الصفحات

السبت، 1 أكتوبر 2022

الحدود العينية والشخصية للدعوى الجزائية, وفق القانون اليمني

 

 

الحدود العينية والشخصية للدعوى الجزائية, وفق القانون اليمني

 

المقدمة:

يعتبر موضوع الحدود العينية والشخصية من المواضيع التي أولاها المشرع أهمية خاصة , علما بأن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع المعقدة نوعا ما, ومن الأمور التي تلتبس على الكثير من المحامين, الأمر الذي دفعني إلى تقديم هذا البحث المتواضع.

العلة من مبدأ تقيد المحكمة بحدود الدعوى الجزائية العينية والشخصية:

الحقيقة أن العلة من هذا المبدأ أو القاعدة تكمن في( مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والقضاء أو المحاكمة)

 فلا يجوز للمحكمة أن تفصل في دعوى لم ترفع إليها من النيابة العامة صاحبة الحق في تحريك الدعوى الجزائية , وهذا يعد ضمانا لحيادة القاضي, والحياد جوهر العدالة المقصودة من القضاء, ونشير هنا إلى أن سلطة التصدي لا تعد تجاوزا لهذا المبدأ أو استثناء عليه والتي أشار إليها المشرع في المواد (34,33,32)أ.ج , لإنها لا تخول للمحكمة سلطة الفصل في الدعوى التي حركتها, وإنما تخولها سلطة تحريكها فقط , أما ما يعد استثناء على المبدأ محل البحث هو سلطة المحكمة في الفصل في جرائم الجلسات فقط  م(35)أ,ج وعليه إذا لم يثبت لدى المحكمة ارتكاب المتهم للجريمة المنسوبة إليه , تعين على المحكمة القضاء ببراءته ولا يحق لها أن تسند إليه جريمة لم تتضمنها الدعوى الجزائية , مثال : إذا كانت التهمة المنسوبة إلى المتهم تزوير إيصال معين , فلا يجوز محاكمته عن تزوير إيصال آخر , لأن الايصال الآخر يعد واقعة منفصلة تماما عن الواقعة التي تضمنتها الدعوى الجزائية , وفي حال تجاوز المحكمة لهذا المبدأ تكون قد قضت بما لم تتضمنه الدعوى الجزائية, وقرار الإحالة وإعلان التكليف بالحضور مما يترتب عليه مخالفة القانون في أمرين :

الأول: أن المحكمة اضفت إلى سلطتها سلطة أخرى, وهي سلطة الاتهام والتي هي للنيابة العامة.

الثاني: أنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصم، وكلا الأمرين يترتب عليهما بطلان الحكم.

 

الحدود الشخصية للدعوى الجزائية:

يتعين على المحكمة أن تتقيد بالأشخاص المرفوعة عليهم الدعوى نزولا عند مبدأ (الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة) فلا يحق لها ادخال اشخاص آخرين غير من تضمنهم قرار الإحالة، سواء كانوا فاعلين أو مساهمين، فاذا حكمت بالعقوبة المقررة على المسؤول عن الحقوق المدنية كونه تبين لها أنه شريك في الجريمة، أو حكمت على شاهد لنفس العلة عد حكمها باطلا، المادة (365) أ، ج، لأنه لا يجوز الحكم على شخص قبل رفع الدعوى الجزائية عليه من النيابة العامة.

 وننوه هنا أن التصدي يقتصر فقط على تحريك الدعوى ضد المتهمين الجدد، دون محاكمتهم، وفق نصوص المواد (43,33,32) أ، ج.

 

 الحدود العينية للدعوى الجزائية:

ويقصد بذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تحكم بالبراءة أو الإدانة على من أقيمت عليه الدعوى الجزائية, من اجل واقعة غير التي نسبة إليه في قرار الإحالة (الاتهام) أي الواقعة المضمنة في الدعوى، (365) أ، ج، علما بأن الواقعة تعني (هي الجريمة التي وردت بقرار الاتهام أو الإحالة وكذا في ورقة التكليف بالحضور والمحددة من قبل سلطة الاتهام)، وهذا يقتضي التلازم بين ما تفصل فيه المحكمة بحكم، وبين ما رفعت به الدعوى الجزائية، تحقيقا لمبدأ وحدة الواقعة، فاذا اختلف التلازم عد تجاوزا للمبدأ محل البحث.

فالمحكمة يحظر عليها أن تنظر واقعة مستقلة عن تلك المرفوعة من قبل النيابة العامة، أو تستبدلها بتهمة أخرى، لأن مثل هذا التصرف يعد باطلا وفقا لما جاء في مجموعة القواعد القانونية ص 425

 ما لا يعد مخالفا أو معارضا لتقيد المحكمة بمبدأ الحدود العينية والشخصية للدعوى الجزائية (الاستثناءات) ونختم بحثنا هذا بمدى رقابة المحكمة العليا على محكمة الموضوع في هذا الصدد:

هناك سلطات تقوم بها المحكمة ولا تعد تجاوزا لمبدأ حدود الدعوى بشقيه.

لقد منح القانون للقاضي سلطة لتقدير وقائع الدعوى ووصف الواقعة الوصف الصحيح والتكيف السليم دون تقيد بتكييف النيابة لأنه غير ملزم لها، وكذا تقدير الظروف المخففة أو المشددة الواردة في قرار الاتهام، ومن هذه السلطات ما يلي:

السلطة الأولى: تعديل التهمة:

من حق المحكمة أن تعدل التهمة الواردة في قرار الاتهام, إذا رات أن تكيف النيابة العامة غير سليم، والتعديل أنواع:

أ‌-     التعديل بالحذف والاستبعاد: ويكون عندما تستبعد المحكمة عنصرا من عناصر التهمة الاصلية, مثل تحويل تهمة الجريمة التامة الواردة في قرار الاتهام إلى شروع، أي باستبعاد رابطة السببية ولهذا التعديل شروط.

1_ أن تكون عناصر التهمة المحكوم فيها قد ظهرت للمحكمة من تحقيقها النهائي.

2_ عدم إضافة عناصر جديدة للتهمة لم تكن موجودة في قرار الاتهام.

3_ عدم الإساءة إلى مركز المتهم.

ب‌- التعديل بالإضافة: وله ثلاث صور:

الصورة الأولى: إضافة الظروف المخففة:

مثل إضافة سبب يسقط القصاص كالعفو أو الصلح.

الصورة الثانية: إضافة الظروف المشددة:

ويشترط أن يظهر ذلك للمحكمة وان لم يشمله قرار الاتهام، كإضافة الظروف المشددة بالمعنى الدقيق في قانون العقوبات, كحمل السلاح أو سبق الإصرار إلى القتل .... الخ

وكذا الوقائع التي تدخل على الركن المادي وتؤدي إلى اكتمال الواقعة الاصلية، مثل تعديل الواقعة من إصابة خطأ إلى قتل خطأ في حال توفي المصاب اثناء المحاكمة.

كذلك التعديل في الركن المعنوي, مثل تعديل التهمة من قتل الخطأ إلى قتل عمد في حال ظهور القصد العمدي.

 

أيضا تعديل التهمة بإدخال وقائع مرتبطة بالواقعة الاصلية ارتباطا لا يقبل التجزئة، مثل إقامة بناء بغير ترخيص على ارض غير مقسمة، وهذا من قبيل الاستثناء على المبدأ محل البحث.

 

الصورة الثالثة: إضافة وقائع جديدة: شرط أن لا تخرج التهمة عن جوهرها وذلك في حالات:

1_ إذا شمل التعديل الركن المادي بعناصره الثلاثة ومثل تعديل وصف المتهم من مساهم أو شريك إلى فاعل أصلي، أو من شروع إلى جريمة تامة.

2_ إذا شمل التعديل الركن المعنوي بشقيه، مثل إضافة نية القتل, وتعديل التهمة من ضرب مفضي إلى الموت إلى تهمة قتل عمد.

3_إذا وقع التعديل على وقائع مكونه لظروف مشددة, كإضافة سبق الإصرار على القتل.

4_اضافة عنصر جديد متمثل في حالة قانونية يأخذها المشرع بعين الاعتبار في تكوين الركن المادي في الجريمة, مثل تعديل التهمة من جريمة سرقة إلى جريمة اختلاس، بإضافة صفة الموظف العام إلى المتهم.

5_ التعديل بالحذف أو الاستبعاد: وقد سبق الإشارة إليه.

 

السلطة الثانية: سلطة المحكمة في تعديل الوصف القانوني للتهمة:

وهذا في حال ما تخطأ النيابة العامة في التكييف والوصف القانوني الصحيح والسليم للتهمة , ولم يرد في قانون الإجراءات لفظ تغير الوصف القانوني وكان المفترض أن يضمنه نص المادة (366) كون المحكمة تعد السلطة العليا ولها الحق في تغيير الوصف القانوني للتهمة, ووصفها القانوني السليم في حال اخفاق النيابة العامة في ذلك, وقد جاء النص في المادة المذكورة خاليا من لفظ تغيير الوصف , الذي يمنح المحكمة حق تغيير الوصف القانوني للتهمة , دون تقيد بوصف النيابة , لأن وصف النيابة للتهمة المنسوبة للمتهم غير ملزم للمحكمة , علما بأن وصف النيابة مؤقت قد تخالفه المحكمة إذا كان وصفا غير صحيح ,لأن الوصف المعتبر هو وصف المحكمة للتهمة وليس وصف النيابة .

ويشترط على المحكمة لممارسة هذه السلطة الاتي:

1_أن تستند في إعطاء الوصف الصحيح للواقعة على أوراق الدعوى, والتحقيق الذي جرى اثناء المحاكمة بمعرفتها.

2_ الا تسند إلى المتهم فعلا غير الذي جاء في الدعوى الجزائية.

السلطة الثالثة: تصحيح الأخطاء المادية, وتدارك السهو من صحيفة الاتهام:

وقد خول المشرع للمحكمة أن تصحح الأخطاء المادية المادة (366) كتصحيح اسم المتهم أو تصحيح مكان الإصابة أو ما شابه من هذا القبيل، وهناك شروط تتقيد بها المحكمة في ممارسة هذه السلطة:

1_ أن لا يؤدي الخطأ إلى بطلان ورقة لتكليف بالحضور أو أمر الإحالة (قرار الاتهام) كان يؤدي إلى تجهيل الاتهام.

2_أن لا يؤدي إلى تعديل في الواقعة المنسوبة إلى المتهم، كأن يعدل من تهمة سرقة مال الغير إلى تهمة اتلاف مال الغير.

 

ملاحظة:

يلزم المحكمة أن تنبه المتهم إلى كل تعديل في التهمة المنسوبة إليه احتراما لحق الدفاع, لأن المتهم يجب أن يعلم بكل تعديل ناتج عن استخدام المحكمة لسلطاتها القانونية المشار إليها , حتى يعدل خطة دفاعه المادة(366) بما يتناسب ومتغيرات التهمة , واذا لم تنبهه المحكمة إلى تلك التغيرات الناتجة عن التعديل في التهمة المنسوبة إليه , تكون قد اخلت بمبدأ الدفاع , الامر الذي يترتب عليه بطلان الحكم , الا إذا كان التعديل تعديل مادي فلا يلزم تنبيه المتهم إلى ذلك, لأن هذا التعديل لا يؤثر على التهمة ولا يؤثر على خطة دفاعه , ويستوي أن يكون التنبيه صريحا أو ضمنيا, لأن القانون لم يتطلب شكلا معينا للتنبيه .

 

مدى رقابة المحكمة العليا على محكمة الموضوع, في مدى التزامها بالتقيد بالحدود الشخصية والعينية, للدعوى الجزائية:

من المعلوم أن المبدأ محل البحث من قبيل النظام العام والتجاوز لهذا المبدأ يعد من قبيل المخالفة للقانون, والذي يترتب عليه البطلان، ولما كانت المحكمة العليا محكمة قانون فإن لها حق الرقابة على محكمة الموضوع في هذا المجال، علما بأن رقابة المحكمة العليا على محكمة الموضوع موقوف على الطعن أمامها بالنقض، ولها حق نقض الحكم لبطلانه كاثر مترتب على تجاوز محكمة الموضوع للمبدأ محل البحث، وفقا لنص المادة (397) إ، ج

 

 

المصادر والمراجع:

 /ا-قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) لسنة1994م

2_ مجموعة القواعد القانونية العدد ج3   - 3_ شرح قانون أ، ج المحاكمة والطعن في الاحكام الدكتور المرحوم / محمد محمد سيف شجاع ج.، صنعاء، م امام، م، العليا.

4_ الحدود العينية والشخصية للدعوى الجزائية والرقابة القضائية عليها _ د/منار عبدا لشمس أ /جامعة تكريت والقاضي/ عواد حسين العبيدي -ق، استئناف م، كركوك.

 

إعداد المحامي /أحمد محمد محمد المطرقي.

تحت إشراف المحامي /سليمان نبيل الحميري.

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي