‏إظهار الرسائل ذات التسميات جنائي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جنائي. إظهار كافة الرسائل

جريمة خيانة الأمانة

 إن جريمة خيانة الأمانة من الجرائم التي نص قانون الجرائم والعقوبات على تجريمها وذلك استناداً إلى نص المادة (318) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني: [يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من ضم إلى ملكه مالاً منقولاً مملوكاً للغير سُلم إليه بأي وجه].

- أركان جريمة خيانة الأمانة هي:    

1-الركن المفترض:

يتحلل هذا الركن إلى عنصرين:

 العنصر الأول: المال موضوع الجريمة شروطه:

 1-منقولاً ذا قيمة مادية مثل: النقود، والبضائع، والأمتعة، والأوراق التي تتضمن إثباتاً لحقوق أو إبراءً من ديون كالكمبيالات والشيكات، أو ذا قيمة اعتبارية مثل: أوراق خاصة لها قيمة لدى صاحبها أو مذكرات شخصية أو غير ذلك مما له قيمة لدى صاحبه.

2-أن يكون له طبيعة مادية أي كيان ملموس، ولذلك فإن من يؤتمن على سر اختراع أو أفكار فيفضي بها أو يبيعها لا يُسأل عن جريمة خيانة الأمانة. 

3-أن يكون المال المنقول مملوكاً للغير، فإذا كان المال ملكاً للجاني فلا تقوم الجريمة حتى لو كان معتقداً أن المال مملوكاً للغير، غير أنه لا يلزم أن يكون المال كله غير مملوكٍ للجاني فيعتبر خائناً للأمانة الشريك الذي يتولى إدارة المال المشترك فيبدد جزءاً منه.

العنصر الثاني: التسليم السابق بقصد الحيازة الناقصة:

أ-معنى التسليم:

عمل قانوني قوامه انعقاد إرادتين على نقل الحيازة من شخص إلى آخر، ويشترط أن يصدر عن إرادة صحيحة فإذا كان قد تم نتيجة التدليس أو الاكراه فلا تقوم جريمة خيانة الأمانة وإنما تقوم جريمة نصب.

ب-حدوث التسليم:

ويُشترط لقيام الجريمة أن يكون قد تم تسليم المال موضوع الجريمة فإذا لم يحدث تسليم فلا تقع الجريمة ولو كان هذا المال في حيازة الفاعل، كما في حالة المدين الذي يدفع جزءاً من الدين ويتعهد للدائن أن يدفع الباقي ثم لا يقوم بالسداد.

والتسليم يحصل من المجني عليه إلى الجاني ويصح أن يتم التسليم من وكيل المجني عليه، كما يصح أن يتم التسليم إلى من ينوب عن الجاني.

ج-نوع التسليم:

التسليم قد يكون فعلياً أو عن طريق المناولة يداً بيد، وقد يكون اعتبارياً بتغيير نوع الحيازة، كما أن التسليم قد يكون رمزياً صرفاً فلا يقع تسليم المال محل الجريمة وإنما يتم تسليم أشياء أخرى تعد رمزاً لها كتسليم مفتاح السيارة.

د-بقصد الحيازة الناقصة:

بمعنى أن المستلم يكون قد استلم الشيء على ذمة مالكه لحفظه أو استعماله في أمرٍ معينٍ لمنفعة المالك أو غيره ورده بعد ذلك إلى المالك أو من كفله المالك بتسليمه إليه، ويترتب على ذلك أن يخرج من نطاق النص الخاص بجريمة خيانة الأمانة التسليم بقصد الحيازة الكاملة والتسليم العارض.

التسليم بقصد الحيازة الكاملة:

العامل الذي يقبض أجراً على عمل تم الاتفاق عليه مع صاحب العمل سلفاً ثم يتصرف بالأجر ولا يفي بالتزاماته بالقيام بالعمل الذي سبق وأن تم الاتفاق عليه لأنه تسلم الاجر على سبيل الحيازة الكاملة.

التسليم العارض:

إذا تسلم الشخص منقولاً مملوكاً لغيره للاطلاع عليه تحت اشراف ورقابة صاحبه ثم أنكر استلام الشيء أو أبى رده فلا يعد مرتكباً لجريمة خيانة أمانة وإنما يُسأل عن جريمة سرقة.

2-الركن المادي:

يتمثل هذا الركن في أمرين:

 أ-الاختلاس:

(هو قيام الجاني بممارسة سلطات المالك على الشيء دون أن يترتب على ذلك خروج الشيء من حيازته)

وقد يُستفاد الاختلاس من الامتناع عن رد الشيء لصاحبه، غير أن التأخير في رد الشيء أو الامتناع لا يتحقق به السلوك الاجرامي لجريمة خيانة الأمانة ما لم يكن مقروناً بنية تملكه.

ب-التبديد:

(هو قيام الجاني بممارسة سلطات المالك على الشيء بما يخرجه من حيازته كالبيع أو الاستهلاك أو الهبة للغير مما يحول دون إمكان رده إلى صاحبه).

ولا يكفي مجرد خروج الشيء من حيازة الأمين لتوفر التبديد وإنما لا بد أن يسبق ذلك أو يقترن به اتجاه إرادة الأمين إلى تغيير الحيازة من ناقصة إلى كاملة، وبالتالي لا يعد تبديداً مجرد تسليم الأمين الشيء المؤتمن عليه إلى غيره ما لم يثبت أنه قصد من وراء ذلك التصرف تملك الشيء والظهور عليه بمظهر المالك.

3-الركن المعنوي:

يتمثل هذا الركن في أمرين:

 أ-العلم: لا بد أن يعلم الجاني أنه تسلم المال على وجه الحيازة الناقصة، فإذا اعتقد الجاني أنه تسلم المال على سبيل الحيازة الكاملة فان القصد الجنائي ينتفي.

ب-الإرادة: يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ضم المال إلى ملكه، ولذلك لا يمكن اعتبار المتهم مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة لمجرد امتناعه عن رد المنقولات التي تسلمها لإصلاحها مع وجود نزاع جدي على مقدار الاجر وعدم الوفاء به كاملاً.

جريمة خيانة الأمانة على عامل مندوب المبيعات:

إذا كانت البضائع محل الجريمة قد دخلت حيازة العامل ابتداءً حيازة كاملة ودائمة بعلاقة قانونية صحيحة كمندوبي المبيعات براتبٍ شهري الذين يتسلمون بضاعة من الشركة بحكم عملهم كمندوبين ولم يحصلوا أثمانها أو يوردوها إلى خزينة الشركة، ينشـأ بذلك الحق للعامل التصرف بالبضائع المباعة لنفسه ولحسابه؛ إذا كان الثابت أن الشركة قامت ببيع البضاعة لهم بفواتير وكشوفات حساب تثبت ذلك ولو كانت الفواتير آجلة وبسعر محدد باعتبارهم عميلين طالما لم يتم تسليم البضائع كعهدة.

وكون البيع مشروطاً بأن يدفع الثمن لاحقاً فلا حق للمدعي بعد ذلك سوى المطالبة بالوفاء بالالتزام التعاقدي تسليم الاثمان الآجلة للبضائع المباعة له.

ومع افتراض تنصل العامل عن الوفاء بالالتزام التعاقدي تسليم اثمان البضاعة فلا تنشأ مع ذلك جريمة خيانة الأمانة في مواجهته بأي حالٍ من الأحوال كون المعلوم أنه يُشترط لقيام الجريمة أن تنتقل الحيازة في المال المنقول إلى يد الجاني بصورة حيازة مؤقتة فقط، ثم يقوم من تلقاء نفسه بتغيير حيازته الناقصة للمال إلى حيازة كاملة ودائمة يجحد معه حق مالكها عليها ويتصرف بها تصرف المالك 

هل يجوز التمسك بأن العامل يعمل لدى الشركة كمندوب مبيعات براتب شهري ولا تناكر على ذلك وبالتالي تقوم جريمة خيانة الأمانة لأن البضائع تتبع الشركة؟

 المعلوم أن مقتضى عقود الأعمال الخاصة أن تكون المهام والاعمال المتفق عليها منسوبة ولمصلحة رب العمل، وتكون التزامات العامل لدى تنفيذ العمل محل التعاقد مرجعها عقد العمل ومسؤوليته تؤسس على الاخلال بالعقد المبرم بينهما، إلا أنه إذا تبين أن رب العمل قد اتجه بعد التعاقد مع العامل ابتداءً إلى إنشاء علاقة قانونية أخرى مغايرة لمقتضى ما تضمنته علاقة عقد العمل وهي تسليم البضائع له بصفة متعاقد في علاقة بيع بالآجل هو أحد طرفيها المشتري، وعليه فان التزامه بالوفاء بأثمانها نابع من علاقة البيع الموثقة بينهما بفواتير البيع وكشوفات الحساب وليس من عقد العمل الموقع بينهما.

ما هي الحالة التي يمكننا معها تغيير التكييف القانوني لاستيلاء العامل على مال رب العمل من خيانة أمانةٍ إلى سرقة؟

 بناءً على ما سبق نستطيع القول بأن الخط الفاصل هنا يكشفه الركن المادي لخيانة الأمانة في عنصره الأول (ركن التسليم)، فلوقوع جريمة خيانة الأمانة لابد - كما ذكرت أعلاه - من تسليم المال المثلي أو العيني من المجني عليه (رب العمل) إلى الجاني (العامل)، فانتفاء ركن التسليم يغير التكييف القانوني للجريمة، فإذا استولى العامل على مال رب العمل دون أن يقوم الأخير بتسليم المال للعامل، شكَّل فِعْلُ العامل جريمةَ السرقة وليس جريمة خيانة الأمانة، فخيانة الأمانة لا تقع إلا إذا تم تسليم المؤتمن عليه إلى الجاني، فالتسليم واجبٌ لقيام جريمة لخيانة الأمانة، ولا يتصور قيام الأمين باستعمال الشيء أو التصرف فيه إلا إذا كان المال بحوزته قبل ارتكاب الجريمة.

 

إعداد سمر عبد السلام

شركة الربيعي وشركاؤه للخدمات القانونية

 

قتل الواحد بالجماعة

 

قتل الواحد بالجماعة

ذهب القانون اليمني الى تقرير القصاص من الجماعة بالواحد وذلك ما صراحة به المادة (58) من القرار الجمهوري رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات بما نصه:

(يقتص من الرجل بالمرأة، ومن الجماعة بالواحد مهما تعدد الجناة).

ومن الاحكام الشرعية الإسلامية التي اخذ بها جمهور الفقهاء لقتل الجماعة بالواحد وادلتهم :

من القران الكريم:

قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (البقرة –179).

أن الله عز وجل أوجب القصاص لاستبقاء الحياة، وذلك: أنه متى علم الإنسان أنه إذا قتل غيره قتل به.. لم يقدم على القتل، فلو قلنا: لا تقتل الجماعة بالواحد لكان الاشتراك يسقط القصاص، فسقط هذا المعنى، وفي ذلك تفويت لما شرع القصاص من أجله وهو حفظ الأرواح، وصون الحياة من عبث العابثين.(2)

ان السلطان هو القصاص، ولم يفرق بين أن يقتله واحد، أو جماعة ، قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً) (الإسراء–33)

وقوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعاً) (المائدة: 32).

فهذا النص يفيد أن القاتل، سواء كان واحداً أم كان أكثر من ذلك، قد أعتدى على حق الحياة، وكأنه لم يقتل واحداً، بل قتل أكثر من واحد، وكأنه اعتدى على الجماعة كلها، فكان موجب القصاص، أن من يعتدي على حق الحياة يقضي على حياته، ولاشك أن الجماعة إذا اشتركوا في قتل واحد، يؤخذ كل واحد بجريمة القتل، ويقادون على ما فعلوا، ولا شطط ولا مجاوزة للحد إذا ما قتلوا جميعاً.(3)

 

من السنة النبوية

ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ثم أنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له قتيل بعد اليوم، فأهله بين خيرتين: أما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل)(4)

وهذا الخبر وارد في قتل الجماعة بالواحد، لأنه قال: أنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، ثم قال فمن قتل له قتيل بعد اليوم، ومن تستغرق الجماعة والواحد، ثم قال: فأهله بين خيرتين:

(إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل)، فدل على قتل الجماعة بالواحد، لأن الحكم إذا ورد على سبب لم يجز أن يكون السبب خارجاً عن ذلك الحكم.(1)

ما روي عن عمر رضي الله عنه (أنه قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل من صنعاء قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعاً)(2) وفي البخاري (أن غلاماً قتل غيلة، فقال عمرو: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم، وقال مغيرة بن حكيم، عن أبيه: (أن أربعة قتلوا صبياً فقال عمر مثله)(3)

وأيضاً ما روي عن الإمام بن أبى طالب كرم الله وجه أنه قتل بعض الخوارج لقتلهم عبدالله بن خباب رضي الله عنه، فإنه توقف عن قتالهم حتى يحدثوا فلماذا ذبحوا عبدالله بن خباب كما تذبح الشاه، وأخبر على بذلك قال: الله أكبر نادوهم أن أخرجوا إلينا قاتل عبدالله بن خباب فقالوا: كلنا قتلناه ثلاث مرات، فقال علي لأصحابه (دونكم القوم، فقتلوهم بقتل عبدالله بن خباب).

وأيضاً ما روي عن ابن عباس أنه قال: (إذا قتلت جماعة واحداً قتلوا به ولو كانوا مائة).(4)

القياس: إن القصاص عقوبة تجب للواحد على الواحد، فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف فلو قذف جماعة واحداً وجب له الحد على الجماعة، والأولى من ذلك أن يقتل الجماعة بالواحد؛ لأن قتل النفس أغلظ من هتك العرض، وأيضاً فإن الدية تجب في قتل الواحد، وقتل الجماعة، فكذا القصاص يجب عند قتل الجماعة للواحد كإيجابه عند قتل الواحد بالواحد.(5)

أنه من المعلوم أن القتل بغير حق غالباً لا يكون إلا بالتغالب والاجتماع؛ لأن الواحد يقاوم الواحد؛ فلو لم نوجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد لأدى ذلك لسد باب القصاص وفتح باب التغالب، ويسهل على الأشرار أن يتعاونوا على الإثم والعدوان، ويقتلوا من يشأؤن مؤيد بأن الجماعة لا تقتل بالواحد.(6)

وأيضاً فإن الحكمة والزاجر الأعظم إنما هو في القصاص لا في الدية، فإن دفع الدية يسهل على أهل الأموال، ويسهل أيضاً على الفقراء؛ لأنهم يعذرون عن الدية بسبب فقرهم، فإذا ثبت قتل الجماعة للواحد، فالاقتصاص منهم جميعاً هو ما تقتضيه الحكمة التشريعية الثابتة في كتاب الله عزوجل، ولهذا شبه قاتل النفس بمن قتل الناس جميعاً.(7)

 



(2)  السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، للعلامة محمد بن علي الشوكاني، ج4، ص397، 398 ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1985م.ج4، 398.

(3)  الإمام محمد أبو زهره، ص369 .

(4)  انظر الترمذي في الجامع الصحيح، برقم (1410)، ص433، الناشر دار ابن حزم، لبنان، الناشر دار ابن حزم، لبنان، ط1،
1422هـ-2002م، سنن أبى داود، لأبى داود سليمان ابن الأشعث رقم (4504) ص 683،الناشر، دار ابن حزم، لبنان ط1، 1419هـ -1998م

(1)  الحاوي، الكبير ، للماوردي، المرجع السابع ج12/28 استاذنا د/ عبدالمؤمن شجاع الدين المرجع السابق ص116.ج12/28.

(2)  شرح الزرقاني على موطأ مالك ، للزرقاني ج4/318 ، الناشرمكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة، ط1، 2002م.

(3)  صحيح البخاري، لأبى عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، رقم (6896) ، ص1272، الناشر دار ابن حزم ط1، لبنان، 1424 – 2003م. 

(5)  انظر: استاذنا د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، المرجع السابق ص117، د/ أمير عبدالعزيز ، الفقه الجنائي في الإسلام، ص83 ، الناشر دار السلام ، ط1، 1997م.

(6)  المبسوط للسرخسي 26/127، البحر الرائق، المرجع السابق 7/48، الإمام أبو زهره المرجع السابق ص370.

 المساهمة في جريمة القتل العمد دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني)القاضي/ محمد ال برغشي

منقول

 

شيك بدون رصيد

شيك بدون رصيد

المعلوم من القانون الجنائي بالضرورة أن لكل جريمة بنيان أو نموذج قانوني خاص بها، يميزها عن سائر الجرائم الأخرى، وجريمة إصدار الشيك بدون رصيد كغيرها من الجرائم تتميز ببنيانها والنموذج القانوني الخاص بها، وهذا البنيان أو النموذج حدده المشرع في نص التجريم الخاص بها والوارد فـي المـاد 311مـن قانـون الجرائم والعقوبـات والتي تنص علـى أنـه :

[يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من أعطى شيكاً وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كاف وقابل للتصرف فيه أو استرد بعد إعطائه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي بقيمته ... ولا تقع الجريمة إلا إذا لم يسدد الفاعل قيمة الشيك لحائزه خلال أسبوع من تاريخ إعلانه بالسداد.]

كما أن المشرع اليمني أورد نص تجريم خاص لهذه الجريمة ضمن احكام القانون التجاري وتحديداً في المادة (805) منه والتي تنص على ان:

[كل من أصدر واثبت سوء نيته شيكاً لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابلاً للسحب أو يكون له مقابل وفاء اقل من قيمة الشيك، وكل من أسترد بسوء نية بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء أو بعضة بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر وهو سيئ النية المسحوب عليه الشيك بعدم دفع قيمته، يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن (10%) من قيمة الشيك]

ومن خلال النصين القانونيين سالفي الذكر يتبين أن جريمة اصدار شيك بدون رصيد لها ثلاثة اركان الأول ركن مفترض والثاني مادي والثالث معنوي بالإضافة الى شرط الامتناع عن دفع قيمة الشيك خلال أسبوع من تأريخ إعلان الساحب بالسداد الوارد في نص المادة (311) جرائم وعقوبات، ويجب ان تتحقق تلك الأركان وذلك الشرط جميعاً لقيام هذه الجريمة فإن انتفى أحدها او بعضها أو جميعها انتفت معه الجريمة  نستعرضها بالتفصيل الاتي:

اولاً: الركن المفترض (إصـــدار ورقة يعتبرها القانون شيـــكاً):

تعتبر جريمة اصدار الشيك بدون رصيد من الجرائم التي لا تقع الا على الورقة التي يعتبرها القانون شيكاً، أي محـرر يقـوم مقـام النقـود فـي الوفـاء والتداول وذلك هو عين الغاية التي ابتغاها المشرع من تجريم الأفعال المنصوص عليها في المادتين (311) عقوبات، و (805) تجاري سالفتي الذكر من بينها فعل اصدار أو إعطاء شيك بدون رصيد.

فعلة تجريم تلك الافعال هي أن المشرع قدر الأهمية الاقتصادية للشيك باعتباره اداه وفاء تحل محل النقود مما يشجع الأشخاص على إيداع النقود في البنوك التي تستغل هذه الأموال في شتى المجالات وكذلك ما للشيك من أهمية للأفراد حيث يجنبهم من المخاطر الناتجة عن تداول النقد كالضياع والسرقة، ولما للشيك من أهمية تساهم في تسيير المعاملات التجارية والقائمة على السرعة والمرونة ويلبي احتياجات تلك المعاملات ، ونظراً لأن الشيك لا يمكن ان يقوم بوظيفته تلك إلا اذا اكتسب ثقة كبيرة شأنه شأن النقود، فيتأكد المستفيد بأن حصوله على الشيك يعادل تماماً حصوله على المبلغ المدون فيه ، وان تكون كذلك نظرة جميع من يتداول الشيك في ايدهم، لذلك فقد جرم المشرع السلوك الذي يزعزع الثقة في التعامل بالشيك أو يحول دون تمكن المستفيد من الحصول على ثمنه سواء لعدم وجود مقابل وفاء او لإصدار الساحب امر للمسحوب عليه بعدم الصرف اولاي سبب أخر، وما يمثله ذلك من الاعتداء على الملكية، والأثراء بدون حق.

د. عبد القادر العطير والوسيط في شرح القانون التجاري، والأوراق التجارية، مكتب الثقافة عمان ص463، د.عبد الناصر الزنداني شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني القسم الخاص الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وجرائم الأموال ط.2008 صـ137.

 والشيك هـو ورقـة تجاريـة تحـرر وفـق شـروط معينـة، تتضمـن أمـرا مـن موقعهـا(الساحـب) موجهـا إلـى المسحـوب عليـه بـأن يدفـع إلـى المستفيـد أو لحاملـه مبلغـا معينـا مـن النقـود،

وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه:

ورقة تتضمن أمراً من شخص يسمى الساحب الى شخص أخر هو المسحوب عليه، ويكون في العادة أحد البنوك، بأن يدفع بمجرد الاطلاع عليها مبلغاً معيناً من النقود لشخص ثالث هو المستفيد او لإذنه او لحامله.

د. مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والافلاس، دار الجامعات الجديدة الإسكندرية ط1997م، صـ201

كما عرفه البعض بأنه

امر مكتوب وفقاً لأوضاع حددها العرف، به يطلب الساحب من المسحوب عليه أن يدفع بمقتضاه، وبمجرد الاطلاع عليه مبلغاً معيناً من النقود لشخص معين او لإذن شخص معيناً او لحامله

د/ علي جمال الدين عوض، الأوراق التجارية، جامعة القاهرة 1995م ص159

وينبغي أن تتوافر في الشيك نوعان من الشروط لينشأ صحيحاً من الناحية القانونية:

·       النوع الأول/شروط شكلية:

فلكي يـؤدي الشيـك الوظيفـة التـي وجـد لأجلهـا وحتـى يكـون ورقـة تجاريـة يعتـد بهـا كسنـد بمفهـوم القانـون التجـاري فـان المشـرع استوجـب أن تتوافـر فيـه جملـة مـن الشـروط الشكليـة وهي البينات المحددة وللشيك التي نصت عليها المادة (528) من القانون التجاري بقولها:

[يشتمل الشيك على البيانات الآتية: -

1-      لفظ (شيك) مكتوباً في متن الصك وباللغة التي كتب بها.

2-      تاريخ ورقم الشيك ومكان إنشائه.

3-      اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه).

4-      اسم من يجب الوفاء له أول مرة وفقاً لما سيجيء في المادتين (531ـ533).

5-      أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود.

6-      مكان الوفاء.

7-      توقيع من إنشاء الشيك (الساحب).]

·       النوع الثاني/ شروط موضوعية:

طالمـا كـان تحريـر الشيـك والتوقيـع عليـه تصرفـا قانونيـا فإنـه يشتـرط لصحتـه وجـوب توافـر جملـة مـن الشـروط الموضـوعية التـي تتعلـق بالأهليـة والرضـا والمحـل بالإضافـة إلـى السبـب الـذي يـراد بـه أسـاس الالتـزام بالشيـك علـى أن يكـون مشروعـا ، وإذا كـان عـدم مشروعيـة السبـب يؤثـر علـى مصيـر الدعـوى المدنيـة بالرفـض فإنـه يبقـى عديـم الأثـر علـى الدعـوى الجزائيـة طالمـا توافـرت أركـان إحـدى جرائـم الشيـك ،فالمسؤوليـة الجزائيـة لا تتأثـر بالسبـب أو البـاعث الـذي أعطـي مـن أجلـه الشيـك كمـا استقـرت علـى ذلـك المحكمـة العليـا فـي اجتهادهـا.

الموسوعة الشاملة في جرائم الأشخاص والأموال الجزء الثالث جرائم ...وجرائم الشيكات ط.2009م المكتب الفني للإصدارات القانونية صـ 135

2-امر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود:

استوجب القانون اليمني ان يتضمن الشيك أمراً من الساحب الى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من النقود (سواءً كان نقداً أجنبياً ام لا) بمجرد تقديم الشيك (الاطلاع)...فينبغي ألا يكون الامر معلقاً على شرط أو مضافاً الى أجل لأن هذا يتنافى مع طبيعة الشيك كأداة وفاء واجب الوفاء بمجرد الاطلاع، فإذا جاء المحرر الموصوف بأنه شيك متضمن تأريخين أحدهما للسحب وآخر للاستحقاق فإنه قد جاء مصحوباً بأجل مما يفقد المحرر قيمته كشيك.

د. عبد الناصر الزنداني المرجع السابق.141

وقـد استقـرت القضاء علـى اعتبـار الشيك أداة وفـاء ودفـع، وليـس أداة قـرض وائتمـان، وعليـه فـان الأمـر بالدفـع لا يجـب أن يكـون بـأي حـال مـن الأحـوال معلقـا علـى شـرط سـواء كـان واقفـا أو فاسخـا.

انظر/ احكام المعاملات التجارية العقود التجارية-عمليات البنوك – الأوراق التجارية –الإفلاس. في القانون التجاري أ.د عبدالرحمن شمسان 2005م ص246

3-وجوب تقديم الشيك للبنك المسحوب للوفاء بقيمتها خلال فترة ثلاثين يوماً من تأريخ إصدارها باعتبار أن هذه الفترة هي الفترة التي أوجب المشرع تقديم الشيك للوفاء خلالها بحسب نص المادة (550) من القانون التجاري التي نصت على ذلك بقولها:

[الشيك المسحوب في الجمهورية اليمنية والمستحق الوفاء فيها يجب تقديمه للوفاء خلال شهر فإذا كان مسحوباً خارج الجمهورية اليمنية ومستحقاً الوفاء فيها وجب تقديمه خلال ثلاثة أشهر وتبدأ المواعيد السالف ذكرها من التاريخ المبين في الشيك أنه تاريخ إصداره ويعتبر تقديم الشيك إلى إحدى غرف المقاصة المعترف بها قانوناً بمثابة تقديم للوفاء]

ثانياً: الركن المادي للجريمة:

الركن المادي لها والذي يتكون من عنصرين هما:

1-إعطاء الشيك وشـروطه لقيـام النشـاط الإجـــرامي:

إعطاء الشيك هو مناولته رضائياً فلقيـام النشـاط الإجرامـي ينبغـي أن يكـون التخلي (إعطاء الشيك)

نهائيـا : فـإذا كـان فعـل الإعطـاء يستلـزم خـروج الشيـك مـن حيـازة الساحـب إلا أن هـذا الخـروج متوقـف علـى أن يكـون نهائيـا كمـا يقتضـي الأمـر أن يكـون التخلـي إراديـا ؛ ففعـل الإعطـاء لا يقتصـر علـى كـون التخلـي نهائيـا وإنمـا يتعـداه بانصـراف إرادة الساحـب إلـى التخلـي عـن حيـازة الشيـك ،فبانتفـاء هـذه الإرادة ينتفـي الركـن المـادي للجريمـة ، ومـن ذلـك فـإذا فقـد الشيـك أو سـرق وبـادر الساحـب بإصـدار أمـر بعـدم الدفـع فإنـه يكـون بإمكان الساحـب إثبـات أن لا دخل لإرادتـه فـي التخلـي عـن حيـازة الشيـك وبذلـك يكـون الركـن المـادي للجريمـة غيـر قائـم.

 

2-عدم وجود مقابل وفاء كاف وقابل للتصرف فيه:

ويتحقق هذا إذا قام الساحب بإصدار شيك لا يقابله مقابل وفاء على الاطلاق كأن يكون الساحب قد استنفد كل ما له من نقود في حسابه لدى البنك المسحوب عليه او في حالة أن يكون له مقابل وفاء ولكنه اقل من قيمة الشيك، بحيث لا يستطيع المستفيد الحصول على كل المبلغ المحدد في الشيك فيستوي أن ينعدم مقابل الوفاء كلية أو يكون غير كاف للوفاء بقيمة الشيك ...

د/عبد الناصر محمد الزنداني المرجع السابق صــ152

ثالثاً: الركن المعنوي: -

تعتبـر جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد مـن الجـرائم العمـدية ، وهـذا مـا يستفـاد مـن نـص المـادة 311 مـن قانـون العقـوبات ، حيـث يشتـرط لقيـام الجريمـة توافـر القصـد الجنـائي العـام ، و الـذي يتوافـر بوجـود عنصـري العلـم والإرادة ، حيث يجـب أن تتجـه إرادة الجـاني صـوب تحقيـق الفعـل المكـون للركـن المـادي فـي الجريمـة ، وأن تكـون هـذه الإرادة مسئـولية جنـائيا ، أي يتـوفر لـها التمييـز والإدراك والاختيـار ،كمـا يلـزم أن يحيـط الجـاني علمـا بعناصـر الجريمـة ، وبالتـالي يتحقـق القصـد الجنـائي بمجـرد علـم الساحـب بأنـه وقـت إصـدار الشيـك لـم يكـن لـه مقابـل الوفـاء ، أو أن مقابـل الوفـاء أقـل مـن قيمـة الشيـك، كمـا يتحقـق بـأن يستـرد الساحـب مقابـل الوفـاء كلـه أو بعضـه، وهـو يعلـم بـان قيمـة الشيـك لـم تدفـع بعـد للحامـل ، كمـا أن مجـرد إصـدار الأمـر بعـدم الدفـع يتوافـر بـه القصـد الجنـائي بمعنـاه العـام ، الـذي يكـفي فيـه علـم مـن أصـدره بأنـه يعطـل دفـع الشيـك الـذي سحبـه مـن قبـل ولا عبـرة بعـد ذلـك بالأسبـاب التـي دفعتـه إلـى إصـداره لأنهـا مـن قبيـل البـواعث
التـي لا تأثيـر لهـا فـي قيـام المسـؤولية الجنـائية ،

انظر الموسوعة الشاملة في جرائم الأشخاص والأموال الجزء الثالث جرائم ...وجرائم الشيكات ط.2009م المكتب الفني للإصدارات القانونية صـ 141

ولا يكفي العلم بل لا بد من أن تتجه إرادة الساحب الى عدم تمكين المستفيد من استيفاء قيمة الشيك ولذلك فإن الجريمة لا تقع رغم علم الساحب بعدم وجود مقابل وفاء عند اصدار الشيك اذا اتجهت إرادته الى إيداع مبلغ من النقود في البنك المسحوب عليه في اليوم التالي لإصدار الشيك، بحيث يتمكن المستفيد من استيفاء قيمة الشيك وفي حالتي استرداد مقابل الوفاء وإصدار أمر بعدم الدفع .....وينبغي لتوافر القصد الجنائي أن يعلم الساحب أن المستفيد لم يستوفي قيمة الشيك بعد ،وأن فعله يؤدي الى عدم تمكين المستفيد من استيفاء قيمة الشيك ..

د/عبد الناصر محمد الزنداني المرجع السابق صــ152

 

اعداد المحامي/ سليمان نبيل الحميري

اشراف المحامي/ فهمي عقيل ناجي انعم