تعد الاستعانة
بالخبراء والعدول للقيام بأعمال فنية من طرق الإثبات وادلته، وفقا لما قضت به
المادة ( 13) من قانون الاثبات بقولها:
[طرق الاثبات هي:
1-...: ـ7 تقرير.]
-
وقد اوجب المشرع
الاستعانة بالخبراء في الاعمال الفنية في المسائل الحسابية والهندسية التي يدق
فمها وفقا لما نصت عليه المادة (165) من ذات القانون بقوله:
[على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة
والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيرا (عدلا) أو أكثر من المؤهلين علميا
وفنيا أو ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه
المسائل مما يفيد إثبات الواقعة المراد إثباتها]]
ولا يجوز القيام بأعمال الخبرة (العدول) بعيدا عن طرفي الخصومة، فيجب ان
يكون تعيين الخبراء وقيامهم بالمهمة الموكل إليهم بمواجهة الأطراف ولو حتى قيامهم
باي اعمال والتعيين حتما لا يتم الا بمحضر جلسة
واثناء إجراءات نظر الخصومة، وفقا لما نصت عليه
المادة(170) من ذات القانون بقولها:
-
[يكون
أداء المهمة بحضور الخصوم كلما أمكن ذلك ويجب على الخبير استدعاؤهم لذلك وأن يحرر
محضراً بالإجراءات التي تمت يوقع عليه مع الخصوم الحاضرين ويثبت غياب من غاب منهم
واستدعائه له.]
ويجب
على الخبراء إيداع وتسليم التقرير الى هيئة الحكم قبل اقفال باب المرافعة وهو ما
نصت عليه صراحة المادة (172) من ذات القانون بقولها: ـ
[على
الخبير أو الخبراء تقديم تقاريرهم في الميعاد الذي حددته المحكمة ويجوز للخبراء إذا
تعددوا تقديم تقرير مشترك متفق عليه بينهم وموقع عليه منهم كما يجوز لكل منهم أن يقدم
تقريراً مستقلاً برأيه موقعاً عليه منه.]
1- ولا يختلف ذلك كله في إجراءات التحكيم وفقا لما نصت عليه المادة (42) من
قانون التحكيم بقولها:
[يجوز للجنة
التحكيم أن تعين خبيراً أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفوي بشأن ما تراه من قضايا
متعلقة بموضوع النزاع. وعلى أطراف النزاع تقديم المساعدة اللازمة لتمكين الخبير
أو الخبراء من إكمال المهمة على خير وجه...]
ولما
كان الحال كذلك فإن اي النزاع يكون موضوعا اما هيئة التحكيم يستوجب اعامل محاسبية
تجارية، يجب على المحكم تعيين خبير لإجراء المحاسبة، ولا يجوز للمحكم او القاضي
القيام بها بنفسه لعدة أسباب أبرزها:
السبب الأول / قيام
المحكم او القاضي بأعمال الخبرة الفنية مخالفا للنظام العام:
فالقاعدة الامرة المنصوص عليها في
المادة (165) من قانون الاثبات والتي قضت على سبيل الوجوب والالزام تعيين خبراء
مؤهلين للنظر في المسائل الدقيقة والفنية وفقا لما قضت به بقولها:
[على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة والحساب وغيرها مما
يدق فهمه أن تعين خبيرا (عدلا) أو اكثر من المؤهلين علميا وفنيا أو ممن لهم خبرة
خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل مما يفيد إثبات
الواقعة المراد إثباتها]
وعبارة ( على المحكمة.... أن تعين ) تفييد الوجوب والإلزام في تعيين الخبير
، في كل المسائل الواردة بين هاتين العبارتين المؤكدتين (على المحكمة... ان تعين)
،وقد جاء هذا النص بقاعدة أمرة امتثالا لأوامر الله تعالى الموجبة لإسناد الأمور
الفنية الى مختص فيها بأسلوبي الامر، و النهي:
فالنهي عن عدم الاستعانة بمن ليس من اهل الخبرة استدل اهل العلم بقول الله
تعالى في سورة فاطر الآية 14 ((ولا
ينبئك مثل خبير))
اما بصيغة الامر فقد قال تعالي ((فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))
وهي تؤدي نفس المعنى من الوجوب
فإذا كان القاضي في المحكمة منهي عن القيام بأعمال المحاسبة والاعمال
الفنية على الرغم من كفاءته العلمية فإن المحكم يكون اشد منعا من ان يتولى اعمالا
فنية في اتخاذ أي من اعمال تكون بذاتها دليلا للحكم، وبالتالي فإن -قيام القاضي نفسه
بأعمال الخبرة-يجعل من الحكم مخالفا للقواعد القانونية الامرة ليس ذلك وحسب بل
ومخالفا لأحكام الدين الإسلامي الحنيف الموجب للاستعانة باهل الخبرة والتخصص وعدم الركون النفس
والنظرة السطحية القاصرة.
وذلك الامر ينصرف
الى المحكم واعماله والحكم الصادر عنه، مما يعني توافر حالة من حالات البطلان المنصوص عليها في المادة 53 الفقرة
ز وتحديدا مخالفته للنظام العام، وقانون التحكيم على حد سواء والذي أجاز للمحكم
تعيين خبير او عدل للقيام بأعمال فنية، وفقا لنص المادة (42) من ذات القانون ، وذلك لحكمة مؤداها عدم الوقوع في مخالفة قواعد واحكام النظام العام وقاعدة امرة تقضي
بعدم القيام بأعمال الخبرة من قبل المحكم نفسه واسنادها الى
متخصص بها حتى لا يكون حكمه بعلمه، وحتى لا يختل مبدا
المساوة وعدم الحياد وكما سياتي البيان
السبب الثاني/ وجوب
حياد القاضي وعدم جواز ان يكون شاهدا وحكما:
يعد الاخلال بقواعد النظام العام المنصوص عليها في قانون المرافعات من
حالات بطلان احكام التحكيم وفقا لما نصت عليه المادة (32) من قانون التحكيم بشطرها
الأخير بقولها:
[يحق لطرفي التحكيم أن يتفقا على الإجراءات التي يتعين على لجنة التحكيم
اتباعها، فإذا لم يوجد أي اتفاق، فإنه يجوز للجنة أن تتبع ما تراه ملائماً من
الإجراءات مع ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون، وعدم الإخلال بأحكام قانون
المرافعات التي تعتبر من النظام العام.]
وبالتالي يكون
اصطناع المحكم دليلا بنى عليه حكمه وقضاء بعلمه مخالفة لما نصت عليه المادة (10) من قانون المرافعات بقولها: ـ
[لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه إلا ما وصل إليه
عن طريق مجلس قضائه، فيجب عليه أن يقضي على أساسه]
السبب الثالث/ عدم جواز مفاجأة الأطراف ووجوب اعمال مبدأ
المواجهة:
من غايات مبدا المواجهة ان تكون المواجهة في وقت ملائم وكافي للأطراف
لممارسة هذا الحق وقد جسد قانون التحكيم هذا الامر في نص المادة (33) منه بقولها: ـ
[يتعين على لجنة التحكيم
معاملة طرفي التحكيم على قدم المساواة وأن تهيئ لكل منهما فرصاً متكافئة لعرض قضيته
والدفاع عنها.]
وتلك قاعدة امرة
تتصل اتصالا لا يقبل التجزئة بقواعد واحكام النظام العام ومبدأ المساواة
والمواجهة، ومنها احكام الدستور اليمني مادة (49) من الدستور والتي نصت على ان: -
[حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول في جميع مراحل التحقيق والدعوى..]
اشتمال الحكم على
ما يفيد وجود اعمال الخبرة المحاسبية، يعني هدم جدار حماية الاطراف من خطر
المفاجأة في العلم بوجود دليل ما، وايقاعهم في ضرر مواجهة الحكم حائز على حجية الامر المقضي به قائم على
مخالفات جسيمة، لم يحترم مبد المساوة ولا حق الدفاع والمواجهة وعدم مواجهتهم بتلك
التقديرات اثناء الإجراءات، وبالتالي فإن
المفاجأة بالأضرار التي لحقت بهم او بأحدهم ،قد ترتب عليها خطر محدق ان لم يكن ضرر
حال،
السبب
الرابع/ تفويت واهدار حق الأطراف في الدفاع لعدم مواجهتهم بالتقديرات الا لحظة
تلاوة منطوق الحكم:
إن ظهور التقديرات
والنتائج المحاسبية في منطوق الحكم يجعل من المواجهة مستحيلة، وبالتالي فإن ذلك يعني
ثبوت توافر أسباب بطلان الحكم القضائي او حكم التحكيم لإهدار حق الدفاع والمواجهة
على حد سواء، مما سيتوجب معه تقرير نقض وإلغاء الحكم لما قرره المشرع في قانون
التحكيم من وجوب عرض المحكم للأوراق والتقديرات على الأطراف وفقا لنص المادة (37)
من قانون التحكيم بقوله:
[...وتقوم اللجنة بعرض ما يلزم عرضه على أي
من طرفي النزاع.]
ولا يوجد هناك ما
هو اشد لزوما من مواجهة الأطراف بأدلة اثبات للمناقشة والمواجهة، ولزوم عدم
مفاجأتهم لحظة تلاوة النطق بالحكم بوجود دليل، دون بسط وتحقيق مبادئ العدالة
والمساوة، كما ان القول بذلك يعد شرعنة للمحكمين للقضاء على أي أطراف التحكيم
شاءوا، باي وسيلة كانت الاجراءات والمشرع اليمني منزه عن ذلك، وبالتالي فإن ما
أهدره الحكم محل دعوى البطلان من مبادئ وحقوق دفاع يستوجب الحكم بنقضه والغائه وفقا للقانوني.