بحث /دعوى إثبات الحالة

 

الربيعي وشركاؤه للمحاماه

بحث /دعوى إثبات الحالة

إعداد الأستاذ/جهدالدين الصلاحي                إشراف المحامي /سليمان نبيل الحميري

    

    

    


                                                                                                                                                    

          دعوى إثبات حالة العين والاصلاحات وما اذا كانت هذه الدعوى موضوعية أم مستعجلة؟

مقدمة:

الحماية القضائية نوعين موضوعية ومستعجلة تقوم الأولى بتقرير الحقوق والمراكز القانونية وتأكيدها بحكم قضائي يفيد اليقين وتقوم الثانية بإجراء تدابير وقتية أو تحفظية تهدف للحفاظ على الحق عند ثبوته ولا تمس أصل الحق وسوف نقوم في بحثنا هذا بالنظر حول دعوى إثبات الحالة هل تندرج ضمن النوع الأول أم الثاني بمعنى هل هي دعوى موضوعية أم مستعجلة لأن كلا النوعين يختلفان من حيث إجراءات الرفع ومن حيث الحجية والاختصاص ومن ثم سيكون لزاماً علينا أن نتطرق للفرق بين القضاء الموضوعي والقضاء المستعجل وبعد أن نعرف نوع دعوى اثبات الحالة سنتطرق لمن يختص بنظرها وما هي إجراءات رفعها وهل الأحكام الصادرة فيها تكون قابلة للطعن ام لا ؟؟؟ كل ذلك سنتطرق اليه في بحثنا والذي نوجزه كالآتي:

 تعريف دعوى إثبات الحالة:

هي إجراء تحفظي يصور حالة مادية يتعذر إثباتها مستقبلا صيانة للدليل المثبت للحق من خطر الضياع وترفع بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.

              (المحامي /محمد نجيب: دعوى اثبات الحالة المستعجلة طبقا للمواد ١٣٣-١٣٤ من قانون الاثبات. مقالة نشرت بتأريخ ١٧/ابريل /٢٠٢٣م)

أو هي الدعوى التحفظية المستعجلة التي يرفعها الشخص الذي يخشى ضياع معالم واقعة معينة، ومن المحتمل أن تصبح محلاً للنزاع أمام القضاء في المستقبل.

       (محامي دبي /المحامي يونس البلوشي للمحاماة والاستشارات القانونية : بحث بعنوان دعوى إثبات حالة للديوان في الإمارات نشر بتأريخ ٦/٢/٢٠٢٤م)

 هل دعوى إثبات حالة العين والاصلاحات موضوعية أم مستعجلة؟

تنقسم الحماية القضائية الى حماية موضوعية وحماية مستعجلة ويمكن تعريف كل منهما كما يلي:

الحماية الموضوعية /هي عبارة عن عمل قضائي يتضمن تأكيد الحقوق والمراكز القانونية الموضوعية ويزيل التجهيل الذي يلابس تلك الحقوق او المراكز برأي يحقق اليقين القانوني ويتميز ذلك الرأي بصدوره من عضو قضائي يحتل مركز قانوني سامي وعبر عدة ضمانات ويتمتع ذلك الرأي بحجية الأمر المقضي التي تحتم على القاضي الذي أصدره احترامه وتوجب على الخصوم التقيد به.

         (الدكتور /سعيد خالد علي جباري الشرعبي: الموجز في أصول قانون القضاء المدني. دراسة في أساسيات قانون المرافعات اليمني رقم (٤)لسنة 2002م الطبعة الرابعة 2022م طبعة منقحة ومزيدة ومشتملة على أحدث التعديلات صفحة 39)

أما الحماية المستعجلة أو القضاء المستعجل (القضاء الوقتي)  فيمكن تعريفه بأنه:

عبارة عن تدبير وقتي أو تحفظي يتخذه القضاء وفقا للإجراءات التي ينظمها القانون على شخص أو مال للوقاية من خطر التأخير في حماية حق يرجح وجوده لدى المدعي. وبناء على ذلك فإن مضمونه أمران هما:

أ-التدبير التحفظي: وهو وسيلة غايتها الحفاظ على الحق أو دليله مستقبلا مثل الحكم الصادر بفرض الحراسة القضائية والحكم الصادر في سماع الشاهد أو إثبات الحالة والأمر بالحجز التحفظي.

ب-التدبير الوقتي: ويطلق عليه التدبير المعجل ويؤدي الى اشباع فوري لمصلحة المدعي لا يتحقق بالإجراءات العادية للدعوى الموضوعية مثل القرار الصادر بفرض نفقة مؤقتة أو التعويض المؤقت الى حين تمام الفصل في دعوى المسئولية وكالحكم بطرد المستأجر مؤقتا أو وقف تنفيذ الحكم مؤقتا أو دعوى وقف الأعمال الجديدة.

       (د/سعيد الشرعبي:  مرجع سابق صفحة 43)

ووظيفة الحماية المستعجلة هي في تقديم حماية مؤقتة للحقوق الى أن يتمكن القضاء بإجراءاته العادية من انزال حمايته التأكيدية والتنفيذية عليه فهي تقدم اسعافا وقتيا للحق إلى أن يتمكن القضاء من حمايته موضوعيا وتنفيذيا.

        (عمار للمحاماة: دعوى اثبات الحالة بصفة مستعجلة .الزقازيق ش٢٩ صفحة ٤)

وتعتبر دعوى اثبات الحالة دعوى مستعجلة في القانون اليمني منصوص عليها في المادة( ٢٤٠/٣)من قانون المرافعات الجديد كما أنها دعوى وقائية تؤدي الى الوقاية من وقوع الخطر وهو ضياع معالم الواقعة المراد إثباتها ومثالها دعوى إثبات حالة أرض زراعية تم إغراقها بالمياه من قبل الجار تمهيدا لرفع دعوى التعويض وكذلك دعوى اثبات حالة بضاعة (كمواد غذائية)  قام المورد بتوريدها لإثبات الإخلال بالتزامه تمهيدا لرفع دعوى التعويض أو الفسخ. وكذلك إثبات حالة بناء تم تسلمه من المقاول غير مكتمل تمهيدا لرفع دعوى موضوعية للمطالبة بالحق.

       (د/سعيد الشرعبي: مرجع سابق. صفحة ١٤٥)

واذا كان محضر المعاينة هو الوعاء الذي تثبت من خلاله كافة الاجراءات التي قامت بها المحكمة أو القاضي المنتدب للتحقيق فإن الدعوى التي أشارت إليها المادة ١٣٣ من قانون الاثبات المصري وهي دعوى الحالة  غايتها المحافظة على دليل يخشى زواله عند عرض النزاع على محكمة الموضوع.

      (عمار للمحاماة: مرجع سابق: صفحة ٣)

كيفية رفع دعوى اثبات الحالة:

ترفع دعوى إثبات الحالة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أي بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة حسب المادة ١٦٣ مرافعات مصري وتنعقد الخصومة بإعلان صحيفتها الى المدعى عليه أو بحضوره أمام المحكمة مادة ٦٨/٣ مرافعات مصري.

            (د/محمد عزمي البكري: مرجع سابق صفحة ١٦٥٠)

ويتم تقديم دعوى إثبات حالة على شكل دعوى مستعجلة أمام المحكمة المختصة التي يتوجب عليها أن تبادر فوراً لندب خبير للانتقال، المعاينة، وسماع أقوال من يرى لزوم سماع أقوالهم.

كما يتوجب على المحكمة أن تحدد جلسة لتستمع من خلالها إلى ملاحظات الخصوم على تقرير الخبير وأعماله.

               (محامي دبي /المحامي يونس البلوشي للمحاماة والاستشارات القانونية : بحث بعنوان دعوى إثبات حالة للديوان في الإمارات نشر بتأريخ ٦/٢/٢٠٢٤م)

وقد جاء في قانون المرافعات اليمني الجديد رقم 1 لسنة 2021 في المادة  ٢٤١ من هذا القانون أن الطلب المستعجل إذا قدم بصفة مستقلة فإنه يرفع بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أما اذا قدم تبعا لدعوى موضوعية فإنه يرفع بإجراءات الطلب العارض.

        (القانون اليمني الجديد رقم ١ لسنة ٢٠٢١ م أشار إليه الدكتور سعيد الشرعبي في مرجعه السابق صفحة ٤٣ في الهامش)

فهي دعوى أصلية ترفع بالإجراءات المعتادة أمام قاضي الأمور المستعجلة يطلب من خلالها المدعي الانتقال  لاثبات الحالة وفي تبرير اللجوء الى دعوى اثبات الحالة يقال أن هذه الدعوى مستعجلة بطبيعتها.

  (عمار للمحاماة: مرجع سابق. صفحة ٣)

واذا قبل القاضي هذه الدعوى فإن نشاطه يقتصر على الانتقال والمعاينة أو ندب خبير للقيام بهذه المهمة مع تحرير محضر في الحالتين لإثبات الواقعة ثم تحدد جلسة أمام القاضي لمناقشة ما جاء في المحضر وتنتهي الدعوى بصدور حكم بإنهائها.

         (د/سعيد الشرعبي: مرجع سابق. صفحة ١٤٥)

الاختصاص بنظر دعوى اثبات الحالة :

يختص بها قاضي الأمور المستعجلة وحده اذا تحقق شرطيها وهما الاستعجال وعدم المساس بالحق الموضوعي ذلك أن المطلوب فيها هو إجراء وقتي بأثبات وجود دليل يخشى زواله أما اذا كان الدليل ثابتا ولا يخشى من زواله كانت هذه الدعوى غير مقبولة.

     (عمار للمحاماة: مرجع سابق. صفحة ٤)

ولما كان الحكم الصادر بندب الخبير لاثبات الحالة يصدر بعد تحقيق القاضي المستعجل من شروط اختصاصه ويقيد القاضي الذي أصدره بألا يعدل عنه الا اذا حصل تغيير أو تعديل في الوقائع المادية يؤدي الى تغيير في الظروف التي أدت الى إصداره بمعنى أن للحكم حجية مؤقتة ومن ثم فإنه يجب على القاضي المستعجل تسبيب الحكم الصادر بندب خبير في دعوى إثبات الحالة.

              (د/محمد عزمي البكري: مرجع سابق صفحة ١٦٤٩)

وفي بيان حقيقة الدور المنوط بالقضاء المستعجل قررت محكمة النقض المصرية هذا الحكم الرائع «الثابت قضاءا أن مأمورية قاضي الأمور المستعجلة ليست هي الفصل في أصل الحق بل إصدار حكم وقتي بحت يرد به عدوانا  باديا للوهلة الأولى من أحد الخصمين على الآخر أو يوقف مقاومة من أحدهما على الآخر بادية للوهلة  الأولى أنها بغير حق أو يتخذ اجراء عاجل يصون به موضوع الحق أو دليلا من أدلة الحق.

    (نقض مدني مصري جلسة ١٩/١٢/١٩٥٣ م مجموعة عمر-الجزء الأول صفحة ١٩٩ أشار إليه عمار للمحاماة في مرجعه السابق صفحة ٦)

حجية التقرير المودع بدعوى اثبات الحالة:

يجوز لأي من الخصوم التمسك بالتقرير المودع بدعوى اثبات الحالة عند طرح النزاع أمام محكمة الموضوع ويعتبر كل ما يثبت للقاضي المستعجل من المعاينة دليلا قائما في الموضوع. وفي هذا قضت محكمة النقض المصرية «بأن دعوى اثبات الحالة لا تعدو أن تكون مجرد اجراءات تحفظية على نفقة رافع الدعوى تمهيدا لرفع دعوى في الموضوع أمام المحكمة المختصة وأن تقرير الخبير المقدم فيها لا يقيد قاضي الموضوع عند نظر موضوع النزاع أمامه».

