكام في دار الإسلام.
طبيعة الفرقة بسبب خيار البلوغ والإفاقة
وطريق وقوعها وصاحب الحق فيها.
الفرقة بخيار البلوغ والإفاقة عند
الحنفية فسخ لا طلاق سواء أكانت بخيار الزوج او الزوجة لأنها ناتجة عن عدم لزوم
العقد من أساسه في حقهم بحيث ترجع الفرقة بعد وقوعها على العقد بالنقض من أساسه
فتكون فسخاً لاطلاقاً.
والفرقة بخيار البلوغ والإفاقة لابد
لوقوعها من قضاء القاضي، لأنها فرقة مجتهد فيها ومختلف فيها بين الفقهاء وما كان
كذلك من الفرق لم يقع بغير قضاء كما تقدم ثم هي ثابتة لدفع ضرر خفي وهو إمكان وجود
الخلل في المصلحة التي قام العقد عليها بخلاف خيار العتق فإنه لا يحتاج إلى قضاء
لقيامه على دفع ضرر جليّ وهو زيادة الملك على الزوجة بطلقة ثالثة فافترقا.
وصاحب الحق في الفرقة بخيار البلوغ أو
الإفاقة هو الغلام أو الجارية البالغان أو المفيقان من جنون مطبق لذلك لا يحق
للقاضي فسخ النكاح دون طلب منهما لأنه حقهما ولو فسخه دون طلب منهما كان الفسخ
باطلاً لعدم قيام شرطة والعقد صحيح نافذ على حالة.
حكم
المهر أو العدة ونفقتها بعد الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة:
إذا وقعت الفرقة بخيار أحد الزوجين بعد
البلوغ او الإفاقة قبل الدخول وما في حكمه من الخلوة أو الموت لم يكن للزوجة مهر
مطلقاً سواء أكانت الفرقة بخيار الزوجة أو خيار الزوج أما إذا كانت بخيار الزوجة
فواضح لحدوث الفرقة من قبلها وهي فسخ وأما إن كانت من قبل الزوج فكذلك لأنها فسخ
هو كنقض للعقد من أساسه فلا يكون للزوجة فيها شيء من المهر.
وإن كانت الفرقة بعد الدخول وما في حكمه
من الخلوة أو الموت كان للزوجة كامل المهر المسمى إن كان في العقد مسمى صحيح ولها
مهر المثل إن لم يكن في العقد مسمى صحيح ذلك أن الدخول بعد النكاح الصحيح يثبت فيه
كمال المهر.
أما العدة ونفقتها فحكمها في ذلك حكم
العدة ونفقتها بعد الفرقة بخيار العتق اتجاه القوانين السورية والمصرية في التفريق
بخياري البلوغ والإفاقة لم تتعرض قوانين الأحوال الشخصية المصرية والسورية لمسالة
خيار البلوغ والإفاقة ومعنى ذلك أنه يرجع فيها إلى الراجح من مذهب أبي حنفية طبقاً
للمادة(1) من القانون المصري رقم(24) لعام 1929م والمادة(305) من القانون السوري
رقم(59) لعام 1953م.
إنهاء عقد الزواج
الفرق وأنواعها
الفرق جمع فرقة وهي في اللغة اسم
للافتراق والمراد بها فقها ما ينتهي به عقد الزواج وتنحل بسببه الرابطة الزوجية
وينقطع به ما بين الزوجين من علاقة الزواج.
والفرقة نوعان فرقة هي فسخ لعقد الزواج،
وفرقة هي طلاق.
فالأولى وهي فرقة الفسخ نوعان:
أ- فسخ ينقض أصل العقد بسبب خلل قارن
العقد وقت إنشائه، فيجعله غير لازم بالنسبة للزوجين أو لأحدهما، أو للولي الغاصب
كالفسخ بخيار البلوغ أو الإفاقة والفسخ لعدم الكفاءة على رأي من يرى أن العقد
ينعقد صحيحاً غير لازم، والفسخ لنقصان المهر عن مهر المثل على رأى أبي حنيفة.
ب-
فسخ لا يعتبر نقض للعقد من أصله وذلك إذا كان الفسخ بسبب خلل طرأ على العقد يمنع
بقاءه واستمراره كالفسخ بسبب إباء الزوجة عن الدخول في الإسلام وكالفسخ لرده
الزوجة أو الزوج على رأى أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد أن الفرقة بسبب ردة الزوجة
فسخ ، وبسبب ردة الزوج طلاق.
والفرق
بين نوعي فرقة الفسخ أن الفسخ الذي يعتبر نقضا للعقد من أصله لا يوجب شيئاً من
المهر إن لم يتأكد بمؤكد من المؤكدات السابق ذكرها سواء كان الفسخ قد حصل بسبب من
قبل الزوج أو من قبل الزوجة ذلك لانه حيث كان الفسخ نقضاً للعقد تنتقض أيضاً
أحكامه فيسقط المهر.
وأيضاً
لا يلحق الزوجة أثناء عدتها من الفسخ طلاق فإذا طلق الرجل المرأة وهي في عدتها من
الفسخ فإن هذا الطلاق لا يحسب من عدد الطلقات الثلاث إذا استأنفت حياتهما الزوجية
بعد ذلك، ذلك لأن الطلاق أثر من آثار العقد وقد نقض بالفسخ فلا يثبت به طلاق وهذا
الفسخ في أكثر أحواله يحتاج إلى قضاء القاضي.
أما
الفسخ الذي لا ينقض العقد من أصلة فإن كان بسبب من قبل الزوج فإنه يوجب نصف المهر
المسمى إن كان للزوجة مهر مسمى، ولا تجب المتعة
وإن كان الفسخ من قبل الزوجة فإنه لا يوجب شيئاً من المهر إذا لم يحصل ما
يؤكده وإذا وقع الطلاق من الرجل في عدة الفسخ من هذا النوع فإنه يلحقها ويعتبر من
الطلقات الثلاث عند استئناف الحياة الزوجية مع الزوج- وهذا الفسخ لا يحتاج إلى
قضاء القاضي.
ثم
أن الفسخ الذي لا يعتبر نقضاً للعقد ينقسم إلى قسمين:
1- نوع يمنع الزواج بعده مؤبداً فلا يحل
للرجل أن يتزوج بعده المرأة لكونه حصل بسبب من الأسباب التي توجب الحرمة على
التأبيد كالفسخ بسبب ارتكاب أحد الزوجين مع أحد أصول الأخر أو فروعه ما يوجب حرمه
المصاهرة بغية إلا ضرار.
2-
ما
يمنع الزواج ويحرمه تحريماً مؤقتاً كالردة واللعان.
تكون
الفرقة فسخاً في:
1) الفرقة بسبب ظهور أن العقد وقع غير صحيح
كأن يظهر أن الزوجة أخت للزوج من الرضاع أو أنها زوجة غيره أو معتدته.
2)
الفرقة
بخيار البلوغ أو الإفاقة.
3)
الفرقة
بسبب عدم كفاءة الزوج أو لنقصان مهر الزوجة عن مهر مثلها.
4)
الفرقة
بسبب طروء ما يوجب حرمة المصاهرة.
5)
الفرقة
بسبب ردة الزوجة أو امتناعها عن الإسلام وكذا الفرقة بسبب ردة الزوج عند أبي حنيفة
وأبي يوسف.
6)
الفرقة
بسبب امتناع الزوج عن الإسلام عند أبي يوسف.
ومما
سبق يتضح أن الفرق تختلف أسبابها، فتارة تكون بسبب من جانب الزوجة كالفرقة بسبب
خيار بلوغها أو اعتراض أوليائها على الزواج لعدم كفاءة الزوج، أو نقصان المهر عن
مهر المثل.
"صـ295ـ الزواج والطلاق في الإسلام
د/بدران أبو العينين"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي