مقدمة:
من المؤكد ان العلوم الطبية قد تطورت تطورا
مذهلا, ووصلت اليوم إلى ما يشبه الانفجار العلمي, ولازال مطردا كرد فعل لربط التقنية
من جانب الطب والبيولوجيا من جانب آخر, فاستحدث رجال الطب مما استحدثوا الكثير من الإمكانيات
الطبية التي لم يكن للطب سابق عهد بها, ومن بينها التلقيح الصناعي.
فعلى الرغم مما قدمته هذه التطورات العلمية
والاكتشافات الطبية من تقدم ملحوظ, إلى ان هذه الاكتشافات قد اثارت الكثير من القضايا
الاخلاقية والدينية والقانونية التي تمس جوهر الحياة الإنسانية.
فالتلقيح الصناعي و إجارة الأرحام تشكل
بعض الممارسات الطبية التي تقود الإنسان إلى مستقبل مجهول النتائج, اذ ان هذه الممارسات
لا تتمتع بأي حصانة ضد الأخطاء الطبية او ضد الميول الأنانية عند الانسان, الأمر الذي
يحتم التدخل التشريعي لتنظيمها.
وقد اثارت هذه الممارسات الطبية اهتماما دوليا لدى
المشرعين لإجراء دراسات تشريعية خاصة بها.
بدأت الهيئات المسؤولة في بعض البلدان من
العالم, بوضع حدود ومعايير واضحة لتقنية الجينات الحديثة, وذلك لمنع أي وسيلة او عملية
تؤدي إلى إساءة استخدام هذه التقنية الجديدة بشكل يمس كرامة الإنسان, كالأبحاث التي
تدخل في إطار الإساءة إلى الأجنة, او زرع ما يسمى بالإنسان الكامل بوسائل اصطناعية
غير طبيعية, او تفشي استخدام الام المأجورة التي تكلف بحمل الاجنة للغير.
ويشهد على أهمية دراسة هذا الموضوع, انعقاد
العديد من المؤتمرات العلمية والطبية من جهة, والشرعية والقانونية من جهة اخرى, التي
حضرها رجال الدين والقانون والطب, للوقوف على مدى مشروعيتها من الناحيتين الشرعية والقانونية.
المفهوم العام للتلقيح الصناعي:
هو نقل المواد المنوية صناعيا, من الذكر
إلى مهبل الانثى.
إلى ان هناك حالة العقم الطبي الذي يحدث
لدى الرجل او المرأة,و ويشكل حائلا دون تنفيذ التلقيح الطبيعي, هنا يأتي دور التلقيح
الصناعي لحل هذه المشكلة,, ولتحقيق رغبة الوالدين الجامحة, في ان يكون لهما ولدا يحمل
اسميهما.
طرق التلقيح الصناعي :
1-طريق التلقيح الداخلي :
وذلك عن طريق حقن نطفة الرجل, في الموضع المناسب
من الجهاز التناسلي للمرأة.
2-طريق التلقيح الخارجي :
وذلك بجمع الحيوانات المنوية للرجل وبويضة
المرأة في أنبوبة اختبار, وإعادة زرعها في رحم المرأة.
أنواع التلقيح, وموقف الشريعة
منه:
هناك نوعان من التلقيح :
1-التلقيح المباح:
ويندرج ضمن هذا التلقيح, الصور التالية
:
أولا: ان تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج,
وتحقن في الموضع المناسب من الجهاز التناسلي لزوجته .
ثانيا: ان تؤخذ نطفة من الزوج وبويضة من
الزوجة, ويوضعا في أنبوبة اختبار طبي, تنقل بعدها إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة.
الاثار المترتبة:
هو من قبيل الأسباب والمسببات التي هي من الحكم الوضعي,
فإن الطفل يلتحق بأبيه من حيث النسب لأنه من مائه, غير ان ثبوت النسب هنا يستتبع بالضرورة
ترتب بقية الآثار عليه, وهي ما يلي :
- وجوب العدة على الزوجة من طلاق أو وفاة
.