           (د/محمد عزمي البكري: موسوعة الفقه والقضاء في قانون الاثبات. دار محمود للنشر والتوزيع تأريخ النشر ٢٠٢١م صفحة ١٦٤٩)

فإذا باشر الخبير المنتدب المأمورية التي ندبه لها الحكم المستعجل وأودع تقريره وسمع القاضي ملاحظات الخصوم وأبدى القاضي رأيه فيها فإن مهمة القاضي تكون قد انتهت ويقضي بانتهاء الدعوى.

               (المحامي /محمد نجيب: دعوى اثبات الحالة المستعجلة طبقا للمواد ١٣٣-١٣٤ من قانون الاثبات. مقالة نشرت بتأريخ ١٧/ابريل /٢٠٢٣م)

خصائص القضاء المستعجل

1-       انه قضاء ذو وظيفه مساعدة فهو يمنح بالنظر الى امكانية صدور قضاء موضوعي محتمل في المستقبل سواء كانت الدعوى الموضوعية قد رفعت أم لا ولهذا فانه اذا فصل في الدعوى الموضوعية فان الدعوى المستعجلة تصبح غير مقبولة

2-         يمنح القضاء المستعجل بصرف النظر عن وجود الحق الموضوعي فهو لا يقوم على وجود حق وانما يقوم على احتمال وجود الحق

3-        القضاء المستعجل ذو اثر مؤقت فالحكم المستعجل له حجية مؤقتة تزول بصدور الحكم في الدعوى الموضوعية

4-         يتميز القضاء المستعجل بانه يباشر بإجراءات متنوعة وهي في مجموعها اجراءات مبسطة كما ان مواعيده مختصرة.

        (د/سعيد الشرعبي: مرجع سابق. صفحة ٤٤)

هل يختص القضاء الموضوعي بنظر دعوى اثبات الحالة؟؟؟

دعوى اثبات الحالة قد تكون مستعجلة وقد تكون دعوى موضوعية اذا تخلف فيها وجه الاستعجال بأن كانت المسألة المراد إثباتها لا خطر عليها من فوات الوقت كمعاينة منزل أو عقار لمعرفة ما يشغله كأرض لمعرفة من الزارع لها وينبني على ذلك جواز رفع دعوى اثبات الحالة أمام القضاء الموضوعي. واذا كان طلب اثبات الحالة قد رفع أمام محكمة الموضوع ثم رفع بعد ذلك أمام القضاء المستعجل فهل على القضاء المستعجل الحكم بعدم الاختصاص؟؟ الرأي الراجح هو أن رفع دعوى الموضوع لا يؤثر على اختصاص القضاء المستعجل بالحكم في الدعوى المستعجلة بشرط توافر ركن الاستعجال إذ أن اختصاصه في هذه الحالة مستمد من نص المادة ٤٥ من قانون المرافعات المصري.

       (د/محمد عزمي البكري: مرجع سابق صفحة ١٦٢٦)

ولو نظرنا لنصوص القانون اليمني لوجدنا تأكيده على اعتبار دعوى اثبات الحالة دعوى مستعجلة وان كان أشار إليها بلفظ طلب في نص المادة 240 من قانون المرافعات التي نصت على ما يلي : ((يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت مايلي :........3- طلب اثبات الحالة ....))

ثم أعقبها نص المادة 241 من ذات القانون بقولها ((ترفع الدعوى المستعجلة بعريضة تعلن الى المدعى عليه خلال أربع وعشرون ساعة .........))

الشروط العامة للدعوى المستعجلة:

اشترط القانون المصري في المادة ١٣٤ من قانون الاثبات لاختصاص القضاء المستعجل بنظر دعوى اثبات الحالة توافر شرطين هما ١-شرط الاستعجال ٢-عدم المساس بأصل الحق ٣-بالإضافة الى شرط تقيد القاضي المستعجل بقواعد الاختصاص الولائي والنوعي والمحلي.

       (المحامي /محمد نجيب: دعوى اثبات الحالة المستعجلة طبقا للمواد ١٣٣-١٣٤ من قانون الاثبات. مقالة نشرت بتأريخ ١٧/ابريل /٢٠٢٣م)

اما في القانون اليمني فيمكن تحديد الشروط كالآتي:

1-                       حق محتمل: اي ان يكون هناك احتمال ظاهر لوجود الحق فاذا لم يوجد ذلك الاحتمال وجب على القاضي الحكم بعدم قبل الدعوى ويتحقق هذا الاحتمال بأمرين: الاول: وجود قاعدة قانونية تحمي مال او حق مما يطلب المدعي حمايته بالدعوى الموضوعية والثاني ان تتضمن واقعات الدعوى احتمالا بوجود الحق

2-                         خطر التأخير ( الاستعجال) يشترط لوجود الدعوى المستعجلة أن يوجد خوف من احتمال وقوع ضرر بالحق الموضوعي وهذا ما يعبر عنه باشتراط الاستعجال ويجب ان تكون الخشية او الخوف حالة وبالتالي فان المصلحة في الدعوى هي مصلحة حالة وتتمثل تلك الخشية في عدم الحصول على الحكم في الموضوع لصالح المدعي كما في حالة عدم سماع الشاهد اما الضرر الذي يخشى منه فهو محتمل بشرط ان يكون متعلق بالحق الموضوعي ويجب ان يكون وشيك الوقوع ليس مجرد احتمال بعيد ويتحقق هذا الشرط ولو كان قد مضى وقت قصير ما دام الخطر محدق

3-                       الصفة: وتثبت الصفة لمن قامت به الحاجة الى الحماية المستعجلة وهذه هي الصفة الإيجابية اما الصفة السلبية فتثبت لمن يكون طرفا سلبيا في الحق او المركز المحتمل الذي تسبب بفعله بالتهديد بالاعتداء على الحق ويتأكد  القضاء المستعجل من وجود الصفة من خلال ظاهر الاوراق فقط.

       (د/ سعيد الشرعبي: مرجع سابق. صفحة ٤٦)

وعرف الاستعجال كشرط من شروط اختصاص القضاء المستعجل بأنه «الخطر الداهم  الذي يتهدد حق من الحقوق يتعذر تداركه لو ترك اتخاذ الاجراء المؤقت فيه للقضاء الموضوعي وبالاجراءات العادية».

            (راتب ونصر الدين: قضاء الأمور المستعجلة-الطبعة السادسة-ج ١ صفحة ٣٥ وما بعدها أشار إليه عمار للمحاماة في مرجعه السابق صفحة ٨)

وبالتالي يجب أن تكون هناك حالة يخشى تبدلها أو ضياعها، فإذا ما كانت تلك الحالة ثابتة ولا تتغير بمرور الزمن، فلن يكون هناك حاجة لدعوى اثبات حالة ويجب أن يؤدي تغير معالم الحالة إلى حدوث نزاع قضائي في المستقبل ولو كان محتملا ويجب أن يتم رفع الدعوى من قبل الشخص صاحب الصفة في إثبات الحالة أو وكيله القانوني وك مثال على دعوى إثبات الحالة نذكر:

إثبات حالة عقار __إثبات حالة سيارة __إثبات حالة شهادة إذا خشي أن يتوفى الشاهد أو يغادر البلاد، إذ قد يكون الشاهد الوحيد أحد الوافدين للإمارات، ويخشى من عودته إلى بلده، فيتم أخذ شهادته مسبقاً قبل أن يسافر.

                            (محامي دبي /المحامي يونس البلوشي للمحاماة والاستشارات القانونية : بحث بعنوان دعوى إثبات حالة للديوان في الإمارات نشر بتأريخ ٦/٢/٢٠٢٤م)

واذا تبين أن الاجراء المطلوب ليس عاجلا أو يمس أصل الحق حكم بعدم اختصاصه بنظر الطلب ويعتبر حكمه هذا منهيا للنزاع المطروح عليه بحيث لا يبقى منه ما يصح إحالته على محكمة الموضوع.

     (عمار للمحاماة:مرجع سابق صفحة ٦)

مصاريف دعوى إثبات الحالة:

المتفق عليه أن القاضي المستعجل لا يفصل في مصاريف دعوى إثبات الحالة وإنما يقضي بإبقاء الفصل في المصاريف لمحكمة الموضوع التي سيعرض عليها النزاع لأن دعوى إثبات الحالة هي إجراء وقتي تحفظي محض يقوم بها صاحبها للمحافظة على حقه قبل الغير لتكون له سندا يتقدم به أمام محكمة الموضوع عند الفصل في أصل الحق ولأن الحكم فيها بإلزام شخص معين بالمصاريف فيه مساس بالموضوع أو أصل الحق الممنوع على القضاء المستعجل التعرض له عملا بنص المادة ٤٥ من قانون المرافعات المصري.

            (د/محمد عزمي البكري: مرجع سابق صفحة ١٦٥٠)

هل يختص القاضي المستعجل بإثبات الحالة لنزاع مستقبل؟؟

أ-ذهب رأي في الفقه الفرنسي الى أن قاضي  الأمور المستعجلة غير مختص بإثبات الحالة أو إجراء التحقيق عن أمر لم يقع بعد لعدم توافر ركن الاستعجال.

ب-بينما ذهب الفقه المصري الى جواز اثبات الحالة على سند من أن هذا الطلب لا يعتبر دعوى بالمعنى الصحيح بل هو إجراء يوفر للطرفين حلا سريعا مؤقتا لا يمس صميم الحق ويؤيدون رأيهم بأربع حجج هي:

١-أن النظر القانوني الحديث قد اتجه الى حماية الحق المحتمل م ٣ مرافعات مصري فيكفي لقبول الطلب أن يكون لصاحبه مصلحة محتملة اذا كان الغرض من هذا الطلب الاحتياط لدفع ضرر محقق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.

٢-أن المادة ١٣٣ مرافعات مصري نصت على أنه يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعية يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن وبالطرق المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة وتراعى في هذه الحالة الأحكام المبينة في المواد السابقة وقياسا على ذلك يجوز الحكم بإثبات حالة كل واقعة مادية يصح أن تكون محل نزاع مستقبل متى كان يخشى أن تزول آثارها بمرور الوقت.

٣-أن المادة ٩٦ من قانون الاثبات المصري قد نصت على أنه يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضه عليه أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع ذلك الشاهد.

٤-أن القضاء في دعوى إثبات الحالة هو قضاء مؤقت لا يفصل في أمر يثبت فيه حقا إنما هو بمثابة إجراء يرى القاضي من ظروف الدعوى أن الحاجة ماسة إليه للمحافظة على الحق الذي ستفصل فيه محكمة الموضوع كما وأن هذه الاجراءات يجوز نقض أثرها من محكمة الموضوع ولهذا لا يكون لها بأي حال من الأحوال قوة الشيء المقضي فيه.

        (د/محمد عزمي البكري: مرجع سابق صفحة ١٦١٨)

 

الطعن في الأحكام الصادرة في الأمور المستعجلة ومنها دعوى إثبات الحالة:

هل يجوز الطعن بالاستئناف في الحكم الصادر في دعوى إثبات الحالة بانتهاء الخصومة؟؟

١-ذهب رأي إلى جواز استئناف جميع الأحكام المستعجلة ومن بينها الحكم الصادر بانتهاء الخصومة استنادا لنص المادة ٢٢٠ مرافعات مصري.

٢- بينما ذهب رأي آخر إلى أن دعوى إثبات الحالة دعوى تحفظية وبالتالي فإن الحكم الصادر فيها لا يفصل في خصومة ومن ثم فلا يجوز الطعن عليه بالاستئناف أما اذا خالفت المحكمة المستعجلة القواعد المقررة والتي لا تنتهي بقضائها بانتهاء الخصومة وضمنت حكمها قضاء على الخصم أو ألزمته بشيء فإنه في هذه الحالة يجوز الطعن على حكمها بالاستئناف وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية.

         (د/محمد عزمي البكري: المرجع السابق صفحة ١٦٥٤)

     أما القانون اليمني فقد كان صريحا في إجازة الطعن في الاحكام المستعجلة إذ جاء نص المادة 244 من قانون المرافعات اليمني بما يلي : ((اذا صدر الحكم في المسائل المستعجلة من المحكمة الابتدائية أو من القاضي المختص بها تبعا لدعوى منظورة أمام المحكمة أو على استقلال جاز الطعن فيه بالاستئناف مباشرة خلال ثمانية أيام تبدأ من تأريخ النطق بالحكم وتفصل المحكمة الاستئنافية في الاستئناف خلال ثمانية أيام على الأكثر ولا يكون للاستئناف أثر موقف للتنفيذ ))

وقد قررت محكمة النقض المصرية في هذا الخصوص ما يلي:

(الدفع بعدم قبول الطعن في الحكم الصادر في مسألة من المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت تأسيسا على أنه ليس حكما بالمعنى المفهوم والمقرر للأحكام بل هو مجرد أمر بإجراء تحفظي بطبيعته وقتي في أساسه ومبناه ويجوز تغييره وتعديله هذا الدفع غير صحيح ذلك أن الحكم الصادر في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت هو حجة يلتزم بها القاضي والخصوم فيما يقضي به القاضي في حدود ما له من صفة مؤقتة وعدم المساس بالحق ويكون قابلا للطعن عليه بطريق الطعن التي حددها له القانون.

      (عمار للمحاماة: مرجع سابق صفحة ٧)

الخاتمة:

تطرقنا في بحثنا الى نوعي الحماية القضائية والتي قد تكون حماية موضوعية تفصل في أصل الحق أو مستعجلة لا تفصل في اصل الحق ولا تمسه ولكنها تحافظ على ذلك الحق مؤقتا حتى يتأكد ثبوته عن طريق الحكم الفاصل في الموضوع وانتهينا الى اعتبار دعوى اثبات الحالة دعوى مستعجلة ترفع بإجراءات الدعاوى المستعجلة وبالتالي تنطبق عليها أحكام القضاء المستعجل سواء رفعت بدعوى مستقلة أمام القضاء وفصل فيها قاضي الأمور المستعجلة أو رفعت بطلب عارض أمام القضاء الموضوعي الذي ينظر النزاع فهي في كل الأحوال مستعجلة يفصل فيها على استقلال دون الخوض في أصل الحق أو المساس به .

والله ولي الهداية والتوفيق .

((مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري))


 

لأجل التعرف على ذاتية مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري فإننا سنتحدث عنه في ثلاثة فروع، نتناول في الفرع الأول تعريف مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري، في حين تتناول في الفرع الثاني النتائج المترتبة على هذا المبدأ، فيما نخصص الفرع الثالث لبيان الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ.

 

الفرع الأول: تعريف مبدأ عدم تجزئة المفردات: -

لقد وردت عدة تعاريف بشأن مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري فقد عرفه جانب من الفقه بأنه (ذلك المبدأ الذي تكون بموجبه المدفوعات الداخلة في الحساب الجاري وحدة متداخلة لا تقبل التجزئة، فلا يمكن فصل مدفوع عن الآخر، فالمدفوعات تتماسك مع بعضها البعض فلا يوجد حق أو دين لأحد حتى يتم قفل الحساب).

كما عرفه جانب آخر من الفقه بأنه (تحول الديون المقيدة في الحساب الجاري الى بنود مندمجة فيه لا تقبل التجزئة، بحيث لا يوجد حق أو دين أثناء مرحلة تشغيل الحساب الجاري).

كما عرف بأنه (المبدأ الذي يجعل من الدفعات في الحساب الجاري تندمج في كل لا يتجزأ بحيث لا يعرف من هو الطرف الدائن ومن هو الطرف المدين الا عند مرحلة غلق الحساب وتصفيته).

فيما عرف جانب آخر من الفقه مبدأ عدم التجزئة بالقول (إن التفاصيل والجزئيات في الحساب الجاري تنصهر في شكل مفردات تتلاشى فرديتها لتعمل كلها وتسهم في تكوين وتحديد الرصيد النهائي الذي يتحقق عند قفل الحساب الجاري).

وهو ذات الوصف الذي حددته محكمة النقض الفرنسية، حيث جاء في حكم لها بأن (العمليات المقيدة في الحساب الجاري تتسلسل في هذا الحساب حتى تاريخ التسوية النهائية مكونة كلاً لا يتجزأ ما دام الحساب مفتوحاً، فلا حق ولا دين بل مجرد أرقام مسجلة في الجهتين المتقابلتين من الحساب، وحيث أنه بالموازنة النهائية وحدها يتحدد الرصيد على عاتق أحد الطرفين فليس هناك دائن ولا مدين إلا بعد تلك الموازنة)

فمبدأ عدم التجزئة يتمثل إذن في استبدال تسوية العمليات المتعددة التي تتم بين طرفي الحساب بتسوية واحدة نهائية عند قفل الحساب وظهور الرصيد النهائي وهو الأمر الذي لا يمكن تصوره إلا إذا نظرنا إلى الحساب الجاري بوصفه كلاً واحداً تندمج داخله المدفوعات وتتماسك مع بعضها البعض لتكون وتحدد الرصيد النهائي عند قفل الحساب.

 

 

ونظراً لأهمية مبدأ عد تجزئة المفردات فقد نصت غالبية التشريعات التجارية عليه ومنها التشريع اليمني الذي أشار إليه صراحة في المادة (350) من القانون التجاري التي تنص على الاتي: [الحساب الجاري غير قابل للتجزئة فلا يعد أحد الطرفين دائنا أو مدينا للطرف الاخر قبل اقفال الحساب واقفال الحساب هو وحده الذي يحدد العلاقات القانونية بين الطرفين وهو الذي تنشأ عنه حتما المقاصة الاجمالية لجميع بنود الحساب من تسليف واستلاف وهو الذي يعين الدائن والمدين والحجز الذي يوقع على نقود وأموال داخلة في الحساب الجاري لا ينفذ إلا بالنسبة إلى الرصيد الذي يظهر لمصلحة المحجوز عليه عند إقفال الحساب].

والمادة (369) من ذات القانون بقولها: [تكون المفردات المقيدة في الحساب الجاري بمجموعها غير قابلة للتجزئة قبل غلق الحساب واستخراج الرصيد].

 

الفرع الثاني: النتائج المترتبة على مبدأ عدم تجزئة المفردات: -

يترتب على مبدأ عدم تجزئة المفردات عدة نتائج يمكن إجمالها من خلال الاثرين الآتيين: -

 

الاثر الأول: عدم جواز المطالبة بقيمة إحدى المفردات على حدة: -

لا يمكن لأي من طرفي الحساب الجاري استخراج أحد بنود الحساب للمطالبة به على حدة، فإذا كان قيد المدفوع ناشئاً عن ثمن مبيع مثلاً، فليس للطرف الذي جرى القيد لصالحه المطالبة به على حده لان الطرف الآخر في الحساب المشتري (تكون ذمته قد برأت من قيمته بمجرد قيد ما يعادله في الحساب، كما إن هذا الحكم يتفق مع إرادة الطرفين التي انعقدت على عدم تسوية الحقوق التي تقيد في الحساب فوراً ونقداً وإنما اتجهت إلى تأجيل التسوية لحين قفل الحساب وتصفيته.

فلا تجوز المطالبة بمفردات الذمم الداخلة في الحساب وإنما تكون المطالبة بعد اختتام الحساب الجاري وتعيين وضع الطرفيين القانوني وظهور الرصيد النهائي ولا يجوز لأي من فريقي الحساب الجاري حق مطالبة الآخر بما سلمه له بكل دفعة على حدة فالدين المترتب لشخص لدى دخوله الحساب الجاري يفقد صفته الخاصة وكيانه الذاتي، فلا يكون بعد ذلك قابلاً للوفاء على حدة ولا للمداعاة وإن إيقاف الحساب وحده هو الذي ينشأ عنه حالة المقاصة الجماعية لجميع بنود الحساب وهو الذي يعين الدائن من المدين.

 

ويسري هذا الحكم حتى على غير طرفي الحساب الجاري، فلا يجوز مثلاً لدائن أحد طرفي الحساب أن يتخذ إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير على مدفوع لمدينه أدرج في الحساب، لأن مركز طرفي الحساب الجاري لا يتحدد إلا عند قفل الحساب واستخلاص الرصيد، إذ إن كل مدفوع يدرج في الحساب يفقد صفته الأصلية ويتحول إلى مفرد حسابي يندمج مع غيره من المفردات من غير أن يكون هنالك دائن لهذا المدفوع أو مدين، وإنما يكون كل منهما دائنا احتمالياً بما تسفر عنه تصفية الحساب عند قفله و بمعنى إن مركز الطرفين في الحساب يبقى يتراوح بين الدائنية والمديونية حتى يحين موعد قفل الحساب ويتم استخلاص الرصيد ليتحدد وقتئذ مركز كل منهما إزاء الآخر.

 

الاثر الثاني: عدم جواز التمسك بالمقاصة بين مفردات الحساب الجاري أثناء تشغيله:

 

لا يجوز أثناء تشغيل الحساب إجراء المقاصة بين مفرداته، وذلك لان المقاصة هي عملية وفاء واستيفاء ومثل هذه العملية لا تقع إلا بصورة شاملة بين جميع البنود الدائنة والمدينة عند قفل الحساب حيث يتحدد دين الرصيد النهائي والذي يعد وحده ديناً مستحقاً لأحد الطرفين على الآخر ومن ثم محلاً للوفاء وهذا ما نصت عليه المادة ( 350 ) من القانون التجاري اليمني بالقول: [....واقفال الحساب هو وحده الذي يحدد العلاقات القانونية بين الطرفين وهو الذي تنشأ عنه حتما المقاصة الاجمالية لجميع بنود الحساب من تسليف واستلاف وهو الذي يعين الدائن من المدين...].

والمادة (369) من ذات القانون بالقول: [...3-لا تجوز المقاصة بين مفرد في الحساب الجاري ومفرد اخر في الحساب ذاته].

ومن جهة أخرى فإن عدم جواز إجراء مقاصة بين مفردات الحساب إلا عند التصفية ضرورة يقتضيها الهدف المقصود من الحساب الجاري والمتمثل بإرجاء تسوية جميع العمليات لحين إقفال الحساب، وهو ما أشارت إليه المادة (343) من ذات القانون بالقول [...بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند اقفال الحساب هو الدين المستحق الواجب الأداء لأحد الطرفين بحسب الأحوال].

فضلا عن إن إجراء المقاصة لا يكون إلا بين ديون مستحقة الأداء وهو الأمر الذي يتعارض مع طبيعة نظام الحساب الجاري، إذ إن استحقاق الدين الناجم عن دخول المدفوعات فيه لا يظهر إلى حيز الوجود قبل تسوية الحساب وإقفاله.

