توارث الموتى في حادث واحد

 

 

توارث الموتى في حادث واحد

 

يعد الشك في الموت أحد موانع الميراث المختلف فيها بين الفقهاء وسبب الاختلاف هو الشك في تحقق شرط من شروط الميراث وهو تحقق حياة الوارث عند موت المورث ولغرض البحث في هذا الموضوع سنبين بداية تحديد لحظة الموت وما موقف القوانين المقارنة من هذه المسألة؟ ثم سنبين اراء الفقهاء في اعتبار الشك في الوفاة مانعا من موانع الميراث وما هو الرأي الراجح وما هو موقف المشرع اليمني والقوانين العربية الأخرى.

أولاً: التعريف:

الشك في السبق: أي الشك في أسبقية الوفاة بحيث لا ندري أيهما مات قبل الآخر، وبالمعنى المقابل الأقعدية أي: أيّ الشخصين قعد ومكث حيا بعد الآخر؟

 ويسمى أيضاً موت المعية: وهو عبارة عن مصطلح يطلق للتعبير عن مجموعة من الأشخاص يموتون في وقت واحد او في زمن متقارب الى حد لا يمكن معه تمييز المتقدم والمتأخر منهم في الموت.

ثانياً: تحديد لحظة الموت:

كان الضابط التقليدي للموت هو توقف القلب والتنفس وظهور بعض العلامات فالإنسان يعد ميتاً وفقاً لهذا الضابط متى توقفت العمليات الحيوية في جسده وزالت عنه كل مظاهر الحياة وذلك بالتوقف النهائي للقلب والجهاز التنفسي عن العمل لكن هذا الضابط لم يعد يتفق مع ما توصل اليه الطب الحديث من أن بعض الأعضاء او الوظائف الرئيسية الأخرى كالقلب والتنفس قد تتوقف ظاهرياً وبصورة مؤقتة عن العمل ولكن ما دام المخ حياً فإنه يمكن إسعافها وإعادتها الى العمل عن طريق الاستعانة بوسائل الإنعاش او الصدمات الكهربائية او تدليك القلب ولذا تحول الأطباء عن الضابط السابق الى الأخذ بضابط جديد للموت يربط بين موت خلايا الدماغ بما فيها خلايا جذع المخ وبين موت الانسان.

إن موت الدماغ ليس موضوع اتفاق بين الأطباء باعتبار الانسان ميتاً وهناك جدل فيما بينهم على ذلك فمنهم (وهم الغالبية) من يعتبر موت الدماغ لحظة موت الانسان حتى لو كان قلبه يعمل بواسطة الأجهزة الطبية ومنهم من يعتبر موت القلب نهاية الحياة حتى لو كان الدماغ يعمل بشكل طبيعي.

موقف المجمع الفقهي الإسلامي الذي يعتبر الشخص ميتاً شرعاً وتترتب عليه جميع الأفكار المقررة إذا تبين فيه إحدى الحالتين الاتيتين:

الحالة الأولى: إذا توقف قلبه وتنفسه توافقاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.

الحالة الثانية: إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

مفهوم الموت قانوناً:

إن عملية تحديد لحظة الموت في غاية الأهمية نظرا لما يترتب عليها من اثار قانونية باعتبارها انتهاء الشخصية القانونية للفرد، ولها أهمية كبيرة في مجال في مجال الجنايات والميراث، وتعتبر اللحظة التي تبدأ بعد لحظة الموت هي اللحظة التي ينتقل فيها الميراث من المورث الى الوارث عند الفقهاء وبذلك يعد ضرورياً تحديد تلك اللحظة من الناحية القانونية.

أ-التشريعات التي التزمت الصمت:

إن هناك تشريعات قانونية التزمت الصمت ولم تحدد لحظة الموت اذ انها ترى انه ليس من عمل المشرع تعريف الموت لكونه مسألة طبية خالصة، فضل عن ان العلم يتطور بشكل سريع في هذا المجال فما كان يعد موتاً (الموت الظاهري) لم يعد كذلك مع التقدم العلمي وعلى أساس ذلك يرى أنصار هذا الاتجاه أن تحديد لحظة الموت تكون من اختصاص الأطباء وتصدره الجهات الرسمية وفق معايير يجب عليهم الاسترشاد بها، ومن التشريعات المقارنة التي أخذت بهذا الاتجاه هما التشريعان المغربي والمصري اذ لم يعرف الموت ولم يحدد المعيار الواجب اتباعه باعتبار ان الانسان قد فارق الحياة وجعل ذلك من اختصاص الطبيب الشرعي وحده دون أي تدخل.

ب-التشريعات التي حددت مفهوم الموت:

يرى أنصار هذا الاتجاه بأنه لا بد من أن يصدر تشريع لتحديد لحظة الموت وخاصة بعد شيوع العمل بنقل الأعضاء البشرية من شخص ميت الى اخر على فراش الموت وخوفاً من أن يسعى الطبيب المعالج لكسب الشهرة ويحكم بموت الشخص قبل ان تخلد روحه للباري عز وجل، وأخذ بهذا الاتجاه التشريعان السوري والعراقي، فقد أخذ المشرع العراقي بمفهوم الموت الحقيقي وليس الظاهري والذي يكون بموت الدماغ مع العلامات الظاهرة دون أن يكون لأجهزة الإنعاش الصناعي دور بذلك فلو توقف الدماغ عن العمل وبقي جسم الإنسان  يعمل بواسطة الأجهزة الصناعية فيعتبر الإنسان ميتاً قانوناً أما المشرع السوري فقد استند إلى توقف القلب والرئتين لتحديد لحظة الموت مما يعني تبنيه لمعيار الموت الظاهري.

 ج- موقف المشرع اليمني من تحديد لحظة الموت:

لم يحدد المشرع اليمني لحظة الموت وبذلك يكون من التشريعات التي التزمت الصمت وتركت هذا الأمر للطب.

ثالثاً: قواعد توريث الموتى

إن أحد شروط الميراث هو تحقق حياة المورث عند موت المورث ففي هذه الحالة يرث الحي من الميت عند توافر أحد أسباب الميراث بلا خلاف، ولكن الخلاف في حالة توريث الموتى مثل من ماتوا بحادث من الحوادث كالغرق والهدم والانفجار والحرق أو سقوط طائرة أو حادث سير أو سقوط بناء أو جدار، فهذه الحوادث ينشأ عنها غالباً موت جماعي، يصعب معه تحديد لحظة الموت بالنسبة لكل واحد منهم ولا يخلو حالهم من إحدى الحالات التالية:

الحالة الأولى: أن يعلم يقيناً أن أحد هؤلاء قد مات قبل موت الآخر وهنا يرث المتأخر المتقدم منهما باتفاق الفقهاء لتيقن حياة الوارث بعد موت المورث.

الحالة الثانية: أن يعلم خروج أرواحهم معاً وفي هذه الحالة لا يرث بعضهم البعض لانعدام شرط من شروط الميراث وهو تيقن حياة الوارث عند موت المورث ففي هذه الحالة لا يوجد توارث بين الأموات وإنما يرث الأحياء الأموات.

الحالة الثالثة: أن يجهل السابق منهم في الموت، أو علم أن أحدهم مات قبل الاخر، ولكن يجهل السابق منهم على اليقين ففي هذه الحالة اختلف الفقهاء في توريثهم على النحو الاتي:

القول الأول: لا يرث الموتى من الموتى

ذهب أصحاب هذا القول الى ان الورثة الذين ماتوا في وقت واحد وجهل المتقدم منهم من المتأخر لا يرثون بعضهم البعض ومالهم لورثتهم الأحياء وذهب الى القول الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود والإمام علي وزيد بن ثابت والزهري والاوازعي وهو رأي جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية والشافعية.

القول الثاني: يرث الموتى مع الموتى

ذهب أصحاب هذا القول الى ان من ماتوا في حادث واحد ولا يعلم المتقدم منهم من المتأخر يرثون بعضهم البعض حيث يرث كل ميت صاحبه من تلاد ماله دون طارقه (أي من ماله القديم الذي مات عليه وهو يملكه دون ما ورثه من الميت) حتى لا يرث كل منهما مال نفسه فيكون وارثاً وموروثاً وحياً وميتاً في ان واحد فيكون باطلاً، وهذا رأي الحنابلة والإباضية.

القول الثالث: وقف مال الموتى

ذهب أصحاب هذا القول الى وقف مال من ماتوا في حادثة واحدة ولم يعلم منهم المتقدم من المتأخر حتى يتبين الامر او يصطلحوا والى هذا ذهب أبو ثور وشريح وطائفة من البصريين.

القول الرابع: الاتجاه المختلط

الأصل عند أصحاب الاتجاه المختلط الأخذ برأي جمهور الفقهاء بأن لا يرث الموتى من الموت إلا في حالتين هما (الغرق والهدم) ففي هاتين الحالتين يرث بعضهم من بعض اذ لم يعلم السبق فيهما دون بقية أنواع الموت الجماعي، وتعليلهم بتوريث الغرقى والهدمى هو أن أغلب الغرقى لا يموتون بلحظة واحدة كون كل إنسان يختلف عن الاخر بقدرته على السباحة أو قدرته على تحمل التنفس، وكذلك تعليلهم في الهدمى فطريقة هدم البناء تختلف بحسب التصميم الهندسي للبناء فلو افترضنا حدوث قصف جوي وكان أحد المتوارثين في سرداب الدار والأخر في غرفة الدار فالأغلب موت من هو في غرفة الدار أولاً ثمن من هو داخل السرداب وبذلك يرث بعضهم من بعض لتفاوت موت بعضهم على بعض.

إلا أن توريث بعضهم من بعض تكون مقيدة بشروط معينة وهي:

1.    أن يكون الموت بسبب الغرق أو الهدم.

2.    أن يكون المتوفون ذوي مال أي أن كل وارث له تركة كي يتم توريث بعضهم من بعض.

3.    أن يكون زمن هلاكهم مجهولاً فلو علم زمن موت أحدهما دون الاخر يرث المجهول من المعلوم.

ونجد أن هذا الاتجاه وافق الرأيين السابقين وهذا هو رأي الإمامية وما أجمع عليه فقهاؤهم، وهو ما أخذت به المحكمة الكاظمية في بغداد في قرارها الصادر برقم (4876).

سبب الخلاف:

1-تعارض الأحاديث مع الاثار: فقد ورد حديث بين من ماتوا في حادثة واحدة يرثون من بعضهم البعض وجاءت اثار عن الصحابة تبين عدم توريثهم من بعضهم البعض بل ميراثهم لورثتهم الأحياء وهي مشعرة بالرفع فمن أخذ بالحديث قال بتوريثهم من بعضهم البعض ومن اخذ بالآثار قال بعدم توريثهم من بعضهم البعض.

2- تعارض الاثار: فقد وردت اثار تبين عدم توريثهم من بعضهم البعض وهو لورثتهم الاحياء واثار تبين توريثهم من بعضهم البعض.

3-تعارض المعقول: من اعتمد على وجوب تحقق حياة الوارث بعد المورث على جهة اليقين قال بتوريث ورثته الاحياء ومن ذهبوا الى وقف التركة حتى يتم التيقن من مات منهم، قال بوقف التركة حتى لا يضيع حق من مات منهم بعد الاخر.

القول الراجح:

يرى غالبية العلماء من المتقدين والمتأخرين أن أصحاب القول الأول وهو للجمهور هو القول الراجح وذلك لعدة أسباب منها:

1.    ان الإرث يثبت بشرط وهو تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه، وهذا مجمع عليه بين العلماء فإذا تعذر اثباته في البعض يتعذر اثباته في الكل لذلك يذهب ميراثه الى من تيقن حياتهم وهم ورثته الأحياء.

2.    ان توقف المال حتى يثبت اليقين وهو تحقق حياة الوارث بعد المورث قد لا يتحقق وقد يصعب الوصول اليه معنى ذلك إيقاف التركة الى اجل قد يكون بعيدا وهذا فيه ضررا لورثته الاحياء والضرر يزال

3.    ان توريث كل واحد من الاخر يجعل الواحد منهم وارثا ومورثا أي حيا وميتا في وقت واحد وهذا محال.

بينما يرى البعض أن قول الجمهور ليس هو الرأي الراجح وأن رأي الحنابلة هو الراجح كونه يحقق العدل بين الطرفين للأسباب التالية:

عدم توريث بعضهم من بعض لا يطابق المعقول فالميراث يبنى على اليقين لا على الشك وعدم توريث بعضهم من بعض فيه شك فيمن توفي قبل الاخر والأصل بقاء حياة الأول لكونه على قيد الحياة قبل الموت، ولا يثبت موته الا بدليل قاطع وكذلك يطبق على الاخر فإن الاصل بقاءهم على قيد الحياة والشك في موت أحدهما قبل الاخر ففي هذه الحالة اليقين لا يزال بالشك ولا يوجد يقين بوفاة أحدهما قبل الاخر.

ان توريث الاحياء من ورثتهم قد يثير النزاع بين المتوارثين وهذا ما لا يقبله الدين والعقل.

رابعاً: كيفية حل مسائل توريث الغرقى والهدمى ونحوهم عند القائلين بتوريثهم

لحل مسائل الغرقى والهدمى نتبع الخطوات الاتية:

1-   نفرض أن أحدهم مات قبل الاخر ونوزع تركته على ورثته الاحياء ومن مات معه، وهذه المسألة الأولى.

2-   نقسم ما حصل للذي مات معه على ورثته الاحياء بعد أن نجعل لهم مسألة مستقلة، وهذه المسألة الثانية

3-   نقارن بين سهام الميت الثاني من الأولى وبين أصل مسألته التي قسمناها على ورثته (المسألة الثانية) بالنسب الأربع على النحو الاتي:

v   إن انقسمت سهام الميت الثاني من الأولى على أصل مسألته الثانية فتصح المسألتان من جامعة هي أصل المسألة الأولى وننقل سهام الورثة في المسألة الأولى كما هي تحت الجامعة ونقسم سهام الميت الثاني على أصل مسألته الثانية وما نتج فهو جزء سهمهما نضربه في سهام الورثة فيها فما خرج لكل وارث فهو نصيبه من الجامعة.

 

v   إذا لم تنقسم سهام الميت الثاني من الأولى على أصل مسألته(الثانية) ولكنها كانت موافقة لها أو كانت متداخلة فيها نضرب وفق المسألة الثانية في أصل الأولى وما نتج فهو الجامعة ومن له سهام من المسألة الأولى أخذها مضروبة في وفق المسألة الثانية، ومن له سهام من المسألة الثانية أخذها مضروبة في وفق سهام الميت الثاني من الأولى.

 

 

v   إذا لم تنقسم سهام الميت الثاني من الأولى على أصل مسألته(الثانية) ولكن كانت متباينة فنضرب أصل المسألتين والناتج هو الجامعة للمسألتين، ومن ثم من له سهام من المسألة الأولى أخذها مضروبة في أصل المسألة الثانية، ومن له سهام من المسألة الثانية أخذها مضروبة في سهام الميت الثاني من المسألة الأولى.

 

4-   ثم نفرض أن الميت الثاني هو الذي مات أولاً، وأن الميت الأول هو الذي مات ثانياً، ونتبع معه الخطوات السابقة.

خامساً: موقف القانون اليمني

أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بالرأي الذي يورث الغرقى والهدمى وغيرهم حيث نصت المادة (303) على الاتي: [يورث الأموات من بعضهم بعضاً إذا كانوا متوارثين فيما بينهم مع الأحياء الوارثين من أصل أموال الأموات التي يملكونها دون الموروثة من الميت الاخر حيث لا يورث ميت مما ورثه من ميت اخر ثم يورث الأحياء لكل مما كان متروكاً لمورثه في الأصل ومما جاء من الميت الاخر].

إذاً وفقاً للقانون اليمني فإن الأموات يتوارثون من بعضهم البعض إلا أن ما ورثه كل منهم من الاخر يكون لورثته الأحياء فقط ولا يرث منه ورثته من الأموات الذين توفوا معه، وإنما يرثون فقط من ماله الذي يملكه هو دون الأموال المورثة من الميت الاخر، وهو ما يعني أن ورثة الميت الأحياء يرثون المال الذي ورثه الميت من الميت أو الأموات الذين ماتوا معه، ويرثون كذلك من أمواله التي خلفها الميت، بينما الورثة الأموات يرثون من المال الذي خلفه الميت فقط وإذا لم يكن له مال خاص به فلا يرثون منه.

سادساً: موقف بعض القوانين العربية والقوانين الأجنبية

إن المشرع المصري أخذ بالرأي القائل بعدم التوريث بين الموتى فقد نصت المادة (3) من قانون الميراث المصري على الآتي: [إذا مات اثنان ولم يعلم أيهما مات أولاً فلا استحقاق لأحدهما في تركة الآخر سواء أكان موتهما في حادث واحد أم لا]

وبنفس الاتجاه أخذ المشرع السوري في المادة (261) من قانون الأحوال الشخصية السوري، وكذلك المشرع المغربي في المادة (328)، والمشرع الأردني في المادة (282)، والمشرع التونسي في المادة (86)، وكذلك القانون الصومالي.

أما المشرع العراقي لم يتطرق الى توريث الموتى وأحالها في المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية الفقرة (2) الى الشريعة الإسلامية [إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون] وقد تبنى القضاء العراقي اتجاه جمهور الفقهاء بتوريث الأحياء من الأموات ولم يورث الأموات من الأموات ويظهر ذلك جلياً في قرارات محكمة التمييز.

وبذلك يتبين أن معظم قوانين الأحوال الشخصية العربية قد أخذت بقول الجمهور القائل بعدم التوريث.

ومن الجدير بالذكر أن هذا الاتجاه قد أخذت به بعض القوانين الأجنبية كالولايات المتحدة وسويسرا.

أما القانون الفرنسي فإن المادة (720) منه قد قضت بالآتي: [إذا مات بعض الأشخاص الذين يتوارثون بينهم في الحادث نفسه بدون أن يكون ممكناً التعرف على أي منهم مات أولاً فإن قرينة الحياة تحدد طبقاً لظروف الواقعة] ولقد فسر تعبير ظروف الواقعة بالقرائن المبينة على أساس العمر والجنس لمن مات في الحادث نفسه.

 

المراجع:

1.    كتاب الحقوق المتعلقة بالتركة بين الفقه الإسلامي والقانون المقارن (دراسة تحليلية مقارنة)، حسن نعمة ياسر الياسري م2019.

2.    كتاب موانع الميراث (دراسة مقارنة)، سعد عبد الوهاب عيسى الحيالي2016م.

3.    رسالة ماجستير موانع الميراث في الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية بقطاع غزة، محمود سالم مصلح، 2008م.

4.    كتاب أحكام المواريث في الفقه الإسلامي والقانون رقم (20) لسنة 1992م وتعديلاته بشأن الأحوال الشخصية اليمني، افتكار مهيوب دبوان المخلافي، الطبعة الثالثة، 2020م.

 

مؤسسة المحامي امين حفظ الله الربيعي

إشراف المحامي/ سليمان نبيل علي الحميري

                                                                                 إعداد/سمر عبد السلام العريقي

الوصية الواجبة

 

الوصية الواجبة

إن الوصية الواجبة نوع جديد من الوصايا اتخذت صفة الوجوب لكونها تنفذ قضائيا لا دينيا والقاضي هو الذي يوجبها في مال المتوفي للفئات الذين نص القانون على اعطائهم سواء أوصى لهم الميت أم لم يوص وسواء رضي الورثة أم لم يرضوا، وقد كان قانون الوصية المصري رقم (71) لسنة 1946م أسبق القوانين العربية في العمل بها وبعد ذلك تبعته العديد من القوانين العربية، وسنتناول في هذا البحث الاتي:

أولاً: تعريف الوصية الواجبة:

تمليك نصيب معلوم من التركة جبراً لفرع الولد الذي مات في حياة مورثه بشروط مخصوصة.[1]

ثانياً: التأصيل الفقهي للوصية الواجبة:

إن الوصية الواجبة بصورتها الحالية هي اجتهاد فقهي معاصر ونظراً لمساسها بأحكام الميراث ومقاديره المالية فإن مشروعيتها محل نظر لدى الكثير من الفقهاء والقانونيين حيث لا يرون فيها الا استدراكا وتعديلا على الله في قسمة المواريث لذلك اختلف الفقهاء المعاصرون حول مشروعيتها.

قالت المذكرة التفسيرية لقانون الوصية المصري رقم(71) لسنة 1946م في الأصل الشرعي لهذه الوصية:

"القول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين مروي عن جمع عظيم من فقهاء التابعين، ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث، ومن هؤلاء : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس والإمام أحمد وداود والطبري وإسحاق بن راهويه وابن حزم، والأصل في هذا قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة/180 ، والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص له مذهب ابن حزم، ويؤخذ من أقوال بعض التابعين ، ورواية في مذهب الإمام أحمد " انتهى .

 وبالتالي يتبين لنا أن الأصل الشرعي لهذه الوصية هو مذهب ابن حزم (المذهب الظاهري) وقول جمع من التابعين.

لقد رد المعارضين على هذا الأصل الشرعي وليس هنا محلا للخوض في هذا الأمر.

ثالثاً: أحكام الوصية الواجبة في القانون اليمني:

لقد كان القانون اليمني من أوائل القوانين العربية التي قررت الوصية الواجبة حيث قررها أول قانون للأحوال الشخصية الصادر عام 1976م.

إن النص القانوني المنظم للوصية الواجبة جاء في قانون الأحوال الشخصية اليمني رقم(20) لسنة 1992م المعدل بالقانون رقم (24) لسنة 1999م في كتابه الخامس من بابه الأول في الفصل الخامس منه وتحديدا المادة(259) التي تنص على الاتي:

[إذا توفي أي من الجد أو الجدة عن ولده أو أولاده الوارثين وعن أولاد ابن أو ابناء الابناء ما نزلوا وكانوا فقراء وغير وارثين لوفاة آبائهم في حياته وقد خلف خيرا من المال ولم يقعدهم فيرضخ لهم مما خلفه بعد الدين كالتالي: -

1-لبنات الابن الواحدة أو أكثر مثل نصيب بنات الابن الأرثي مع بنت الصلب وهو السدس.

2- للذكور من أولاد الابن الواحد إذا أنفردوا أو مع أخواتهم بمثل نصيب أبيهم لو كان حياً بما لا يزيد على الخمس.

3- إذا تعدد المتوفون من الأبناء عن أولاد لهم بنين وبنات فلكل صنف منهم مثل نصيب أبيهم لو كان حياً بحيث لا يزيد ما يرضخ لمجموع الأصناف على الثلث وفي كل هذه الثلاث الحالات يشترط أن لا تزيد حصة الذكر أو الأنثى الواحد من أولاد المتوفين على حصة الذكر الواحد أو البنت من أولاد الصلب وإلا ألغيت الزيادة وأقتصر لهم على ما يتساوون به مع أولاد أو بنات الصلب ويشترك المتعددون فيما تعين لهم لكل بقدر أصله وللذكر مثل حظ الأنثيين ويحجب كل أصل فرعه لا فرع غيره , وتقدم هذه الوصية على غيرها من الوصايا التبرعية.]

وعلى ضوء هذه المادة سنتناول أحكام الوصية المقررة في القانون اليمني على النحو الاتي:

أ-المستحقون للوصية الواجبة:

إن المادة (259) السالف ذكرها بينت المستحقين لهذه الوصية وهم أولاد الابن أو أبناء الأبناء ما نزلوا، ولفظ الولد يشمل الذكر والأنثى فتكون الوصية واجبة لابن الابن وإن نزل ولبنات الابن إن نزل أبوهم.

أما ابن البنت أو بنت البنت ليس لهم وصية واجبة في القانون اليمني الحالي وقد قانون الأحوال الشخصية قبل تعديله بالقانون رقم(24) لسنة 1990م يورث أولاد البنت من الطبقة الأولى.

وبالنسبة للقوانين العربية الأخرى فبعضها ورث أولاد البنت من الطبقة الأولى كالقانون المصري والكويتي وبعضها لم يورثهم كالقانون السوري والأردني.

ب-شروط الوصية الواجبة:

إن المادة 259 اشتملت على العديد من الشروط هي:

1-    موت الاب حال حياة أبيه أو أمه ثم وفاة الجد أو الجدة عن ولده أو أولاده الوارثين وعن أولاد ابن او أبناء الأبناء ما نزلوا.

 ونلاحظ هنا أمرين:

-موت الأب قد يكون حقيقة وقد يكون حكماً كالمفقود

-لقد نصت المادة ان موت الأب يكون حال حياة ابيه أوأمه مع ان الوصية الواجبة تكون حتى في حالة توفي "معه" كما ذكرت ذلك العديد من القوانين لان العلة تظل قائمة بموت الأب مع أصله ولم يعرف من مات قبل الاخر كحوادث السيارة والغرق.

2-ان يكون أولاد الابن وان نزلوا فقراء.

وهذا الشرط يحسب للقانون اليمني لأنه يوافق الحكمة التي من أجلها فرضت الوصية الواجبة خلافاً للكثير من القوانين التي تجاهلت هذا الشرط وجعلت استحقاق الوصية الواجبة للغني والفقير من الحفدة على حد سواء.

إن لفظ الفقراء الوارد في نص المادة 259 جاء مطلقا غير مقيد بحد أو ضابط وبالرجوع الى كتب الفقه نجد أن الفقهاء -رحمهم الله- اختلفوا في معنى الفقر وحده على ثلاثة أقوال والقول الأقوى منها هو قول الامام الشافعي -رحمه الله- الذي حدد وصف الفقير بمن لا يملك ما يكفيه من المال مع عدم القدرة على الكسب والعمل وملك الدار لا يسلبه اسم الفقير، وهذا المعنى متقارب مع تعريف الوارد ذكره في لائحة تنظيم أمور  العون القضائي الصادرة من مجلس الوزراء برقم(70) لعام 2006م بأنه((الذي لا يزيد دخله الشهري عن الحد الأدنى للأجور والمرتبات وليس له ممتلكات ثابتة او منقولة عدا سكنه الشخصي)).

الفقر يقاس على قدر التركة الزائدة ولذلك فإن القضاء في اليمن يرضخ لأبناء الابن الوصية الواجبة على أساس أن الفقر شرط نسبي وأن الأصل ان جميع أبناء الابن فقراء الا إذا كان غنى أبناء الابن ظاهراً وثابتاً أمام القضاء يزيد كثيرا على تركة جدهم. 

3-ان يكون أولاد الابن غير وارثين من جدهم او جدتهم.

فإن كانوا وارثين فلا وصية واجبة لهم وسواء أكان هذا الميراث كثيرا ام قليلا لان الوصية الواجبة وجبت للفرع تعويضاً عما فاته من ميراث أصله فإذا كان الفرع نفسه يستحق الميراث بأن كان وارثا فلا يمنحه القانون شيئا.[2]

4-أن يكون قد خلف خيرا من المال.

5-الا يكون الجد او الجدة قد أوصى في حياته بإقعاد أولاد ابنه ومانلوا مقعد أبيهم.

أ-تعريف الاقعاد: هو قيام الرجل الذي مات ابنه في اثناء حياته بإقعاد أولاد هذا الابن مقام أبيهم بحيث يرثون ما كان سيرث أبوهم لو لم يمت، والعلماء يشترطون ألا يتجاوز الثلث لأنه وصية فإذا زاد الإقعاد عن الثلث فلا ينفذ إلا في الثلث.

وبالتالي فالإقعاد أو كما تسمى (الإقامة) وفي بعض الدول العربية تسمى (التنزيل) أو (غرس) هو وصية وتسري عليه أحكام الوصية المنصوص عليها في القانون.

ب-الفرق بين الاقعاد والوصية الواجبة: [3]

يتلخص الفرق بين الاقعاد والوصية الواجبة في أن الاقعاد هو وصية اختيارية صادرة من الجد في حدود ثلث ماله في حين أن الوصية الواجبة تكون مقررة بحكم القانون.

فإن لم يوص الجد بذلك استحق وصية واجبة في تركته.

 من الملاحظ ان نص المادة 259 حصر الشرط في استحقاق الوصية الوجبة على عدم الاقعاد فقط ولم يذكر الهبة او العطية بغير عوض كما فعلت ذلك القوانين العربية الأخرى وهو المعمول به والصحيح فهذه القوانين قد ذكرت

 -إن كان قد أعطى الجد او الجدة لابن ولده اقل مما وجب له في التركة فيكمل له المقدار الواجب في الوصية

-وان كان أعطاه أكثر مما وجب له بالوصية الواجبة كان الزائد وصية اختيارية تطبق عليها احكام الوصية

- وان كان اعطى او وهب أو أوصى لبعض من وجبت لهم الوصية دون البعض الاخر وجبت وصية واجبة لمن لم يعط او يهب او يوص له.

      6- ان يكون الاستحقاق بالوصية الواجبة بعد سداد ديون الجد أو الجدة.

فلا وصية ولا تركة الا بعد سداد الديون.

7-ان يكون المستحق للوصية الواجبة غير ممنوع من إرث أصله:

 فإن كان ممنوعا من ميراث أصله كأن كان قاتلا او لاختلاف الدين فانه لا يستحق شيئا اذ لم يفته شيء يعوض عنه، لقد أغفل المشرع اليمني النص على هذا الشرط.

ج-مقدار الوصية الواجبة وأمثلة عليها:

يتنوع مقدار الوصية الواجبة في المادة (259) على النحو الاتي:

1-    السدس: إذا كان المستحق للوصية الواجبة بنت ابن واحدة أو أكثر بشرط ألا يزيد حصة بنت الابن الواحدة(الحفيدة) على حصة البنت الصليبية الواحدة والا الغيت الزيادة واقتصرت حصة بنت الابن على ما تتساوى به مع البنت الصليبية.

مثال في حالة عدم الزيادة: مات شخص عن ابن وبنت وبنت ابن او بنات ابن في هذه الحالة تكون التركة كلها للابن والبنت للذكر مثل حظ الانثيين بحسب قواعد الميراث لكن وفقا لنص القانون يُعطى السدس لبنت او بنات الابن كوصية واجبة تستقطع من التركة قبل قسمتها على الورثة الأصليين (البنت والابن) لأن حصة بنت الابن او بنات الابن بالوصية الواجبة لم يزد عن نصيب البنت الصليبية من الميراث.

مثال في حالة عدم الزيادة: مات شخص عن ابن وسبع بنات وبنت ابن ابوها توفي حالة حياة أبيه في هذا المثال لا تستحق بنت الابن(السدس) كوصية واجبة لأنه يزيد عن حصة البنت الصليبية من التركة وهو (تسع التركة) باعتبار ان للذكر مثل حظ الانثيين فتلغى الزيادة وتستحق بنت الابن (تسع التركة) مساواة لها بالبنت الصليبية.

2-    مثل نصيب الأب: إذا كان المستحق للوصية الواجبة أولاد ذكور لابن واحد منفردين او مع اخوتهم مع مراعاة الشروط الاتية:

أ-ألا يزيد نصيب أبيهم إذا كان حيا عن الخمس فإن زاد عن الخمس ألغيت الزيادة واعتمد لهم الخمس فقط.

ب-يقسم النصيب في حال تعدد الذكور والاناث من أولاد الابن المتوفي بنسبة(1:2) أي للذكر مثل حظ الانثيين.

ج-الا تزيد حصة الذكر او الانثى الواحدة من أولاد الابن المتوفي على حصة الذكر الواحد او البنت من أولاد الصلب (أعمام وعمات الحفدة) والا الغيت الزيادة واقتصرت حصة كل منهم على ما يتساوون به من أبناء او بنات الصلب.

د-كل أصل يحجب فرعه لا فرع غيره عند تعدد الأبناء المتوفين في حياة أبيهم او امهم

هـ-التأكد من تحقق الشروط العامة للوصية الواجبة.

مثل نصيب الاب: إذا تعدد المتوفون من الأبناء حال وفاة أبيهم وكانوا قد تركوا أولادا بنين وبنات فلكل صنف منهم (أولاد كل ابن) مع مراعاة الشروط الاتية:

أ‌-       ألا يزيد ما يعطى لمجموع الأصناف على ثلث التركة

مثال: مات شخص عن ثلاثة أبناء وبنتين وأولاد ثلاثة أبناء توفي اباؤهم في حياة الجد وكل ابن من الثلاثة ترك ابنا وبنتا

في هذا المثال نفترض ان للجد المتوفي ستة أبناء ثلاثة منهم الذين توفوا قبل ابيهم لنستخرج نصيبهم من التركة ومن ثم نصيب أولادهم وبقسمة التركة على الورثة (الأصليين والافتراضيين) نجد أن نصيب الابن الواحد يساوي سهمين من أربعة عشر فيكون مجموع سهام الثلاثة الأبناء الذين توفوا قبل أبيهم(ستة) أسهم وهو نصيب يزيد على ثلث التركة التي قدرها (أربعة عشر) سهما، ولما كان شرط استحقاق الوصية الواجبة الا يزيد مجموع حصص الأصناف عن الثلث تلغى الزيادة ونعطيهم ثلث التركة يقتسمونه للذكر مثل حظ الانثيين كما أن حصة أولاد الأبناء الثلاثة المتوفين قبل أبيهم-كما في المثال- لم تزد على حصة الواحد من أبناء وبنات ولد الصلب وهكذا تتحقق شروط الاستحقاق.

د-خطوات استخراج الوصية الواجبة:

لم ينص القانون على طريقة استخراج الوصية الواجبة، ولكنه أرشد إلى ضرورة مراعاة الأمور التالية: -

1 - ألا يزيد المقدار المستخرج عن ثلث التركة.

2 - أن يكون بمقدار نصيب الأب المتوفى في حياة أبيه.

3 - أن يكون التنفيذ على اعتبار أن الخارج وصية، لا ميراث، فيخرج من جميع التركة، لا من الثلث فقط.

والطريقة: هي أن يفرض المتوفى في حياة والده حياً ويعطى نصيبه، ثم يخرج ذلك النصيب من التركة، بشرط ألا يزيد على الثلث، ويعطى للأحفاد. ثم يقسم باقي التركة بين الورثة، من غير نظر إلى الولد المتوفى الذي فرض حياً. [4]

وعلى ذلك لا يوجد لاستخراج مقدار الوصية الواجبة تطبيقا لنص هذا القانون وروحه، إلا طريقة واحدة تتكون من ثلاث خطوات وهي:[5]

أولا: أن يفرض الولد الذي توفي في حياة أحد أبويه، حيا وارثا وتقسم التركة عليه وعلى الورثة الموجودين، كما لو كان الجميع أحياء، ليعرف مقدار تصيبه لو كان موجودا.

ثانيا: أن يخرج من التركة هذا القدر كما هو إن كان يساوي الثلث فأقل، وإن كان يزيد على الثلث، رد إلى الثلث، لأن الوصية لا تزيد على الثلث، وإنما أخرج أولا، لأن الوصية مقدمة على الميراث، ويقسم هذا المقدار على أولاده قسمة الميراث، للذكر ضعف الأنثى.

ثالثا: يقسم الباقي بعد إخراج مقدار الوصية الواجبة على الورثة الأحياء بتوزيع جديد من غير نظر إلى الولد الذي فرض حيا، لأن هذا المقدار هو الميراث للأحساء، ويعطي كل وارث حقه كما هو الشأن في تقسیم التركات بعد إخراج الوصايا منها.

ولا يدخل في قسمة تركة الميت الذي وجبت الوصية في تركته، أولاده الذين ماتوا قبله، وليس لهم عقب، أو أعقبوا من لا يستحق الوصية.

وإذا تعددت الطبقات فيرث كل طبقة فرعها، ويحجب كل أصل فرعه لا فرع غیره.

وهذه الطريقة هي التي سارت عليها دار الإفتاء، وقضت بها محاكم الأحوال الشخصية، وقد رأت لجنة الفتوى بالأزهر وجوب اتباعها فأصدرت قرار بذلك في 14 من رجب سنة ۱۳۷۹هـ، المواق ۱۳ من يناير سنة ۱۹۹۰م.

ه-تقديم الوصية الواجبة في حالة تزاحم الوصايا:

لقد نص القانون اليمني على تقديم الوصية الواجبة على غيرها من الوصايا التبرعية فقد اختتمت المادة(259) بقولها: "...وتقدم هذه الوصية على غيرها من الوصايا التبرعية " وقد كان موقفه موفقاً عندما قدمها على الوصايا التبرعية فقط وليس على كل الوصايا كما فعلت ذلك بقية القوانين العربية وبالتالي لو كانت الوصية فريضة او واجبة ديانة كالوصية بفدية الصوم فلا تقدم عليها الوصية الواجبة.

فإذا كانت الوصية الواجبة تساوي الثلث ولم يجز الورثة ما زاد على الثلث فإن أصحاب الوصية الواجبة يأخذون الثلث وليس لأحد من أصحاب الوصايا التبرعية شيء، وإن كان أصحاب الوصية الواجبة يأخذون أقل من الثلث فإنهم يأخذون نصيبهم كاملاً والباقي من الثلث يتزاحم فيه أصحاب الوصايا التبرعية بحسب أحكام تزاحم الوصايا.

و-الوصية الواجبة لزواج الأولاد وتعليمهم:

إن الاصل عدم جواز الوصية للأولاد باعتبارهم من الورثة لكن الوصية للأولاد بمال لتزويجهم وتعليمهم مقررة على وجه الاستثناء، فهذه الوصية الاستثنائية تستند الى المادة (260) من قانون  الأحوال الشخصية الواردة في فصل الوصية الواجبة التي نصت على انه: [تجب التسوية بين الاولاد في الزواج والتعليم فاذا كان الوالد قد صرف اموالا في تزويج وتعليم البعض فعليه تسوية الاخرين بهم فان لم يفعل حتى مات ولم يوص بها سوى القاضي بينهم بإخراج القدر المساوي لهم مع وجوب التسوية ايضا بين الاولاد وبقية الورثة ان كانوا طبق طريقة المواريث].

وعلى هذا الاساس فان النص القانوني السابق يصرح بوجوب التسوية بين الاولاد في الزواج وهذا يعني انه إذا كان الاب قد قام بتزويج بعض ابنائه في اثناء حياته فعندئذ يتوجب عليه ان يوصي للأولاد الذين لم يقم بتزويجهم بمال لتزويجهم فالوصية الاختيارية من الاب بتزويج من لم يتزوج من اولاده جائزة فهي لا تندرج ضمن قاعدة (لا وصية لوارث) ولا تحتاج هذه الوصية الى اجازة الورثة بل انها صحيحة حتى ولم يجزها الورثة. فان لم يوص يتم تطبيق حكم الوصية الواجبة بقوة القانون حيث يقوم القاضي بتقدير تكاليف زواج هؤلاء وفقا لمعيار المساواة الذي حدده النص القانوني السابق ذكره وهو المعيار  الاساسي بالإضافة الى ذلك فهناك معايير اخرى للتقدير ومن اهمها متوسط ما تعارف  عليه الناس في وقت استخراج التكاليف وكذا ينبغي مراعاة معيار مقدار التركة  فقد يكون متوسط تكاليف الزواج اكثر من التركة ذاتها؛ ولذا اختلف الورثة في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لان المتزوجين كانوا يرون ان المال الموصى به لزواج غير المتزوجين يمثل نسبة لا باس بها من اجمالي مقدار التركة.[6]

من الملاحظ أن القوانين العربية الأخرى لم تذكر الوصية الواجبة لتزويج وتعليم الأبناء وانما انفرد القانون اليمني بذكرها.

ز-الوصية الاختيارية بمال لتزويج الاولاد بين الحيلة على الورثة وبراءة ذمة الاب:

في البداية ينبغي التقرير ان التشريع لغالب الناس وغالب الوقائع فالغالب في الاباء حب الابناء جمعيا وعدم المفاضلة بينهم وعدم التفاوت بينهم لفرط شفقة الاب وفطرة حبه لأولاده وهذا هو الامر الغالب لدى الاباء الذي ينبغي اعتماده والتعامل معه في هذه المسألة.

 فاذا ظهر  لنا من الاب خلاف ذلك أي عدم المساواة والمفاضلة فان ذلك يكون لعلة وحكمة لدى الاب الاعلم بأبنائه من القاضي وغيره؛ فقد يكون من  بين هؤلاء الابناء فاسقا وقد يكون الاخر صالحا وقد يكون هذا الابن محتاجا ولا قدرة له او امكانية للحصول على المال وهكذا, هذا الامر بالطبع يكون لدى غالب الابناء ولكن قد يكون الاب معروفا بالحمق وقلة التدبر والتدبير وعدم وضع الاشياء في مواضعها فعندئذ لا مناص من حمل وصيته بمال لا بنائه مقابل زواجهم على محمل غالب تصرفاته فعندئذ لا يخلو تصرفه من الحيلة على الورثة الاخرين, وهناك قرائن يسترشد بها القاضي الرصين منها معرفة الاخوة هل هم جميعا اشقاء ام ان بعضهم لأب والتثبت مما اذا كانت الزوجة ام الاولاد الموصى لهم كان له تأثير على فطرة الاب وارادته حين الوصية؛والله اعلم.[7]

 

 

إعداد/سمر عبد السلام العريقي

شركة الربيعي وشركاؤه للخدمات القانونية



[1] كتاب الوسيط في الفقه الإسلامي والمواريث لعبد الرحمن العدوي 1996م ص 86 الناشر المكتبة الازهرية للتراث.

[2] شرح قانون الوصية أبو زهرة ص 177

[3] بحث بعنوان الاقعاد والوصية الواجبة للدكتور عبد المؤمن شجاع الدين.

[4] كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي ص  7570 الجزء10

[5] كتاب فقه المواريث والوصية المؤلف: نصير فريد محمد واصل ص 131

 

[6] بحث للدكتور عبد المؤمن منشور على قناته في التليجرام

[7] [7] بحث للدكتور عبد المؤمن منشور على قناته في التليجرام