نصاب الهبة


الجانب الأول: نصاب الهبة ومدى جواز بقاءها قائمة بعد الغاء ما تجاوز من النصاب

نصاب الهبة في الفقه الإسلامي:

ان الشرع الحنيف لم يحدد نصابا معينا للهبة بشكل صريح.

مذهب الجمهور من العلماء ان للإنسان ان يهب جميع ما يملكه لغيره فالإنسان الرشيد حر التصرف في ماله، بينما قال محمد بن الحسن وبعض محققي المذهب الحنفي ان هبة جميع المال لا تصح ولا تنفذ لأن في ذلك اسرافا وتضييعا لنفس الواهب ولأهله وعدو من يفعل ذلك سفيها يجب الحجر عليه

وحقق هذه القضية صاحب الروضة الندية فقال (من كان له صبر على الفاقة وقلة ذات اليد فلا بأس بالتصدق بأكثر ماله او كله ومن كان يتكفف الناس اذا احتاج لم يحل له ان يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره وهذا هو وجه الجمع بين الاحاديث الدالة على مجاوزة الثلث غير مشروعة وبين الأدلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على الثلث)

(المرجع: كتاب فقه السنة لسيد سابق الجزء الثالث ص 542)

نصاب الهبة في القانون:

موضوع نصاب الهبة حدث فيه خلاف نوجزه على النحو التالي:

                               (المرجع: دراسة إشكاليات الهبة في القانون اللبناني ل د.غنى مواس)

أولاً: الاتجاه الذي اعتبر ان نصاب الهبة هو نفسه نصاب الوصية:

دعم هذا الاتجاه قرارين شهيرين الأول صادر عن محكمة توحيد الاجتهاد والثاني عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز في لبنان.

وبالفعل، بتاريخ 1-12-1947 بتت محكمة توحيد الاجتهاد إشكالية نصاب الهبة وصدر قرارها بالأكثرية الذي اعتبر ان نصاب الهبة وان لم يحدده المشترع صراحة، الا انه محدد ضمناً بالإحالة الى نصاب الوصاية لدى كل طائفة من الطوائف اللبنانية.

ان قرارات محكمة توحيد الاجتهاد كانت ملزمة للمحاكم الى حين صدور المرسوم الاشتراعي رقم 77 تاريخ 13-4-1953 الذي ألغي هيئة توحيد الاجتهاد واعتبر جميع القرارات الصادرة عنها قبل هذا التاريخ بمثابة اجتهاد عادي لا يحتم التقيد به.

فعاد الاتجاه الى ما كان عليه سابقاً بأغلبيته وتبنّ الاتجاه السابق المتوافق مع عدم اعتماد نصاب الهبة، الى ان صدر بتاريخ 1964 وبالأكثرية قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز الشهر الذي اعتبر ان اعمال النص خير من اهماله وقضى بوجوب تطبيق نصاب الوصية على الهبة مع تعينيه بالنسبة للمسلمين بثلث التركة، سواء اكانت الهبة لوارث ام لغير وارث، شرط ان تعتبر الهبة لوارث موقوفة على إجازة الورثة.

الا أنه لم تتبع كافة المحاكم اتجاه الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وبقي الاجتهاد منقسم بين مؤيد لوجوب تطبيق نصاب الوصية على الهبة وبين من ينفي وجوب نصاب للهبة!!

الاتجاه الثاني: لا نصاب للهبة

بعد الغاء محكمة توحيد الاجتهاد سنة 1953 ذهب العديد من الاجتهادات الى اعتبار ان لا نصاب للهبة وحجة الاجتهاد انه لا تخفيض بدون نص فضلاً عن أسباب أخرى

وقد اعتمد قسم من الفقهاء هذا الاتجاه، ومنهم الأستاذ زهدي يكن الذي اعتبر انه لا يوجد نصاب للهبة ولا يمكن تطبيق الوصية على الهبة نظراً للفرق بين الاثنين. وقد صدرت قرارات مؤيدة لهذا الرأي قضت بعدم اعمال القياس في مجال الهبة لتحديد النصاب المطبق على الوصية.  فقد اعتبرت محكمة استئناف جبل لبنان في قرارها الصادر عام 1998 " انه بالنظر لاختلاف طبيعة الهبة عن الوصية فلا يكفي ان تجمع بينهما الصفة المجانية لتطبيق قواعد المنطق والقياس واعتماد نصاب الوصية في الهبة" كذلك عللت احدى محاكم التمييز انه لإعمال القياس يجب المقارنة بين الوضع القانوني لكل من الهبة والوصية. فالهبة عقد متبادل ويندرج في قاعدة حرية الانسان في التصرف بأمواله ولا مجال للقول بالانتقاص من أن ثمة حصة محفوظة غير قابلة للتحديد الا بالوفاة طالما ان أموال المرء تبقى قابلة للزيادة او النقصان طيلة حياته، اما الوصية فهي عمل منفرد وتبقى غير نهائية حتى وفاة الموصي والذي يمكنه الرجوع عنها، ونصابها قابل للتحديد بتاريخ استحقاقها لأنه لم يعد من مجال بعد ذلك لتعديل في مقدار التركة.

وقد نص القانون الجزائري في المادة 205 من قانون الأحوال الشخصية الجزائري على الاتي ((يجوز للواهب ان يهب كل ممتلكاته أو جزء منها عينا، او منفعة، او دينا لدى الغير))

ملاحظة: هذا الاتجاه هو ما تسير عليه أغلب القوانين العربية.

 الاتجاه الثالث: تطبيق نصاب الهبة على غير المسلمين فقط:

ميز هذا الاتجاه بين هبة المسلم وهبة غير المسلم. وفقاً لهذا الرأي، فأن هبة المسلم لا تخضع لأي نصاب، وذلك لان نصوص قانون الموجبات والعقود لم تتضمن تعيين نصاب الهبة والاحالة في هذا المجال، ان صحت تكون لقوانين الأحوال الشخصية. ومن العودة الى الاحكام الشرعية المطبقة على اغلبية المذاهب الإسلامية، نرى انها لم تحدد نصاب للهبة انما فقط للوصية. اذاً الهبة جائزة من مسلم على كافة أمواله وهي ايضاً صحيحة وان تمت للوارث. فلا تطبق قاعدة "لا وصية لوارث" على الهبات لان الايصاء يختلف عن الهبة ولعدم امكان القياس على أوضاع قانونية مختلفة. ومن مؤيدي هذا الاتجاه الدكتور صبحي المحمصاني الذي اعتبر ان هذا الرأي موافق لمعنى حق الملكية الفردية ولحرية التصرف ولقوانين الأحوال الشخصية المعترف بها.

كما ان الرأي الراجح في الاجتهاد كما يرى هذا الاتجاه ان الهبة لوارث لا نصاب لها. واعتبرت محكمة التمييز ان هذا الاجتهاد لا يناقض الحديث الشريف "اتقوا الله واعدلوا في اولادكم" حيث للواهب مكافأة أحد أولاده او أكثر ممن أحسن له بهبة مخصصة..

اما لجهة هبة غير المسلم فقد كانت تطبق عليها نفس الاحكام المذكورة بالنسبة لهبة المسلم قبل صدور قانون الإرث لغير المحمدين في 23 حزيران 1959. ومنذ صدور قانون 1959 رأى أصحاب هذا الاتجاه وجوب تطبيق نصاب الهبة استناداً الى مواده لاسيما 66 و68 معطوفة على المادة 512 م.ع .

 

بقاء الهبة بعد تجاوزها النصاب في ظل هذا الاتجاه:

المادتان 66 و68 توجبان إضافة قيمة الأموال التي وهبها الموصي اثناء حياته، حسب ثمنها وقت الهبة، الى أموال المتوفي الصافية بعد حسم ديونه، وذلك لأجل تعيين النصاب القانوني واجراء التخفيض اللازم على الموصى به الزائد على النصاب عند الاقتضاء. وقد نصت المادة 65 من القانون المذكور على ان الوصية التي تتجاوز النصاب القانوني تخفض الى هذا النصاب. اذاً واستناداً لقانون 1959 تخفض نصاب الهبات والوصايا في حال تجاوزها النصاب القانوني. وقد اعتبر الاجتهاد انه يفضل التخفيض العيني بالنسبة للأموال غير المنقولة. وفي حال تعذر حصول التخفيض عيناً، لحصول بيع المال من الغير مثلاً، يكون التعويض بدلياً أي نقداً وتقدر قيمة المال الموهوب بتاريخ الهبة

 ولا بد من الإشارة الى ان تخفيض الهبات لدى الطوائف غير المحمدية لا يتعلق بالنظام العام فلا يمكن ان تثيره المحكمة عفواً. وقد صدقت محكمة التمييز قرار محكمة الاستئناف الذي قضى برد طلب ابطال الهبة ولم تبحث بتخفيض الهبة لان الجهة المستأنفة قد أصرت على ابطال العقود وإعادة العقارات التي تركها مورثها ولم تطبق تخفيض الهبة لحد النصاب القانوني.

ملاحظة: هذا الاتجاه هو المطبق حاليا في لبنان.

الاتجاه الرابع: وجوب تطبيق النصاب على الهبات المضافة لما بعد وفاة الواهب دون الهبة المنجزة بين الاحياء

ميّز بعض الفقهاء بين الهبة المنجزة بين الاحياء وبين الهبة المضافة لما بعد وفاة الواهب.

وقد استند الفقهاء في موقفهم الى ان الانسان حر بالتصرف بأمواله ما دام ذلك ينفذ بحقه وليس بحق ورثته. اما الهبة المضافة لما بعد الوفاة فهي من قبل الاعمال الصادرة عن مشيئة المرء الأخيرة ونصابها هو ذات نصاب الوصية

وقد برر أصحاب هذا الرأي موقفهم بأن القول غير ذلك يؤدي الى سلوك دروب الاحتيال عن طريق الباس الوصية ثوب الهبة المضافة لما بعد الوفاة من اجل التهرب من النصاب القانوني الذي تفرضه قوانين الأحوال.

ونرى ان القانون المصري يؤيد هذا الاتجاه ففي المادة 917 من القانون المدني على أنه: "إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر التصرف مضافاَ إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك"،

من خلال استقراء نصوص الهبة في القانون اليمني نرى أنه يتبع الاتجاه الثاني حيث أنه لم يحدد نصاب الهبة وهذا هو مسلك اغلب القوانين الا انه بين حكم الهبة من شخص لاحد ورثته في حياته ففي هذه الحالة تأخذ الهبة حكم الوصية وحكم الوصية انها لا تصح لوارث إلا بإجازة الوراثة.

فالمادة 186 من قانون الأحوال الشخصية تنص على الاتي ((الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما أستهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكما)).

يقول الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين في أحد بحوثاته معلقا على حكم صادر من المحكمة العليا قضى بنقض الحكم الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بصحة الهبة الصادرة من الحرة....لابنها.... (الهبة لأحد الورثة تكون بمثابة الوصية لأحد الورثة ويكون حكمها حكم الوصية وسند الحكم محل تعليقنا في ذلك هو المادة 186 من قانون الأحوال الشخصية وقد أضيفت هذه المادة بموجب التعديلات التي جرت في 1998 وفي ذلك دليل على شيوع ظاهرة الهبة للوارث في اليمن وتصدى المشرع  لهذه الظاهرة ومفهوم هذه المادة ان الأصل بطلان الوصية للوارث عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوراث) وبمقتضى المادة 244 أحوال شخصية التي نصت على انه(لا تصح الوصية لوارث الا بإجازة من الورثة) وعلى هذا الأساس فإن إجازة الورثة للوصية للوارث لا تصحح في اثناء حياته وانما بعد وفاة المورث بموجب المادة (227) أحوال شخصية التي نصت( لا تصح إجازة الوصية الا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي)

الجانب الثاني: وسائل قانونية تخول الواهب ان يهب بعض ورثته أكثر من سائر الورثة

قبل ان نتطرق الى الوسائل سنذكر باختصار تنظيم بعض القوانين العربية لمسألة الهبة للوارث وهل يشترط فيها المساواة بين الورثة ام لا حتى تتضح الصورة بشكل أكبر

في الفقه الإسلامي يرى الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ان التسوية مستحبة وليست واجبة ويرى الحنابلة انها واجبة ولذلك اختلفت القوانين العربية في حكم الهبة للوارث وأخذت الغالبية منها برأي الجمهور وقليل منها فقط اخذ برأي الحنابلة وهذا ما سنبينه على النحو الاتي:

-القانون اليمني أوجب المساواة في الهبة بين الورثة كلا بحسب نصيبه الشرعي وذلك في المادة 183 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على الاتي ((تجب المساواة في الهبة والمشتبهات به بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية))

اما بالنسبة للقوانين الأخرى:

-القانون القطري أوجب المساواة بين الورثة من خلال ذكره ان الهبة في حالة المفاضلة يجوز فسخها فقد نصت المادة 204 من قانون الاسرة القطري رقم 22 لسنة 2006 على الاتي: ((يجوز للمحكمة فسخ الهبة إذا فاضل الزوج بين زوجاته او الوالد بين أولاده ويمتنع الفسخ اذا كانت المفاضلة لسبب مقبول))

-القانون المصري  لم يذكر مسألة الهبة للوراث اثناء تنظيمه لأحكام الهبة في قانونه المدني مما يعني انها جائزة وبدون أي شروط وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في احد احكامها (الطعن رقم ٣٨ لسنة ٣٦ قضائية الدوائر المدنية - جلسة ١٩٧٠/٠٣/٣١ مكتب فنى  سنة ٢١ - قاعدة ٨٥ - صفحة ٥٣١ (( المقرر في قضاء محكمة النقض أن التحايل الممنوع على أحكام الإرث – لتعلق الإرث بالنظام العام – هو – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – ما كان متصلاً بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارث وهو في الحقيقة غير وارث أو العكس وكذلك ما يتفرع عن الأصل من التعامل في التركات المستقبلية كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية

 ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث في حال صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته او التقليل من أنصبتهم في الميراث لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه))

-القانون السوداني الاماراتي والعراقي والكويتي والعماني والسوري والجزائري والمغربي من خلال الرجوع الى احكام الهبة فيها لم نجد انها ذكرت مسألة الهبة لوارث او خصتها بحكم معين مما يعني اتفاقهم مع القانون المصري.

والان نعدد الوسائل القانونية التي تخول الواهب ان يهب بعض ورثته اكثر من البقية :

1- بما ان نص المادة186 من قانون الأحوال الشخصية اليمني فيها استثناء ((الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما أستهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكما)).

فيمكن ان يهب الشخص للوارث المال الموهوب ويستهلكه الوارث في حياة الواهب وبالتالي لن يدخل في حكم الوصية. 

يقول الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين في بحثه المشار اليه انفا ((نص المادة 186 يصرح بأن استهلاك الوارث للهبة حقيقة كأن ينفق الشيء الموهوب او يتصرف به الى الغير او يصرفه ويستنفذه او يقوم بالتصرف بالمال الموهوب الى الغير كأن يبيع السيارة او الأرض او يوقفها او يهبها للغير...الخ، فهذا الاستهلاك الحقيقي او الحكمي يمنع الورثة من المطالبة بذلك المال الموهوب المستهلك او المطالبة بأن يكون لهم مثل ذلك، لأن النص القانوني قد صرح بأن الاستهلاك للهبة في أثناء حياة المورث مستثنى من حكم الوصية لوارث وهذا النص القانوني له أصل في الفقه الإسلامي الذي يقرر لزوم الهبة الإسلامية على استقرار المراكز القانونية ولتعلق حق الغير بالهبة وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بهذه الوجهة حيث قرر عدم جواز رجوع المورث الواهب عن هبته للوارث في حياتهما اذا كان الوارث قد استهلك المال الموهوب حسبما ورد في المادة 197. ))

2- عمل عقد بيع في حالة كان الوارث قدم عملا او جهدا للمورث

يقول الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين في بحثه المشار اليه انفا ((من خلال مطالعة أسباب الحكم محل تعليقنا نجد أنه أشار في معرض تسبيبه الى أن الهبة الصادرة من المورثة لوارثها كانت من غير مقابل أي أن الوارث الموهوب له لم يقدم أي عوض او بدل او منفعة او خدمة لمورثه مقابل الهبة التي وهبتها له مورثته وهذا لا يجوز شرعا وقانونا لأن الهبة في هذه الحالة تكون بمثابة الوصية لوارث التي لا تصح الا اذا أجازها الورثة بعد وفاة مورثهم على النحو السابق بيانه لأن الهبة في هذه الحالة مفاضلة بين الورثة تثير الأحقاد والحسد وهو محرم في الشريعة أما اذا كانت الهبة من المورث لأحد ورثته مقابل خدمة قدمه الوارث لمورثه مثل ان تنفرد الأخت او البنت او غيرها من الورثة بخدمة ابيها او أمها العاجزين او غيرهما فيقوم الاب او الام بهبتها بعض المال الذي يتناسب مع الجهد والعمل المبذول منها فلا يكون هذا التصرف هبة بالمعنى الدقيق ولا تنطبق على هذا التصرف احكام الهبة للوارث لأن التصرف هذه معاوضة وليس هبة شرعية ويسري هذا الحكم على الوارث الذي يقوم بعلاج مورثه او الانفاق عليه وقد أشارت الى جواز الهبة في هذه الحالة المادة 180 أحوال شخصية التي نصت على أنه ( تصح الهبة بعوض ولو من غير الموهوب له) وقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن وغيرها على جواز الهبة للوارث اذا كانت مقابل خدمة او منفعة او مال دفعه الوارث لمورثه في اثناء حياته اذا كانت هناك دلائل او قرائن تدل على ذلك وقد صرح قانون الأحوال الشخصية بجواز الهبة مقابل منفعة باعتبارها ليست هبة بالمفهوم الحقيقي وانما هي من قبيل البيع او القرض او الاجازة حسبما تدل عليه قرائن الحال حيث نصت المادة 188 أحوال شخصية على أن (الهبة على عوض مشترط ان كان مالا او منفعة تأخذ حكم البيع)

هناك حالات لا تندرج ضمن الهبة للوارث ومن ذلك المال الذي يدفعه المورث اثناء حياته او يهبه او يوصيه الى أي من ورثته المحتملين مقابل شقية او سعي قام به الوارث شريطة ان يكون هناك تناسب فيما بين عائد السعي او الشقاء والمال الموهوب او الموصي به للساعي من الورثة كذلك لا يندرج ضمن حكم الهبة لوارث المال الذي ينفقه المورث على ورثته باستثناء نفقات الزواج والتعليم))

3-عمل عقد هبة لاحد الورثة بنصيب أكبر من البقية مع ذكران هناك عذر للولد الذي وهب له أكثر من البقية في العقد حيث يكون هناك معنى معتبر يقتضي التخصيص؛ كأن يختص أحدهم بحاجة، أو مرض، أو كثرة عيال، أو....الخ، فيجب ان يكون هناك عذر قوي تقتنع به المحكمة في حالة حدث نزاع ووصل الامر اليها.

4-يُمكن للاب بيع المال الذي يريد هبته لاحد أولاده للغير بيعا صوريا على أن يقوم الغير بإرجاعه للولد

 

 

                     عمل// سمر عبدالسلام العريقي

 

 

 

بيع الشريك المدير لأموال الشركة ذات المسؤولية المحدودة

 

 


لمعرفة مدى حجية بيع الشريك المدير لأموال أي نوع من أنواع الشركات يجب الرجوع الى النصوص القانونية التي نظمت إدارة الشركة لذلك سنعود للنصوص التي نظمت إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة.

وقبل ذلك نتناول بشكل سريع الذمة المالية للشركة ذات المسؤولية المحدودة.                                          

بما أن هذه الشركة هي من أنواع شركات الأموال فالذمة المالية لها ستكون مستقلة تماماً عن الذمة المالية للشركاء ويكون الشريك مسئولاً فقط بحدود حصته في رأسمالها الا في حالة واحدة وهي مخالفة الشركاء، وذلك ما بينته المادة 256 فقرة (ب)من قانون الشركات التجارية اليمني عند حديثها عن إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة بقولها: [المديرين مسئولون بالتضامن تجاه الشركة والغير عن مخالفتهم لأحكام القوانين أو لنظام الشركة الرئيسي وعن أخطاؤهم في إدارة الشركة وفقاً للقواعد المطبقة على الشركات المساهمة]

ولذلك إذا خالف الشريك أحكام القانون وقام ببيع أموال الشركة وخاصة العقار-وهذا ما سنتناوله- فإنه سيكون مسؤولا بأمواله الخاصة تجاه من تعامل معه.

إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة

تدار الشركة ذات المسؤولية المحدودة بواسطة مدير او أكثر او بواسطة مجلس إدارة:

قد يكون للشركة  مدير واحد أو أكثر -لا يتجاوز 7 أشخاص- وهذا ما نصت عليه المادة265 من قانون الشركات التجارية اليمني بقولها: [يتولى إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة مدير أو أكثر على أن لا يتجاوز عدد المدراء سبعة وذلك وفق أحكام النظام الأساسي للشركة أو إقرار من الجمعية العامة للشركاء] يتولون الإدارة بشكل كامل وقد يكون لكل منهم صلاحيات محدودة بمجال محدد من مجالات عمل الشركة وأنشطتها، أو أن يكون للشركة مجلس مديرين يتولون إدارة الشركة بصفة جماعية فقد أجاز القانون اليمني تشكيل مجلس إدارة للشركة ذات المسؤولية المحدودة فالمادة 46 من اللائحة التنفيذية للقانون التجاري تنص على الاتي: [مع مراعاة حكم المادة(256) من القانون اذا زاد عدد مديري الشركة المحدودة على خمسة أشخاص أو أكثر جاز للشركة تشكيل مجلس إدارة تكون أغلبية أعضائه من حملة الجنسية اليمنية]

صلاحيات المدير والشركاء: -

الأصل ان مدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة صلاحيته كاملة لا يقيدها الا عقد التأسيس والنظام الأساسي واحكام القانون ولم يذكر القانون اليمني هذا المعنى صراحة-كما سنبين لاحقاً- بل ذكرته قوانين عربية أخرى كالقانون الاتحادي الاماراتي بشأن الشركات التجارية في المادة 81 الفقرة (2) بقولها: [ما لم يقيد عقد تعيين مدير الشركة او تأسيسها أو نظامها الداخلي الصلاحيات الممنوحة للمدير فإنه يكون مخولاً بمباشرة الصلاحيات الكاملة في إدارة الشركة وتعتبر تصرفاته ملزمة لها بشرط أن تكون مشفوعة ببيان الصفة التي يتعامل بها].

لذلك فإن الإدارة تكون مطلقة وكاملة إلا إذا قيدتها نصوص القانون وعقد التأسيس والنظام الأساسي للشركة، تنص المادة 60 فقرة (ب) من قانون الشركات التجارية الأردني على الاتي: [يكون لمدير الشركة ذات المسؤولية المحدودة أو لهيئة المديرين فيها الصلاحيات الكاملة في إدارة الشركة في الحدود التي يبينها نظامها.....]

كما أن المادة 554 من قانون الشركات التجارية الجزائري التي تتحدث عن الشركة ذات المسؤولية المحدودة تنص على الاتي: [يجوز للمدير في العلاقات بين الشركاء وعند عدم تحديد سلطاته في القانون الأساسي أن يقوم بكافة أعمال الإدارة لصالح الشركة وعند تعدد المديرين يتمتع كل واحد منهم منفردا بالسلطات المنصوص عليها في الفقرة المتقدمة ويحق لكل واحد منهم أن يعارض في كل عملية قبل إبرامها].

أيضا المادة 242 من قانون الشركات التجارية القطري تنص على الاتي: [يكون لمدير الشركة السلطة الكاملة في إدارتها ما لم تحدد وثيقة تأسيس الشركة سلطته....]

 

يتبين ان إدارة الشركة حق مقصور لمديريها فقط أما باقي الشركاء فلهم حقوق والتزامات أخرى غير الإدارة كالحضور في اجتماعات الهيئة العامة العادية وغير العادية والتصويت فيها والموافقة على زيادة رأس مال الشركة وتخفيضه ومراقبة أعمال المديرين ونصحهم ولهم الاطلاع على اعمالها وفحص دفاترها ووثائقها ولهم مناقشة الموضوعات المدرجة على جدول الاعمال ويكون المديرون ملزمين بالإجابة على أسئلتهم.

 

وسنناقش مدى حجية بيع المدير لأموال الشركة كون هذا العمل داخل ضمن تسيير أمور ومهام الشركة إداريا وماليا التي لا يملك اجراءها الا هو وليس بقية الشركاء، وسيقتصر نقاشنا على القانون اليمني فقط على النحو الاتي: -

إن المادة 256 فقرة (ج) من قانون الشركات التجارية اليمني التي تنظم إدارة الشركة ذات المسؤولية المحدودة تنص على الاتي: [يعين النظام الأساسي سلطة المديرين]

ان هذه الفقرة توضح بشكل صريح ان صلاحيات وسلطات المدير يعينها النظام الأساسي للشركة وأي عمل يقوم به خارج عن حدود ما هو معين في النظام الأساسي يكون عملا مخالفا للشركة يقتضي ثبوت مسؤوليته عليها فالمدير يكون مسؤولاً شخصياً عن خطئه تجاه الشركة والشركاء والغير عن الضرر الذي يلحق بهم جراء أعماله المخالفة للقانون، أو النظام الأساسي للشركة، أو الخطأ الجسيم في أداء مهامه.

 

 لا يجوز للمدير بيع عقارات الشركة وموجوداتها حيث ان هذا البيع سيكون خارجاً عن حدود اختصاصه فالبيع من أعمال التصرف وليس من أعمال الإدارة وأعمال التصرف بشكل عام -وخاصة بين الشركاء- تتطلب الاذن والوكالة كما ذكر ذلك الفقه الإسلامي فقد جاء في الموسوعة الفقهية: "الإذن في العقود يفيد ثبوت ولاية التصرف الذي تناوله الإذن وذلك كالوكالة والشركة والقراض-المضاربة- فإنه بمقتضى هذه العقود يثبت لكل من الوكيل وعامل القراض والشريك ولاية التصرف الذي تناوله الإذن كالوكالة في عقد البيع او في عقد النكاح وهكذا ولا يجوز له مباشرة أي عقد يخالف نص الإذن"

إن الاذن الذي أكد عليه الفقه الإسلامي يتمثل هنا في ان يكون البيع مصرحاً به من الجمعية العامة للشركة كما سنرى.

إن القانون اليمني حسم هذا الأمر بنص واضح وصريح حيث نصت المادة (48) المذكورة في الباب الرابع الخاص بالشركات ذات المسئولية المحدودة من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات التجارية اليمني على الاتي: [لا يجوز لمجلس الإدارة او مدير عام الشركة بيع عقارات الشركة او موجوداتها أو رهنها أو ابراء ذمة مدينيها الا إذا كان مصرحاً لهم بذلك من الجمعية العامة للشركاء].

فالبيع هنا يجب ان يكون بتصريح من الجمعية العامة للشركاء والا كان باطلاً فهذا هو اختصاصها فقد نصت المادة التالية (49) من نفس القانون سابق الذكر على الاتي: [لمجلس الإدارة او المدير العام جميع السلطات والصلاحيات اللازمة لتحقيق أغراض الشركة فيما عدا ما احتفظ به القانون او النظام الأساسي من اختصاصات للجمعية العامة للشركاء].

ملاحظة:

إن المادة 48 ذكرت عدم جواز بيع عقارات الشركة وموجوداتها أيضاً ومعنى موجودات الشركة: (مجموع الأموال والحقوق المملوكة لشركة في وقت معين، وقد تزيد أو تنقص عن رأس المال بحسب ما تكون الشركة قد حققته من أرباح أو منيت به من خسائر)

وبالتالي فإن عدم جواز البيع الا بتصريح الجمعية العامة يشمل العقار والمنقول والحقوق المتصلة بها.

 

 

إعداد المحامية/سمر عبد السلام العريقي

 

                                                     

                                                              

 

 
الاثبات بالمحررات الالكترونية
المحور الأول: مفهوم الكتابة الالكترونية وخصائصها -
يتضمن المحرر الإلكتروني مجموعة من المعلومات والبيانات مدونة على دعامة مادية بشكل دائم، بحيث يسهل قراءتها مباشرة عن طريق الإنسان أو باستخدام آلة مخصصة لذلك.

وقد يكون هذا المحرر عبارة عن مستند عرفيا أو رسميا، ينصرف إلى أي رمز يعبر عن الفكر والقول ومن تم ليس هناك ما يلزم بالاعتقاد أن الكتابة بهذا المفهوم لا تكون إلا فوق الورق أو يمكن أن تتخذ الكتابة شكل مخطوطة يدوية أو أي شكل آخر حيث أظهرت الكتابة الإلكترونية بأن يتم وضع المعلومات في صورة رقمية ويتم تخزينها كبيانات إلكترونية على أقراص cd أو على أقراص مدمجة بذاكرة قراءة فقط CDROM ويتم تخزين المعلومات الإلكترونية تخزينا دائما أو للفترة التي يريدها المتعاقد في قواعد بيانات أجهزة الكمبيوتر.

ومعنى هذا أن فكرة المحرر التي ارتبطت في أذهاننا بالورقة المكتوبة لم يعد يقتصر مفهومها على المفهوم القانوني التقليدي السائد، فلا يوجد في أصلها ما يدل على معناها في ما هو مكتوب على نوع معين من الدعامات سواء كانت ورقية أو غير ذلك، ومن تم نستطيع أن نقول أن كلمة المحرر بهذا المعنى تشمل المحرر الكتابي والإلكتروني على حد سواء. وتتأكد هذا المعنى لدى بعض الشراح الفرنسيين حيث ذهبوا إلى القول بأن المشرع لم يحل إلى دعامة من نوعية معينة عن حديثه عن الكتابة.

ويتميز المحرر الالكتروني بالعديد من الخصائص التي لا تتوافر في المحرر التقليدي ومن بين تلك الخصائص الرئيسية للمحرر الالكتروني التي تتيح تمييزه عن المحرر التقليدي استخدام لغة ثنائية في انشائه وارساله وعدم وجود دعامة مادية ووجود بيانات وصفية وأخيرا انفصاله عن بنية دائمة ونتعرض لتلك الخصائص على النحو التالي:
1-استخدام لغة ثنائية:
يتميز المحرر الالكتروني كما بين ذلك المجلس الدولي للأرشيف بأن البيانات التي يحتوي عليها توجد على دعامة الكترونية في شكل لغة ثنائي كما ان هذه البيانات ليست قابلة للقراءة أو الفهم الا بواسطة أدوات وتقنيات الكترونية وينطبق ذلك على المحرر الرقمي الذي لا يمكن أن يفهمه الإنسان الا اعتباراً من لحظة انشاء طريقة للترجمة من لغة الحاسوب المبهمة الغامضة الى لغة واضحة مفهومة.
2- عدم وجود دعامة مادية:
تعتمد الخاصية الثانية للمحرر الالكتروني على عدم وجود أي دعامة مادية على عكس المحرر التقليدي المودع عادة على دعامة ورقية.
وفي هذا الصدد نلاحظ انه يوجد دائما ارتباط وثيق الصلة بين المضمون في المحرر التقليدي والدعامة (أداة التخزين غالبا قطعة ورق) المدون عليها المعلومات ولا يمكن للمضمون أن يكون منفصلا عن هذا الوسط بينما يفترض المحرر الالكتروني نوعا من استقلال المعلومات الواردة فيها عن أي دعامة (أيا كان شكلها) ويرجع ذلك الى أن مضمون المحرر الالكتروني يسجل على دعامة محددة (قرص صلب او مرن، قرص ضوئي....الخ) ولكنه من وقت لأخر ينفصل عن أداة التخزين الرئيسية وينتقل من أداة الى أخرى وهي غالبا نموذج مختلف من أدوات التخزين فعندما نسترجع المحرر من الحاسوب ونسجله على قرص مرن أو مدمج يختلف وسط التخزين وعندما تتقادم التكنولوجيا تنتقل التسجيلات الى وسط جديد ضمن قواعد بيانات جديدة ونظم تشغيل جديدة.
3- وجود بيانات وصفية:
هي بيانات تقنية عن المحررات الالكترونية غالبا ما تكون مخفية فهي تصف تنظيم المحررات وبنيتها الداخلية والقواعد التي تحكم إضافة وإلغاء المحررات او تغيرها او تحديد هوية الوسائط التي ستخزن فيها البيانات لذا يطلق عليها أيضا حول البيانات.
4-عدم الارتباط ببنية محددة:
تعتبر بنية المحرر الورقي ملموسة ومرئية بالنسبة للمستخدم فهي جزء كامل صحيح من أية وثيقة ورقية وهي أحد المعايير الأساسية لتقييم الثقة والأمان فيها وتقديم الدليل على انها أصلية، وعلى النقيض من ذلك نجد ان بنية المحرر الالكتروني تكون معقدة وغير مرئية للمستخدم.
المحور الثاني: القيمة القانونية للمحررات الالكترونية في بعض التشريعات:
يلعب التوثيق الإلكتروني دورًا أساسيًا في أمن المعاملات الإلكترونية، فلا يمكن تحقيق نتائج عملية في مجال المعاملات الإلكترونية بدون رفع مستوى رفع ثقة المواطن بأمن النظام الإلكتروني، وكذلك بمستوى الحماية القانونية للتعاملات الإلكترونية في القوانين والتشريعات خاصة التي تنفذها الحكومات والدول لتأمين المعاملات لدعم الثقة التجارية.
وقد اعترف المشرع المصري بإمكانية إنشاء المحررات الإلكترونية، في المادة (17) من قانون التوقيع الإلكتروني التي تنص على أن: “تسري في شأن إثبات صحة المحررات الإلكترونية الرسمية والعرفية والتوقيع الإلكتروني والكتابة الإلكترونية، فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون أو لائحته التنفيذية، والأحكام المنصوص عليها في قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية“.
وإذا كان المحرر الرسمي التقليدي-وفقًا للمادة (10) من قانون الإثبات المصري- هو ذلك الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه، أو من تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقًا للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه، فإنه يمكن تعريف المحرر الرسمي الإلكتروني الرسمي؛ بأنه: “المحرر الإلكتروني، أو الكتابة الإلكتروني التي يتولى موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، إثبات ما تم على محرر إلكتروني، أو ما تم على يديه، أو من تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقًا للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه”.
وقد ظهر اتجاه قوي يساوي المحرر الإلكتروني بالمحرر العادي من حيث القيمة الثبوتية، وقد انعكس ذلك على التشريعات الدولية والداخلية، حيث تنص المادة ) من قانون الأونسترال النموذجي المتعلق بالتوقيع الإلكتروني على (1- حيثما يشترط القانون وجود توقيع من شخص يعد ذلك الإشتراط مستوفي بالنسبة لرسالة البيانات إذا استخدم توقيع الكتروني موثوق به بالقدر المناسب للغرض الذي أنشئت من أجله رسالة البيانات في ضوء كل الظروف بما في ذلك أي اتفاق ذي صلة.
حيث يعطي هذا النص لرسالة البيانات نفس القيمة القانونية للمستند الورقي الذي يقترن بتوقيع، إذا اقترنت رسالة البيانات بتوقيع الكتروني موثوق به، حيث يمكن نسبة الرسالة لصاحبها، ويتحقق ذلك إذا كانت بيانات إنشاء التوقيع خاضعة لسيطرة الموقع، وكان بالإمكان اكتشاف أي تغيير يطرأ على المحرر بعد ربطه بهذا التوقيع وفق الفقرة (3) من المادة (6) من قانون الأونسترال.
ونصت المادة (5) من التوجيه الأوروبي المتعلق بالتوقيع الإلكتروني لسنة 1999م ذات القيمة القانونية للتوقيع الإلكتروني مثل التوقيع الخطي، وقد بينت المادة الثانية من ذات التوجيه شروط موثوقيته وهي:
أ‌-       أن يرتبط التوقيع بالموقع وحده.
ب‌- أن يمكن من تحديد هوية الموقع.
ج‌-   أن ينشأ بوسائل تمكن الموقع من ابقائه تحت رقابته.
د‌-     أن يرتبط بالمعطيات التي يتضمنها بالشكل الذي يمكن من اكتشاف أي تعديلات تطرأ على المحرر.
ونصت المادة (323) مكرر من القانون المدني الجزائري على أن: يعتبر الإثبات بالكتابة في الشكل الالكتروني كالإثبات بالكتابة على الورق بشرط إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها وأن تكون معدة ومحفوظة في ظروف تضمن سلامتها) والملاحظ على النص أن المشرع الجزائري ساوى بين المحرر الورقي والإلكتروني في القيمة الثبوتية بشرط أن يكون منسوبًا للشخص الذي أصدره.
كما اشترط كذلك المشرع الفرنسي أن تكون الأحرف أو الأرقام أو الرموز التي تعبر عن البيانات التي يتضمنها المحرر الإلكتروني (دليل إثبات) ذات دلالة تعبيرية واضحة ومفهومة عند عرضها على الشخص المقرر أن تقدم إليه ويعتبر ذلك فإن الكتابة الإلكترونية تفقد صفتها كعنصر من عناصر الإثبات، وهو نفس الأمر الذي أخر به قانون إمارة دبي الخاص بالمعاملات التجارية الإلكترونية حيث نص على: " لا يعتبر تفقد المعلومات التي تشير إليها الرسالة الإلكترونية دون تفصيل أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ متى كان الاطلاع على تفاصيل تلك المعلومات متاحًا ضمن النظام الإلكتروني الخاص بمشيئتها".
المحور الثالث: الاثبات بالمحررات الالكترونية في التشريع اليمني:
أولاً: تعريف المحرر الالكتروني في التشريع اليمني: -
لقد عرف القانون اليمني في المادة(2) من قانون أنظمة الدفع الالكترونية والمالية والمصرفية السند الالكتروني وهو مصطلح رديف للمحرر الالكتروني: [هو أي بيان أو رسالة أو قيد أو علمية أو معلومة أو عقد أو توقيع أو برنامج أو سجل أو إجراء أو شهادة أو رمز أو توثيق أو أية أوراق مالية أو تجاري يتم الحصول عليها بوسيلة إلكترونية]. ويدخل في إطار هذا النص معنى ومفهوم المحرر الالكتروني بمفهومه الشامل.
كما عرف المشرع اليمني رسالة البيانات بأنها: [مجموعة من الأوامر والأرقام التي تحتاج إلى معالجة وتنظيم، أو إعادة تنظيم لكي تتحول على معلومات، وقد تأخذ شكل نص أو أرقام أو أشكال أو رسومات أو صور أو تسجيل أو أي مزيج من هذه العناصر].
وعرف رسالة المعلومات بأنها: [هي عبارة عن بيانات تمت معالجتها بواسطة نظام معالجة المعلومات فأخذت شكلاً مفهوماً].
ويبنى على ذلك أن المحررات الالكترونية صارت محدودة ومعلوم ماهيتها بهذا النص على الرغم من أن المشرع ليس من مهامه سرد التعريفات وتركها للفقه غير أنه أورد معنى رسالة البيانات ورسالة المعلومات حتى لا تظل الآراء متباينة حول ماهية هذه المحررات وطبيعتها وشكلها وأعطى لها مفهوما ومدلولا واسعا يدخل في نطاقه كل ما تتخيله من محررات أي كانت لغة وطريقة وشكل الكتابة الالكترونية،
وينبي على ذلك أيضاً اعتبار كافة المراسلات التي يتم تبادلها عبر البرامج الالكترونية محررات الكترونية سواء كان ذلك البرنامج بريدا الكترونيا او غيره من البرامج المستخدمة في التواصل عن بعد لإجراء التصرفات وابرام العقود.
ثانياً: شروط المحرر الالكتروني ليكون صالحاً للاحتجاج به أمام القضاء في التشريع اليمني:
1-شرط الكتابة:
ويشترط في الكتابة الالكترونية لتؤدي دورها في الاثبات ما يلي:
1-أن تكون مقروءة وذا معنى ومنسوباً لصاحبه.
2-أن يتصف المحرر بالاستمرار.
3-عدم قابلية المحرر الالكتروني للتعديل والتغيير وإمكانية الاحتفاظ به في شكله الأصلي وإمكانية استرجاعه.
وقد نص المشرع اليمني على هذه الشروط في المادة(11) من قانون أنظمة الدفع الالكترونية التي تنص على الاتي: -
[1-يعتبر السجل الالكتروني سجلاً قانونياً ويكون له صفة النسخة الأصلية إذا توافرت فيه الشروط التالية: -
‌أ- أن تكون البيانات والمعلومات الواردة في ذلك السجل قابلة للاحتفاظ بها وتخزينها بحيث يمكن في أي وقت الرجوع إليها.
‌ب- إمكانية الاحتفاظ بالسجل الإلكتروني بالشكل الذي تم به انشاؤه أو إرساله أو تسلمه أو بأي شكل يسهل به إثبات دقة البيانات والمعلومات التي وردت فيه عند إنشائه أو إرساله أو تسلمه.
‌ج- دلالة البيانات والمعلومات الواردة في السجل على من ينشؤه أو يتسلمه وتاريخ ووقت إرساله وتسلمه .
2- لا تطبق الشروط الواردة في الفقرة(1)من هذه المادة على المعلومات المرافقة للسجل التي يكون القصد منها تسهيل إرساله وتسلمه.
3- يجوز للمنشئ أو المرسل أليه إثبات الشروط الواردة في الفقرة (1) من هذه المادة بواسطة الغير].
2-شرط التوقيع الالكتروني:
يتعين أن يستوفي التوقيع الالكتروني شروط وجوده قانوناً ليؤدي وظيفته بإثبات الارتباط بين صاحب التوقيع والمحرر الالكتروني وهي كالاتي:
1-   أن يكون التوقيع خاصا بالشخص الموقع ومرتبطا به دون غيره.
2-   أن يمكن من معرفة الشخص الموقع ويحدد هويته.
3-   أن يكون التوقيع خاضعا للموقع.
4-   ارتباط التوقيع بالرسالة الالكترونية بصورة لا تسمح بإجراء أي تعديل عليها بعد توثيقه.
وقد نص المشرع اليمني على هذه الشروط في المادة(33) فقرة(1) من قانون أنظمة الدفع الالكترونية التي تنص على الاتي: -
[إذا تبين أن نتيجة تطبيق إجراءات التوثيق المستخدمة معتمدة أو مقبولة تجارياً أو متفقاً عليها بين الأطراف فيعتبر التوقيع الإلكتروني موثقاً إذا أتصف بما يلي: -
أ‌-تميز بشكل فريد بارتباطه بالشخص صاحب العلاقة.
ب‌-كان كافياً للتعريف بشخص صاحبه.
ج-تم إنشاؤه بوسائل خاصة بالشخص وتحت سيطرته.
د-ارتبط بالسجل الذي يتعلق به بصورة لا تسمح بإجراء تعديل على القيد بعد توقيعه دون إحداث تغيير في التوقيع أو ترك أثر مادي ملموس].
ثالثاً: وسائل تأمين المحررات الالكترونية وحمايتها في التشريع اليمني: -
لا ترجع ثقة المتعاملين بالمحررات الالكترونية لقواعد الاثبات بل لكفاءة التقنية المستخدمة بتأمينها وسلامة التوقيع عليها وقد سعى الخبراء لإيجاد وسائل تقنية توفر الأمان للتوقيع وتجنب مخاطر التغيير والتحريف وأهم تلك الوسائل هو التشفير والاستعانة بطرف ثالث للمصادقة على صحة التوقيعات.
1-   التشفير:
لقد أجاز التشريع اليمني عملية التشفير للبيانات والمعلومات التي يتم التعامل بها وتدوينها او تسجيلها عبر الوسائط الالكترونية وفقاً لنص المادة(44)  فقرة(2): [يصدر محافظ البنك الأنظمة والتعليمات والقرارات المتعلقة بأنظمة وإجراءات المدفوعات وبصفة خالصة ما يلي:- 2- تنظيم إصدار شهادات التوثيق من الجهة المختصة بوضع وتسويق برامج الحاسب الآلي وبما يكفل وضع ضوابط تحفظ سرية استخدام الشفرة الخاصة بالتوقيع الإلكتروني من الشخص المعني واتخاذ الضمانات المناسبة لذلك، وتخضع مسئولية الجهة المذكورة وفقاً للقواعد العامة في المسئولية المدنية أو المسئولية الجنائية].
 
 وبالتالي بات التشفير وسيلة حتمية للمحافظة على سرية البيانات والمعلومات التي تحويها المراسلات الالكترونية ويتم تشفير الرسائل وتحويلها لبيانات غير مفهومه للآخرين بعدة طرق منها:
·       التشفير المتماثل: في هذه الصورة يتم استخدام الرمز السري ذاته في تشفير الرسالة الالكترونية وفي فك تشفيرها ومطالعتها فالرمز السري الذي يستخدمه منشئ الرسالة ومستقبلها هو ذات الرمز.
·       التشفير غير المتماثل: في هذه التقنية لا يتم استخدام الرمز ذاته في تشفير المراسلات بل يستخدم رمزان سريان لذلك لا يمكن قراءة أي محرر الكتروني او رسالة مشفرة الا بعد مطابقة المفتاحين العام والخاص معا لان أحدهما يستخدم للتشفير والأخر لفك التشفير.
 
2-التصديق على الرسائل الالكترونية:
يأتي تصديق المعاملات الالكترونية كبديل للوسائل التقليدية في توثيق العقود والتصرفات القانونية امام جهات التوثيق بالمحاكم والسفارات.
وقد بين المشرع اليمني في المادة(2) بأن التوثيق هو عبارة عن: [إجراءات التوثيق: الإجراءات المتبعة للتحقق من أن التوقيع الإلكتروني أو السجل الإلكتروني قد تم تنفيذه من شخص معين، أو لتتبع التغيرات والأخطاء التي حدثت في سجل إلكتروني بعد إنشائه بما في ذلك استخدام وسائل التحليل للتعرف على الرموز والكلمات والأرقام وفك التشفير والاستعادة العكسية أو أي وسيلة أو إجراءات أخرى تحقق الغرض المطلوب.
شهادة التوثيق: الشهادة الصادرة عن الجهة المختصة لإثبات نسبة توقيع إلكتروني إلى شخص معين استناداً إلى إجراءات توثيق معتمدة.
الجهة المختصة: هي كل شخص قانوني مصرح من قبل الجهة المسئولة في الدولة يقوم بتسليم شهادات توثيق للجمهور أو يقدم خدمات مرتبطة بالتوقيعات الإلكترونية].
فأوضحت هذه المادة الإجراءات التي يتم اتباعها ليكون التوقيع مؤمناً او موثقاً او محمياً واتاحت استخدام أية وسيلة تحقق تأمين التوقيع والمحرر الالكتروني وتصدر بذلك شهادة تصديق من الجهة المعنية وفقا للمادة(34) من القانون ذاته والتي تنص أنه: [يعتبر السجل الإلكتروني أو أي جزء منه يحمل توقيعاً إلكترونياً موثقاً، سجلاً موثقاً بكامله أو فيما يتعلق بذلك الجزء، حسب واقع الحال، إذا تم التوقيع خلال مدة سريان شهادة توثيق معتمدة وكان متطابقاً مع رمز التعريف المبين في تلك الشهادة.]
وبذلك يعد التوثيق للتوقيع او المحرر قرينة على صحته وحجة بما جاء فيه وبدون التوثيق لا حجية له وفقاً للمادة (33) الفقرة(3) من القانون ذاته التي تنص: [3-إذا لم يكن السجل الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني موثقاً فليس له أي حجية].
رابعاً: القيمة القانونية للمحررات الالكترونية في التشريع اليمني: -
لقد ساوى المشرع اليمني بين المحرر الورقي والمحرر الالكتروني من حيث الزاميته وحجيته وصار المحرر الورقي والالكتروني بالدرجة ذاتها في الاثبات والحجية والقبول.
فجاء نص المادة(10) من قانون أنظمة الدفع على أنه: [يكون للسجل الإلكتروني والعقد الإلكتروني ورسالة البيانات والمعلومات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني نفس الآثار القانونية المترتبة على الوثائق والمستندات والتوقيعات الخطية من حيث إلزامها لأطرافها أو حجيتها في الإثبات.]
وبذلك تتساوى المحررات العادية بالمحررات الالكترونية في التشريع اليمني طالما تحققت شروطها القانونية، ونصل لنتيجة مفادها ان المحررات الالكترونية دليل اثبات كتابي كالمحررات الورقية على حد سواء.
1-   المحررات الالكترونية الموقع عليها:
تعتبر هذه المحررات الممهورة بتوقيع الكتروني ذا حجية كاملة في الاثبات يعتد بها القاضي كدليل كتابي كامل سواء في اثبات التعاملات المدنية او التجارية أو غيرها.
2-   المحررات الالكترونية غير الموقع عليها:
أن خلو المحرر الإلكتروني من التوقيع يثير تساؤلاً، عن إمكانية الإثبات به والاستناد إليه رغم انتفاء شرط التوقيع ويختلف الحال تبعا للمجال الذي استخدمت فيه وذلك على النحو الاتي:
أ‌-      إثبات التعاملات التجارية:
 
يسود في المعاملات التجارية مبدأ حرية الإثبات وفقا للمادة (1/69) من قانون التجارة اليمني)، ويكون معه للأطراف إقامة الدليل من خلال المراسلات الإلكترونية المتبادلة فيما بينهم، طالما كانوا من التجار ولغرض التجارة. ومن هنا اتفق الفقه الحديث على جواز الإثبات في المواد التجارية بالوسائل الإلكترونية الحديثة ولو لم تتوافر فيها مقومات الدليل الكتابي الكامل كالتوقيع.
وقد أخذ المشرع اليمني بحرية الإثبات في المواد التجارية أياً كانت قيمتها، وبناء عليه، إذا كان برنامج الواتس مثلا مستخدما بين تاجرين لأعمال تجارتهما، فإن المبدأ هو حرية الإثبات لتلك التعاقدات، ما لم يوجد اتفاق مغاير، ويكون للقاضي سلطة وزن ذلك الدليل وقبوله إذا اطمئن إليه ضميره، وتم إعداده في ظروف تضفي عليه المصداقية وصحة ما جاء فيه، بما في ذلك المراسلات الإلكترونية البسيطة.
 
ب‌-  اتفاق الأطراف على اعتبار المراسلات الإلكترونية غير الموقع عليها حجة في الإثبات:
-الاتفاق الصريح:
يرى غالبية الفقه جواز الاتفاق على ما يخالف القواعد الموضوعية المتعلقة بمحل الاثبات وطرقه وعبئه دون القواعد الإجرائية لعدم تعلقها بالنظام العام وبناء على ذلك يكون للأطراف الاتفاق على الحجة التعاقدية المقبولة فيما بينهم من أجل ابرام التزامات متبادلة او انقضائها لسد ثغرات القانون وقصوره.
والاستناد الى محرر الكتروني غير موقع عليه إلكترونياً، لا يعني أنه محرر غير مقبول كدليل للإثبات، لأنه مع عدم التوقيع عليه قد يكون محل إقرار في إنشائه وإرساله من الخصم في الدعوى، وحينها يكون ما حواه ذلك المحرر حجةً بكل ما تضمنه من وقائع، كما أنه قد يكون محل اتفاق على اعتباره حجة.
وقد سار على هذا المسلك المشرع اليمني بالمادة (35) من. ق. أ. د. م. ك . باعتماد شهادة التصديق إذا كانت صادرة عن جهة وافق أطراف المعاملة على اعتمادها فقرة (3)، وبما أقره صراحة بالمادة (2/13) بأنه:
 [يتم إثبات صحة التوقيع الإلكتروني ونسبته إلى صاحبه، إذا توافرت طريقة لتحديد هويته والدلالة على موافقته على المعلومات الواردة في السجل الإلكتروني الذي يحمل توقيعه، إذا كانت تلك الطريقة مما يعول عليها لهذه الغاية في ضوء الظروف المتعلقة بالمعاملة، بما في ذلك اتفاق الأطراف على استخدام تلك الطريقة].
ويمكن الاستناد إلى هذا النص للأخذ بالاتفاق وقبوله إذا كان محله الاحتجاج بالمراسلات الإلكترونية البسيطة أو الموقع عليها توقيعاً عادياً،
ومن هنا يتضح بأن التشريع أجازا اتفاق الأطراف، وجعل له أثراً بيناً على قواعد الإثبات، دون تفرقة بين الدليل التقليدي والإلكتروني.
-الاتفاق الضمني:
وإذا كان من الجائز الاتفاق صراحة على الاعتداد بالمحررات الالكترونية باتفاق مستقل او بشرط في عقد فإن من الجائز الاعتداد بها ضمنيا كما لو تقدم خصم بمحرر الكتروني لإثبات ادعائه فسلم به الخصم الاخر ولم يدفع بعدم جواز ذلك عندئذ يعتبر السكوت تنازلا ضمنيا منه يسقط معه الدفع تأسيساً على عدم تعلق القاعدة التي توجب الاثبات بالدليل الكتابي بالنظام العام.
وإذا كان الحال كما سلف، وكانت أغلب قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام، فإنه يجوز للخصوم الاتفاق على ما يخالفها سواء بتيسير عبء الإثبات أو بتشديده أو بالاتفاق على الإثبات بمحررات إلكترونية لا تتوافر فيها الشروط التي تطلبها القانون أو استبعادها من الإثبات رغم حجيتها.
ج-قبول المحرر الإلكتروني غير الموقع كمبدأ ثبوت بالكتابة:
 
وذلك حينما لا يوجد أصل ذلك المحرر على الدعامة الإلكترونية كما في حال تلفها، أو عدم توافر شروط صحتها المعتبرة للأخذ بها قانوناً، ففي هذه الحالة من شأن تلك الكتابة أن تجعل الالتزام المدعى به أو الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال والحدوث، ويجوز اصاحب المصلحة من الخصوم استكمال ذلك الدليل بشهادة الشهود أو القرائن أو الخبرة أو بها جميعاً لإثبات ما ادعاه وبتظافر تلك الأدلة يكون للمحرر المستخرج إلكترونيا قيمة قانونية تخضع في تقديرها لقاضي الموضوع.
خامساً: العقود والتصرفات التي لا يقبل اثباتها بالمحررات الالكترونية: -
هناك تعاملات قانونية وتصرفات تخرج عن نطاق الاثبات بالأدلة الالكترونية حتى مع اعتبارها دليلا كاملا وذلك لخطورة التصرف كتلك التي استلزم المشرع لها شكلية محددة وما أخرجه بنصوص صريحة عن احكام التعاملات الحديثة وأهم هذه الاعمال القانونية معاملات الاحول الشخصية والعقود الشكلية كـ
(بيع المتجر ورهنه-بيع الطائرات ورهنها-بيع السفينة ورهنها-التصرفات المتعلقة بالعقارات)
وهو ما أكد عليه المشرع اليمني في المادة(5) من قانون أنظمة الدفع التي تنص: [لا تسري أحكام هذا القانون على العقود والمستندات والوثائق التي تنظم وفقاً لقوانين خاصة بشكل معين أو تتم بإجراءات محددة غير الكترونية وتحدد اللائحة أنواعها].
 
وفي نهاية البحث نخلص الى ان المشرع اليمني لم يقنن الاثبات بالمحررات الالكترونية بشكل كاف وملبي لتطورات العصر التي أصبحت تحتم علينا التعاملات الالكترونية في كل وقت وحين ونوصي المشرع اليمني بإدخال تعديلات على قانون الاثبات وتنظيم اثبات المحررات الالكترونية بصورة أكثر تفصيلاً.
المراجع:
1-   المحررات الالكترونية كدليل اثبات لـحنان براهمي مجلة الفكر العدد التاسع.
2-   حجية المحررات الالكترونية كدليل اثبات في معاملات التجارة الالكترونية لسليمة غول مجلة دراسات وابحاث المجلة العربية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
3-   قانون رقم (40) لسنة 2006م بشأن أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الالكترونية.
4-   ورقة عمل حول الاثبات بالمحررات الالكترونية في المنازعات المدنية قانونا وقضاء للدكتور والقاضي شمسان حزام الذيب، 2023م.
5-   كتاب الاثبات الالكتروني وأثره في المسائل المدنية والتجارية دراسة مقارنة، للمحامي أسامة محمد عبد الرقيب السقاف، الطبعة الأولى،2021م.
 
اعداد/سمر عبد السلام العريقي