 

الفرع الثالث: الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم تجزئة المفردات: -  

إذا كان مبدأ عدم تجزئة المفردات يقتضي ألا يكون هنالك دائن أو مدين أثناء مدة سريان الحساب الجاري، بيد أن ثمة استثناءات ترد على هذا المبدأ تتمركز معظمها حول التصفية المرحلية للحساب الجاري أو ما يسمى بالوقف الدوري المؤقت: بمعنى إن قاعدة عدم التجزئة ليست مطلقة ولا تمنع من إجراء موازنات دورية لاستخراج الرصيد المؤقت أثناء تشغيل الحساب للتصرف به متى كان دائناً لصاحبه من خلال الاعتداد بذلك الرصيد الدائن فضلا عن إمكانية الحجز عليه من قبل دائني صاحب الرصيد الايجابي.

الاستثناء الأول: الاعتداد بالرصيد الدائن المؤقت:

 

لقد جرى التعامل على الاعتداد بالرصيد المؤقت لقطع الحساب وما يكشف عنه من دائنية المصرف أو العميل في أحوال معينة، وهو الأمر الذي يتعارض قطعا مع مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري: إذ إن تطبيق هذا المبدأ يقضي بضرورة بقاء المدفوعات في حالة تماسك لحين غلق الحساب واستخراج الرصيد النهائي.

وقد أقر المشرع التجاري اليمني بهذا الاستثناء في حالة الحساب الجاري المفتوح لدى بنك وذلك في تنظيمه لأحكام الحساب الجاري لدى البنوك في المادة (370) من القانون التجاري التي تنص على الاتي: [حقوق صاحب الحساب: 1-يجوز لصاحب الحساب أن يتصرف في أي وقت في رصيده الدائن، ما لم تكن هناك التزامات أخرى على صاحب الحساب للبنك].

 

وقد رتب الفقه والقضاء العديد من التطبيقات لهذا الاستثناء منها: -

أولاً: يجوز لعميل المصرف سحب حوالة تجارية أو صكاً:

على رصيد حسابه المؤقت أثناء تشغيل الحساب إذا كان رصيده في هذا الحساب دائناً، بمعنى إن رصيده الدائن المؤقت يمكن أن يكون مقابل وفاء الأوراق تجارية متى تحققت شروط هذا المقابل.

ثانياً: رفع الدعوى البوليصية:

قد يعمد المدين الذي ساءت حالته المالية إلى بيع أمواله الظاهرة ليخفي ثمنها عن دائنيه، أو قد يعمد (لأجل الإضرار بدائنيه) الى محاباة الغير من أقاربه وأصدقائه بان يبيعهم ماله بثمن بخس أو يهبهم إياه، أو قد يجامل أحد الدائنين على حساب الآخرين.

 

ومن اجل حماية الدائنين من قبيل هذه التصرفات الضارة فقد أجاز لهم المشرع الحق في طلب عدم نفاذ تلك التصرفات في مواجهتهم أو ما تسمى (بالدعوى البوليصية) والتي تقوم أساساً على فكرة صدور غش من جانب المدين وإلحاق ضرراً بالدائن من جراء ذلك الغش.

 

وبناءً على ما تقدم فإن تصرف أحد طرفي الحساب الجاري تصرفاً منطوياً على غش للإضرار بمصالح الطرف الآخر يتيح للأخير الحق في رفع الدعوى البوليصية للطعن في تلك التصرفات ولذا يمكن القول بأن الصاحب الرصيد المؤقت -بوصفه دائناً -أن يرفع الدعوى البوليصية للطعن في تصرفات مدينه الذي أسفر الميزان المؤقت عن مديونية رصيده.

ثالثاً: قيد الرصيد المؤقت في حساب الجرد والميزانية السنوية:

 

بالرغم من إن مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب يقضي بعدم وجود حق أو دين أثناء سريان الحساب، بيد ان العرف التجاري اقر بإمكانية إن يقيد التاجر في ميزانيته السنوية حالته المؤقتة في الحساب سواء أكانت دائنة أم مدينة، كما هو الحال بالنسبة للشركات التي تحرص تماماً على قيد رصيدها المؤقت في ميزانيتها السنوية لكي يتضح مركزها المالي وتتضح حقيقة توزيع الأرباح، إذ إن إغفال الشركة لذلك القيد من شأنه أن يؤدي الى توزيع صوري للأرباح وخاصة فيما لو كان الرصيد المؤقت مدين وما سيرافق ذلك التوزيع من نقصان في رأس مال الشركة.

رابعاً: مطالبة الشريك المتضامن الخارج من الشركة بالرصيد المؤقت للحساب:

يقتضي مبدأ عدم التجزئة تعليق المديونية إلى وقت إقفال الحساب بيد أنه في حالة وجود حساب جارٍ مفتوح لشركة تضامن، فان من حق الطرف الآخر في الحساب أن يطالب أي شريك من الشركاء الخارجين من الشركة قبل قفل الحساب بدين الرصيد المؤقت ويمكن تبرير هذا الاستثناء بعدم تجريد الدين من ضمانات الشركاء عند انسحابهم الواحد تلو الآخر قبل إقفال الحساب، لان القول بخلاف ذلك سيجعل الدائن أمام شركة منحلة أو عاجزة عن الوفاء.

والحال إن الشركة والشركاء - المتضامنين - ملتزمون بكامل الدين المترتب على الشركة نتيجة رصيدها المدين في الحساب الجاري أثناء وجودهم في الشركة وقبل انسحابهم منها ، فيجوز للطرف الآخر في الحساب مطالبة الشريك المتضامن بدفع الرصيد المدين حتى بعد انسحابه من الشركة طالما أن دين الرصيد قد تحقق أثناء وجوده في الشركة ، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه (إذا كان الدائن المؤقت في الحساب الجاري مصرفاً وكان الطرف الآخر شركة تضامن، فيمكن للمصرف مطالبة الشركاء المنسحبين قبل قفل الحساب بالوفاء برصيد الحساب الذي استمر دائناً حتى قفله بإعلان إفلاس شركة التضامن).

 

الاستثناء الثاني: الحجز على الرصيد الدائن المؤقت:

 

يقتضي مبدأ عدم تجزئة المفردات عدم جواز الحجز على مفردات الحساب طيلة فترة تشغيله بسبب عدم معرفة الدائن أو المدين خلال تلك الفترة، وهذا ما أشارت اليه المادة(350) من القانون التجاري اليمني بقولها: [....والحجز الذي يوقع على نقود وأموال داخلة في الحساب الجاري لا ينفذ إلا بالنسبة إلى الرصيد الذي يظهر لمصلحة المحجوز عليه عند إقفال الحساب].

وما أشارت إليه محكمة النقض الفرنسية في حكمها الشهير الصادر بتاريخ ۱۹۲۲/۱/۲۳ والذي جاء فيه (إن حجز ما للمدين لدى الغير لا يمكن أن ينصب إلا على الأموال التي تكون مملوكة للمدين والتي يستطيع التصرف بها، وحيث إن الحساب الجاري غير قابل للتجزئة فانه لا يجوز لدائن أحد الطرفين توقيع الحجز على الحساب وإخراج القسيم الموجودة فيه عن التخصص الذي أعدت له بموجب الاتفاق، وكل ما يجوز له هو الادعاء على الرصيد النهائي الذي يكون الصالح مدينه بعد قطع الحساب وتسويته، ولذا فان الحجز على جزء من الحساب أو على الحساب عامة يكون حجزاً غير صحيح ويتعين على المصرف اعتباره عديم الأثر ).

وقد تعرض مبدأ عدم جواز الحجز على الحساب الجاري لانتقادات شديدة باعتباره وسيلة تمكن المدين من تهريب أمواله بإدخالها في الحساب الجاري ليتفادى حجزها من قبل دائنيه مع إمكانية إدخال عنصر الغش من جانب المدين إضراراً بهم، كما إن المدين -إذا كان يتوقع الحجز على رصيده الناتج عن القفل النهائي للحساب -يستطيع أن يسحب كل رصيده الدائن قبل اليوم المحدد لقفل الحساب بالشكل الذي يجعل فيه حجز دائنيه غير ذي فائدة.

 

وإزاء هذه الانتقادات اخذ القضاء يخفف من غلواء مبدأ عدم جواز الحجز على الحساب الجاري أثناء تشغيله من خلال الاعتداد بالرصيد المؤقت للحجز عليه إذا كان الحساب غير محدد المدة: لينتقل بعد ذلك القضاء -الى المرحلة الثانية-بالسماح للدائن باستخدام حق مدينه العميل في قفل الحساب بإرادته وذلك عن طريق الدعوى غير المباشرة لكي يتسنى له توقيع الحجز على الحساب بعد قفله، بحيث لا يصح للمصرف أن يتجاهل الحجز الواقع على حساب العميل، بل إن عليه السماح بتشغيل الحساب بعد حجزه بصورة تؤدي إلى عدم نقص الرصيد الذي تحدد وقت إيقاع الحجز، وإلا كان المصرف مسؤولاً تجاه الحاجز عن الضرر الذي يلحقه من جراء ذلك.  

 

وأخيراً فقد حسمت محكمة النقض الفرنسية هذا الوضع بالعدول عن قضائها السابق وذلك من خلال قرارها الشهير الصادر بتاريخ ۱۹۷۳/۱۰/۱۳ والذي جاء فيه صراحة بأنه:

(لما كان الرصيد المؤقت للحساب الجاري يعد بالضرورة عنصراً في ذمة المدين التي تمثل الضمان العام لدائنيه، فان هذا الرصيد المؤقت يشمله الحجز الذي أوقعه الدائن ، وعلى القاضي أن يبحث في هذا الرصيد عن العناصر التي يجوز التصرف فيها وقت الحجز).

وقد تبنت العديد من القوانين التجارية هذا الاستثناء ونصت عليه صراحة ومنها: قانون التجارة الكويتي المادة (۳۹۸) و قانون التجارة الليبي المادة (۲۰۷) وقانون التجارة المصري ( المادة ۳۷۳ ) ، فضلاً عن قانون التجارة العراقي الذي نص في المادة (٢٣٥) على انه يجوز لدائن أحد طرفي الحساب توقيع الحجز على ما للمدين من رصيد دائن لدى الغير وقت توقيع الحجز)

ومن خلال الاطلاع على النصوص المنظمة للحساب الجاري في القانون التجاري اليمني يتبين أنه لم يأخذ بهذا الاستثناء حيث أنه لم ينص على ذلك.

 

وقد أحسنت القوانين-التي أخذت بهذا الاستثناء-صنعاً عندما أخذت بجواز الحجز على الرصيد المؤقت للحساب الجاري استثناء على مبدأ عدم التجزئة تحقيقاً للموازنة بين مصالح جميع الأطراف من جهة ومنعاً من تهرب المدين من التزاماته في مواجهة دائنيه من جهة أخرى.

 

المرجع الاساسي: دراسة تكامل مبدأي تجديد المدفوعات وعدم تجزئة الحساب المفردات في تحديد اثار الحساب الجاري لـ يوسف عودة غانم وعلي عبد العالي خشان وعلاء عمر محمد.

-القانون التجاري اليمني رقم(32) لسنة 1991م وتعديلاته.

أ/سمر عبد السلام العريقي

شركة الربيعي وشركاؤه للخدمات القانونية