- حصول التوارث بين الطفل ووالديه.
- وجوب النفقة وبقية الحقوق الاخرى التي
فرضها الله سبحانه وتعا على الآباء, كالرضاعة فحفظهم(أي الأطفال ) يذلك من الهلاك والشعور
بالانقطاع والوحشة , الحضانة وحفظهم بذلك من التيه والتشرد وعدم الانتماء .
التلقيح المحرم:
أولا:
تؤخذ نطفة رجل, وتحقن في الموضع المناسب من زوجة رجل آخر.
ثانيا: ان يجري تلقيح خارجي في انبوبة اختبار
بين نطفة مأخوذة من زوج, وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة هي ليست زوجته, يسمونها المرأة
المتبرعة, ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته. .
ثالثا: ان يجري تلقيح خارجي في انبوبة اختبار,
بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجته (كلاهما متبرعان) ثم تزرع اللقيحة في رحم
امرأة أخرى متزوجة.
فهذه الصورة تدخل في دائرة التحريم, فجوهر
هذه العمليات هي زج الإنسان في دائرتي الحيوان والنبات وإخراجه عن المستوى الإنساني,
وهو ايضا جريمة منكرة وإثم عظيم في نظر شريعتنا ذات التنظيم الإنساني, يلتقي مع الزنا
في إطار واحد.
الاثار المترتبة:
على هذا العمل ففيما يخص النسب وسائر الأحكام التي
تترتب عليه من ميراث ونفقة وحضانة ورضاع, فإنها تتباين بتباين هذه الصورة:
-
الصورة الأولى: (نطفة رجل اجنبي مع بويضة
امرأة متزوجة ) فالولد المتخلق من هذه العملية, لا ينسب إلى زوج هذه المرأة مطلقا,
لأنه ليس من مائه, ولا يجوز ان يقبله, بل عليه ان ينفيه اذا كان من المفروض ان ينسب
إليه بحسب الاوضاع الظاهرة, وطالما كان متيقنا انه ليس منه, عندئذ تطبق أحكام اللعان.
كما أنه لا ينسب إلى الرجل الذي أخذ الماء
منه, اذ أنه لا عقد نكاح يربط بينه وبين هذه المرأة, وبالتالي فإنه ينسب إلى هذه الزوج
فقط كولد الزنا تماما , ولاشك أنه إذا ألحق نسبه لأمه ثبتت بينهما جميع أحكام البنوة
والأمومة, من حرمة النكاح وحرمة المصاهرة والنفقة والميراث, فترثه أمه ويرثها هو .
-
أما فيما يخص الصورتين الاخريين, فالولد
المتخلق من هاتين العمليتين لا ينسب إلى الرجل الذي اخذ منه الماء (سواء كان متزوج
ام لا) لأنه لا عقد نكاح يربط بينه وبين المرأة
الاخرى (سواء أكانت متزوجه ام لا ) غير ان الولد ينسب إليها تماما كولد الزنا, كونها
صاحبة البويضة .
وبثبوت النسب إليها تترتب بقية الاثار التي
تحدتنا عنها سابقا, وفي ذات الوقت لا ينسب إلى زوجها ( ان كانت متزوجه )لان الولد المتخلق
هنا ليس منه, اما الزوجة التي وضعت هذه اللقيحة في رحمها, فإنها تكون كالأم الراضعة,
وبالتالي لا ينسب الولد إليها ولا لزوجها.
بنوك المني:
اختلف الباحثون المسلمون في مدى جواز هذه
الصورة, فاتجاه أول ذهب إلى جواز هذه الصورة
مادامت المرأة في عدة الوفاة, إذ انه لم يرد دليل على الحرمة فيبقى الحكم الاصلي هو
الاباحة, خاصة ان اثار الزواج ماتزال قائمة بعد وفاة الزوج, من الميراث وجواز غسل احدهما
الاخر .
غير ان هذا الرأي عليه بعض الردود,
نلخصها بما يلي :
-ان القول بجواز هذه الصورة مادامت المرأة
في عدة الوفاة قول مردود, ذلك ان المرأة عندما يتوفى عنها زوجها, عليها ان تعتد عدة
الوفاة, والمعروف شرعا ان المرأة اذا اعتدت من وفاة او طلاق عليها ان تلازم بيتها,
لا تخرج منه إلى لضرورة تمس حياتها او مالها, ولا ضرورة هنا بالنسبة للمرأة التي تلقح
نفسها بماء زوجها المتوفى, اذ انها من المفروض ألا تنكشف على اجنبي عنها لأنه غير جائز,
فما بالك بتلقيح نفسها بماء زوجها مع كشف عورتها أمام طبيب اجنبي عنها فهذا لا يجوز
من باب اولى .
-ان القول ان هذه الصورة جائزة لأنه لم
يرد دليل على الحرمة, مبنية على اساس ( الاصل في الاشياء الاباحة ) أمر مردود هو الاخر,
اذ ان القاعدة تنطبق على الاموال اما هنا فنحن ازاء قاعدة فقهيه اخرى هي ( الاصل في
الفروج التحريم).
-اما القول بأن اثار الزواج من ميراث وجواز
الغسل لاتزال قائمة بعد وفاة الزوج فهو امر صحيح, لكنه قاصر عن اثبات المدعى به ذلك,
لان هذه الاثار قد ثبتت بحكم من الشارع استثناء, وذلك خلاف للقياس , وكما هو معلوم
فان ما ثبت خلافا للقياس, فغيره لا يقاس عليه من جهة, وان الاستثناء لا يتوسع فيه من
جهة اخرى .
وذهب اتجاه ثان إلى القول ان الاقدام على
هذه الصورة غير جائز شرعا, لان الزوجية تنتهي بالوفاة, وعندئذ يكون التلقيح بنطفة من
غير زوج, نطفة محرمة .
الاثار المترتبة على التصرف مع
هذه البنوك:
اختلف الباحثون بشأنها, فذهب اتجاه اول
إلى القول:
-اذا وقع هذا فعلا, أي تحققت هذه الصورة
وولد منه ولد, فالظاهر ان هذا الولد يكون بلا نسب أبوي, لان مصدر النطفة لم يبقى زوجا.
-اتجاه ثان ذهب إلى القول بجعل الولد المتخلق
عن هذه الصورة, ثابت النسب من صاحب المني, ولكن دون الميراث .
-في حين ذهب اتجاه ثالث إلى جواز النسب
في هذه الصورة, اذا ثبت يقينا ان الماء هو ماء الزوج, بمثابة فيما لو مات الزوج واعتدت
امرأته وولدت لأربعة اعوام من موته, فنسبه يثبت حينئذ, على رأي القائلين بأن اقصى الحمل
أربع سنوات.
غير ان هذا الاتجاه عليه ردان:
اولهما:
كيف نتحقق من ان هذا الماء هو ماء الزوج المتوفي
فعلا, ولم يستبدل بنطفة شخص غيره؟
ثانيهما: ان القول بأن اقصى مدة الحمل اربع سنوات
قول مردود, فلقد تظافرت الشريعة الاسلامية والعلم على ان اقل مدة الحمل ستة اشهر, اما
اقصى مدة الحمل تسعة اشهر وقد يزيد عن شهر بعد موعدة وإل مات الجنين في بطن امه, وفي
هذه يقول ابن حزم الظاهري (ولا يجوز ن يكون حمل اكثر من تسعة شهر ولا اقل من ستة اشهر
لقوله تعالى ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (والوالدات يرضعن اولادهن حولي كاملين لمن
اراد ان يتم الرضاعة ) فمن ادعى حملا وفصالا يكون في اكثر من ثلاثين شهرا, فقد قال
الباطل والمحال ورد كلام الله عز وجل جهارا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي