بحث حول مفهوم القانون

مفهوم القانون
للقانون معانٍ متعددة, فهو لفظ يفيد النظام , والنظام معناه أن تسير الأمور على وجه مستمر ومستقر وثابت.
وبوجه عام صار لفظ القانون يطلق على كل ما يفيد النظام والترتيب والاطراد, بحيث إذا تكررت حالة أو ظاهرة معينة بشكل منتظم, يقال أنها تخضع لحكم القانون .
ويستخدم لفظ القانون بمعناه العام, بأنه مجموعة القواعد القانونية, التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع , والتي يتعين عليهم الخضوع لها واحترامها, بما لها من جزاء يوقع على من يخالفها.
تحليل القانون:
لما كان القانون يتكون من مجموعة قواعد قانونية, فإن القاعدة القانونية هي الخلية الأساس للقانون, لذلك يتطلب القانون فهم معنى القاعدة القانونية, وخصائصها, ونطاقها الاجتماعي وأنواعها .
تعريف القاعدة القانونية:
هي القاعدة المجردة, التي تلزم مراعاتها, لأنها تهدف إلى كفالة النظام الاجتماعي.
خصائصها:
تحدد خصائص القاعدة القانونية بما يأتي :-
1– قاعدة سلوك
2– قاعدة اجتماعية
3– قاعدة عامة مجردة
4– قاعدة واجبة الاتباع
1- قاعدة سلوك : القاعدة القانونية وجدت لتنظيم السلوك الخارجي للأفراد, داخل المجتمع بشكل يكفل النظم الاجتماعية, أما نشاط الأفراد الداخلي من أمنية ورغبة فلا يخضع للقانون .
ولكن تهتم القاعدة القانونية بالدوافع والنوايا إذا كان لها علاقة بسلوك خارجي, كالتفكير بالسرقة أو القتل, فمن يسرق أو يقتل بعد تفكير وتبيت نية لا يعامل أمام القانون كمن قتل دفاعاً عن النفس أو المال ودون تفكير بالجريمة, ولا توقع عليه نفس العقوبة, لأنه أرتكب الجريمة وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن ماله .
وفي مجال الالتزامات يؤثر سوء وحسن النية على احكام الالتزامات, فمن يفكر بسوء نية وبتغرير أو إكراه أو استغلال, لا يقع تحت طائلة القانون ما لم يقم بنشاط خارجي, مبني على هذا التفكير .
وتعتبر قواعد سلوك لأنها تحدد سلوك الافراد في المجتمع صراحة أو ضمنا, فالقواعد التي تتضمن أمراً ونهياً عن اقتراف جرائم معينة, أو التي تأمر الزوج بالنفقة على زوجته, جميعها تحدد سلوك الافراد في المجتمع .
2- قاعدة اجتماعية :
القاعدة القانونية لا توجد إلا حيث توجد المجتمع , وذلك لأن الغرض من القواعد القانونية تنظيم روابط المجتمع , وإذا كانت القاعدة القانونية قاعدة سلوك يأتمر بها الافراد, فمن هذا لا توجد القاعدة القانونية إلا حيث يكون هناك مجتمع, لذلك فالقاعدة القانونية هي قاعدة اجتماعية .
وباختلاف المجتمعات من بيئة إلى أخرى, لابد أن يخلق اختلاف في القواعد القانونية من دولة لأخرى, فالقانون الذي يصلح في فرنسا لا يصلح أن يطبق عندنا أو في البلاد الإسلامية .
وتطور المجتمع في البيئة الواحدة أيضاً يخلق اختلاف في القواعد القانونية من عصر إلى عصر, ويخلق قواعد قانونية جديدة تواكب هذا التطور الطبيعي للمجتمع .
3- قاعدة عامة ومجردة:
التجريد والعموم صفتان تثبتان لكل قاعدة قانونية, ومن هنا كانت القاعدة القانونية عامة ومجردة.
ويراد بالتجرد أن يوجه الخطاب في القاعدة القانونية على الأشخاص بصفاتهم, فالقاعدة القانونية لا تخاطب شخص بعينه, ولا تتناول القاعدة القانونية الوقائع بشروطها, فهي لا توضع لتطبق على واقعة بعينها, وإنما على كل واقعة تتكرر إذا توافرت شروط تطبيقها .
وبعبارة أخرى فإن القواعد القانونية تطبق على الأفراد بصفاتهم لا بذواتهم, وتعالج الوقائع بشروطها لا بذواتها, فتصبح ذلك عامة في تطبيقها .
وقد تخاطب القاعدة القانونية شخصاً واحداً ومع ذلك لا تفقد صفة التجريد, مثل القواعد التي تبين مركز رئيس الدولة, لأن هذه القواعد تخاطبه بصفته ليس بذاته, وتطبق على من يأتي بعده في نفس المنصب .
ويترتب على وصف القاعدة القانونية بالتجريد تحقق مبدأ الناس سواسية أمام القانون, فالتجريد يجعل القاعدة القانونية تحقق هدفها المتمثل في العدل والمساواة فيما بين المخاطبين بها.
4- قاعدة واجبة الاتباع :
القاعدة القانونية وجدت لتنظم العيش في المجتمع , وتكفل استقرارها ولا يتم ذلك إذا ترك الأمر إلى إرادة الأفراد, فلا بد من اقتران القواعد القانونية بالجزاء, للإجبار على اتباعها.
ويقصد بالجزاء بأنه ضرر يصيب الإنسان في جسمه أو في ماله, ويترتب على عدم اتباع الأوامر والنواهي التي وردت في القواعد القانونية .
أنواع الجزاء :
اولا: الجزاء الجنائي : وهو الجزاء الذي يطبق على من لا يحترم خطاب قواعد قانون العقوبات, وتتدرج العقوبة حسب تدرج خطورة الفعل, فإذا ارتكب مخالفة تكون العقوبة خفيفة, وتكون العقوبة أشد في حالة ارتكاب الجنحة وتكون أكثر شدة في حالة الجناية فقد تصل إلى الإعدام, وقد تقع العقوبة في شكل غرامة أو مصادرة, وبالتالي يتفاوت الجزاء الجنائي فقد يقع على البدن كعقوبة الإعدام أو الحبس ,أو على الأموال كالغرامة أو المصادرة .
ثانيا: الجزاء المدني : الجزاء في المجال المدني يقع على من يخالف قواعد القانون المدني.
وصور الجزاء المدني هي :
أ- التنفيذ المباشر
ب- إعادة الحال إلى ما كان عليه
ج- التعويض .
ثالثا: الجزاء الإداري: يتحقق الجزاء الإداري إذا خالف الشخص القانون الإداري, ويختلف الجزاء حسب خطورة المخالفة, حيث يتراوح بين الإنذار واللوم, أو الحرمان من الترقية, أو الفصل من الخدمة .
أقسام القانون وفروعه:
ينقسم القانون إلى عدة تقسيمات, نظراً للتباين بين قواعده, وذلك على الشكل التالي :
1- من حيث نطاقه الإقليمي, الى داخلي, و خارجي :
أ- القانون الداخلي : ينظم الروابط الاجتماعية المتعلقة بالسيادة الداخلية, وتنظم العلاقة بين الافراد والدولة داخل حدود الدولة .
ب- القانون الخارجي : ينظم علاقات الدولة الخارجية, وعلاقة الدولة وغيرها من الدول في المجتمع الدولي .
2- من حيث الروابط التي ينظمها إلى عام وخاص : وهو التقسيم الأكثر أهمية في الوقت الحاضر.
3- من حيث تقيد القاعدة القانونية لإرادة المخاطبين بها إلى قواعد أمرة ( ناهية) وقواعد مكملة ( مفسرة ) .
4- من حيث الشكل الت تظهر فيه إلى قواعد قانون مكتوب وقواعد قانون غير مكتوب : وهو القانون العرفي الغير صادر من السلطة التشريعية, ولكن تعارف عليه الناس.
5- من حيث الموضوع إلى قانون موضوعي وقانون شكلي: فقواعد القانون الموضوعية تبين الحقوق والواجبات التي على الأفراد, والقانون الشكلي يحدد طريقة المحافظة على هذه الحقوق, مثل قانون المرافعات المدنية والتجارية .
نأخذ من هذه التقسيمات ان القانون ينقسم إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص.
القانون العام : هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقة التي تكون الدولة أو أحد الأشخاص العامة طرفاً فيها, باعتبارها صاحب سلطان
القانون الخاص : هو مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والدولة, إذا كانت كشخص عادي لا باعتبارها سلطة عامة, كما يشمل اصطلاح الفرد, ليشمل الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات والجمعيات .
أقسام و فروع القانون العام :
ينقسم القانون العام إلى فرعين رئيسيين:
اولا: قانون عام خارجي : وهو القانون المطبق خارج حدود الدولة, ويبين علاقة الدولة بالمجتمع الدولى, واتفق الفقهاء على أن القانون الدولي العام, هو فرع القانون العام الخارجي .
القانون الدولي العام : هو مجموعة من القواعد القانونية, التي تنظم علاقة الدول بعضها ببعض, أو مع المنظمات الدولية أو الإقليمية, وقت السلم والحرب .
ثانيا: القانون العام الداخلي : وهو القانون العام المطبق داخل حدود الدولة, ويهدف إلى تنظيم الدولة ومخاطبتها بوصفها صاحبة سيادة, وأهم فروعه :
- القانون الدستوري : مجموعة من القواعد القانونية التي تبين شكل الدولة, والسلطات العامة فيها, واختصاص كل سلطة منها, وعلاقتها بالسلطات الأخرى وبالأفراد, ويحدد حقوق المواطنين وواجباتهم .
- القانون الإداري : مجموعة القواعد القانونية التي تحكم تنظيم السلطة الإدارية ونشاطها, ويطلق عليه قانون الإدارة العامة.
والقانون الإداري, بوصفه قانون الإدارة العامة, له معنيين :
المعنى المادي : ويقصد به قانون الوظيفة الإدارية للدولة, ويتضمن عل الأعمال التي تقوم بها الدولة, وتدخل في وظيفتها الإدارية, ولا عبرة بصدور هذه الأعمال عن أي سلطة من السلطات الثلاث .
معنى عضوي : وهو الذي يعني به في دراسة القانون الإداري, ومقتضاه أن القانون الإداري هو قانون الهيئات العامة, والأعضاء الذي يطلق عليهم أسم الإدارة العامة, أو السلطة الإدارية .
- القانون المالي : مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة من حيث إيراداتها ومصروفاتها, ويبين القواعد التي تحكم ميزانية الدولة .
- القانون الجنائي : مجموعة القواعد التي تنظم سلطة الدولة في توقيع العقاب على المجرمين, وتحدد الأفعال والامتناع الذي يعتبر جرائم, وتبين العقوبات المقررة عليها .
- قانون الإجراءات الجزائية : مجموعة القواعد القانونية الشكلية, أو الإجرائية التي تتبع لوضع قواعد قانون العقوبات موضع التطبيق, لمحاسبة الجاني على فعله .
فروع القانون الخاص :
القانون المدني : مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى تنظيم علاقات الأفراد بعضهم مع بعض, أو تكون الدولة كطرف في العلاقة بوصفها شخصاً عادياً, وليس بوصفها صاحب سلطة أو سيادة.
القانون التجاري : هو الذي ينظم العلاقات المالية الناشئة عن المعاملات التجارية, فهو يعرف التاجر والشركة والعمل التجاري, وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالتجارة .
قانون المرافعات المدنية والتجارية : يقصد به مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم السلطة القضائية, وتبين الأوضاع والإجراءات واجبة الاتباع, في رفع الدعاوى المدنية والتجارية والفصل فيها, وطرق الطعن في الأحكام, وتنفيذ الأحكام .
القانون الدولي الخاص : مجموعة القواعد القانونية التي تعين القانون الواجب التطبيق, في العلاقات القانونية المشوبة بعنصر أجنبي
قانون العمل : مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة التي تنشأ بين العامل وصاحب العمل الذي يعمل تحت إدارته وإشرافه, حيث يكون بمقتضى هذه العلاقة العامل في خدمة صاحب العمل مقابل أجر, فقواعد هذا القانون تنظم علاقات العمل الفردية والجماعية الناتجة عن عقد العمل التابعبين العامل وأصحاب العمل .
أنواع القواعد القانونية :
1- القواعد الآمرة: هي تلك القواعد التي يلتزم الأفراد باحترامها, بحيث لا يجوز لهم الخروج عليها باتفاقاتهم الخاصة, مثل القاعدة القانونية التي تحرم القتل, فلا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها, فلو طلب شخص مريض من شخص آخر قتله حتى يخلصه من مرضه واتفقا على ذلك, فإن هذا الاتفاق باطل وغير مشروع, ولا يحول دون معاقبة القاتل .
2- القواعد المكملة : هي قواعد لا يلزم الأفراد باحترامها, وإنما يجوز لهم الخروج عليها باتفاقهم الخاص, ولكنها تكون ملزمة لهم, ويجب على القاضي تطبيقها عليهم إذا لم يتفقوا على خلافها .
مثال على ذلك, يجوز للطرفين في عقد البيع الاتفاق على تأجيل أداء الثمن أو تقسيطه, فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق ولم يكن هناك عرف في هذا الشأن, انطبقت القواعد المقررة في النصوص القانونية باعتبارها قواعد مكملة .
3- القواعد المكتوبة والقواعد الغير مكتوبة : فقد تكون القواعد القانونة مفرغة في وثيقة مكتوبة, أي قواعد مكتوبة أو مسنونة ترد في نصوص تشريعية, مدونة صادرة من السلطة التشريعية المختصة بسن التشريع في الدولة, وتسمى القانون المكتوب أو التشريع .
وقد تكون القواعد القانونية غير مكتوبة أو مسنونة, لا ترد في نصوص تشريعية مدونة صادرة من السلطة التشريعية في الدولة, بل تكون ناشئة في ضمير المجتمع , وتسمى القواعد في هذه الحالة القانون العرفي .
4- القواعد الموضوعية والقواعد الشكلية: القواعد الموضوعية هي التي تضع تنظيماً موضوعياً للروابط الاجتماعية, وتحدد الحقوق والواجبات المختلفة, وتتضمن الجزاء المادي الذي يوقع على من يخالف أحكامه, مثل قواعد قانون العقوبات, والقانون الإداري والقانون المدني.
أم القواعد الإجرائية أو الشكلية, فهي التي تبين الأوضاع والإجراءات الواجب إتباعها, للوصول إلى الحقوق وأداء الواجبات عن طريق السلطة العامة, مثل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية, وقانون الإجراءات الجزائية .
مصادر القانون:
مصادر رسمية, و مصادر غير رسمية:
أولاً : المصادر الرسمية :
1- التشريع : هو وضع القواعد القانونية بواسطة السلطة المختصة في الدولة, والقانون الذي يتكون بواسطة التشريع يسمى أحياناً بالقانون المكتوب .
ويتضح من خلال هذا التعريف خصائص التشريع وهي :
أ- التشريع يضع قاعدة قانونية ملزمة لأفراد المجتمع, وواجبة الإتباع .
ب- التشريع قواعد مكتوبة, لذلك يطلق عليه القانون المسطور أو المكتوب .
جـ – التشريع يصدر عن سلطة مختصة بوضعه .
أنواع التشريع :
التشريع الدستوري : وهو مجموعة من القواعد القانونية التي تبين شكل الدولة والسلطات العامة فيها, واختصاص كل سلطة منها وعلاقتها بالسلطات الأخرى وبالأفراد, ويحدد حقوق المواطنين وواجباتهم, وهو التشريع الأعلى في الدولة, وتخضع له جميع التشريعات العادية واللائحية .
التشريع العادي : وهو التشريع التي تضعه السلطة التشريعية بالطريقة التي ينص عليها الدستور.
التشريع الفرعي أو اللوائح : وهو الذي تضعه السلطة التنفيذية بصفة أصلية, وسمي بالتشريع الفرعي لتميزه عن التشريع العادي, وتصدره السلطة التنفيذية لتنظيم وتفصيل التشريع العادي, ولترتيب المرافق والمصالح العامة, ولحفظ الأمن والصحة العامة.
2- الشريعة الإسلامية : عند شغور النص وعدم وجود نص يضبط الحالة القانونية, فيجب على القاضي البحث في الأحكام العامة في الفقه الإسلامي.
3- العرف : وهو اعتياد الناس على سلوك معين لزمن معين في مسألة معينة, يؤدي إلى استقرار الشعور فيهم بأن هذا السلوك أصبح ملزماً, بحيث يستوجب إتباعه في معاملاتهم, ويتعرض من يخالفه للجزاء .
أركان العرف :
الركن المادي: ويقصد به اعتياد الناس في علاقاتهم على نحو معين, لفترة معينة بشكل مطرد وغير مخالف لقواعد النظام العام والآداب, فالتكرار واستقرار التعامل علي شكل ثابت ومطرد, هو ما يراد به الركن المادي .
الركن المعنوي : ويقصد به الإلزام الذي يستقر في نفوس الناس بضرورة اتباع سلوك معين, وتعرضهم لجزاء بمخالفته .
4- قواعد العدالة : مجموعة القيم والمبادئ التي يستقيها العقل من أسس صحيحة وعقل سليم ونظر عميق إلى روح العدل والإنصاف والخير, ومثال ذلك عدم التعسف في استعمال الحق, كأن يفصل صاحب العمل العامل من العمل, فقط لأن من حقه فصل العامل دون أن يكون هناك سبب للفصل, أو أن يضرب الزوج زوجته فقط لأن من حقه الضرب, دون أن يكون سبب لهذا الضرب .
ثانياً : المصادر غير الرسمية:
1- الفقه : يقصد بالفقه مجموعة آراء فقهاء القانون, التي يتعرضون بها لشرح القانون وتفسيره ونقده, سواء كان ذلك في مؤلفاتهم أي فتواهم وتعليماتهم, فالعمل الفقهي يقوم على استنباط الأحكام القانونية من مصدرها بالطرق العلمية, والفقيه قد يكون استاذ قانون, أو قاضياً, أو محامياً, ودور الفقيه في عمله لا يضع القاعدة القانونية, وإنما يعتبر عمله استرشاداي, بمعني أنه ينير السبيل إلى كل العاملين في مجال القانون, وبصفة خاصة القضاء والمشرع .
2- القضاء : وظيفة القضاء من الناحية النظرية تطبيق القواعد القانونية, إلا أنه لم يقبل من الناحية العملية بهذا الدور, فقد لا يأخذ بالنص إذا وجد أنه يجافي العدالة, ويطبق حكماً آخر وذلك بتفسير النص بطريقة تمكنه من ذلك, واستقرار القضاء على توجه معين لا يصل إلى خلق قاعدة قانونية, وإنما يؤثر فقط على المشرع, ويظهر مدى النقص الذي يعتر النص ومخالفته للواقع العملي, وهذا من شأنه أن يجعل المشرع يتدخل لوضع قواعد قانونية جديدة, ويلغي القواعد الموجودة .

استشارة قانونية حول قسمة تركة ووصية في بيت



إستشارة قانونية
طالب الاستشارة/ .........س.......
ضد/ أخته .........ص.......
نوعها/ شخصية
موضوعها/ قسمة تركه.
أولاً: وقائع الاستشارة:
1)    بتاريخ 10/10/2017م تقدمت المدعية .........ص....... بدعوى طلب اجراء القسمة امام محكمة .... الأمانة صنعاء تطلب قسمة مخلف والدها المتوفي بتاريخ 9/10/2014م وحصرت مخلف والدها في البيت الكائن في .... والمحدد قبلياً شارع وغرباً بيت ...... وشرقاً مدخل متر ونصف وخلفه منزل........ والمكون من أربعة أدوار في كل دور شقتين مؤجر ودكان مؤجر واما المنقولات فهي جميع عفش البيت مع جنبية ثمينة وسيتم ذكر ذلك في كشف حصر المنقولات.
2)   طلبت المدعية قبول الدعوى وإلزام المدعى عليه طالب الاستشارة (.........س.......) بتوريد الإيجارات الى المحكمة واجراء القسمة الشرعية وإعطاء كل ذي حق حقه حسب الفرائض.
3)   يفيد طالب الاستشارة (.........س.......) بان ورثة والده هما المدعية والمدعى عليه فقط.
4)   وحسب افادة طالب الاستشارة (.........س.......) لتحديد موقفه من الدعوى فأفاد بانه لا يمانع من قسمة البيت وإعطاء كريمته حقها وكذلك ينكر وجود أي ايجارات عنده كونه يدفع الإيجارات لكريمته ولديه ادلة على ذلك.
5)   يفيد طالب الاستشارة (.........س.......) بأن كريمته المدعية لم تطلب قسمة الأموال التي بالبلاد الخاصة بمؤرثهم جميعاً كون هذه الأراضي تحت يدها ويد زوجها الذي هو ابن عم للجميع.
6)   يفيد طالب الاستشارة (.........س.......) بانه يريد قسمة كافة الأموال الخاصة بالمؤرث في صنعاء وفي البلاد.
7)   قدم طالب الاستشارة (.........س.......) صورة من عقد وصية صادرة من المؤرث .............. لزوجة ابنه (طالب الاستشارة) محررة قبل وفاته بأحد عشر شهراً تقريباً والمؤرخة 25/11/2013م بخط الأمين .......... ومصادق عليها من قلم التوثيق بمحكمة شرق الأمانة برقم (......) وتاريخ 12/ /2013م.
8)   يرغب طالب الاستشارة (.........س.......) في معرفة موقفه القانوني الأنسب لإعطاء كريمته حقها في البيت بصنعاء مع أخذه لحقه من الأراضي التي تحت يدها وكذا اخراج ما هو لزوجته في الوصية.
ثانياً/ المناقشة القانونية:
 من المعلوم قانوناً بان القانون المدني اليمني نظم قسمة المال المشترك في الفصل الرابع منه في المواد (1197-1223).
1.    بخصوص الدعوى المقدمة من المدعية فالملاحظ بان فيها جهالة بخصوص المنقولات فقط وموقف طالب الاستشارة (.........س.......) صحيح بموافقته بإجراء القسمة وعدم جحود ملكية لكريمته كما هو متعارف عليه من حرمان الاناث من الميراث.
2.    بخصوص مطالبة طالب الاستشارة (.........س.......) بقسمة الاموال التي تحت يد المدعية وزوجها ........ في البلاد فمن حقه التقدم بدعوى فرعية ضد المدعية ابتداءً ثم ادخال زوجها بالنزاع بعد رد المدعى عليها على الدعوى الفرعية استناداً لنص المواد مادة (189) مرافعات والتي تنص على:
[ للخصم أن يُدخِل في الخصومة من كان يصح اختصامه فيها عند رفعها ، ويكون ذلك بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى مع مراعاة مواعيد الحضور]
والمادة (190)
[للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بإدخال من ترى إدخاله لمصلحة العدالــة أو لإظهار حقيقة ومن ذلك :
1- من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو التزام لا يقبل التجزئة .
2- الوارث مع المدعي أو المدعى عليه أو الشريك على الشيوع إذا كانت الدعوى متعلقة بالتركة قبل قسمتها أو بعدها أو بالشيوع]
3.    بخصوص هل يحق المطالبة بإجراء قسمة الارض التي بالبلاد امام محكمة شرق الامانة فنؤكد لطالب الاستشارة (.........س.......) اختصاص محكمة شرق مكانياً بنظر القضية وقسمة كافة مخلف المؤرث استناداً لنص المادة (93) مرافعات والتي تنص:
[ في المنازعات المتعلقة في العقارات يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار كله أو بعضة الأكبر قيمة]
4.    بالنسبة لما ذكره من اسماء لمواضع يطلب قسمتها بالبلاد فالواضح ان فيها جهالة قد تجعل المحكمة ترفض الدعوى الفرعية للجهالة الاتية:
                                 ‌أ-         اسماء المواضع واماكنها وحدودها ومساحتها.
                               ‌ب-       بيان هل المواضع ارض حر ام ارض وقف.
                                ‌ج-       بيان هل هي مستقلة ام على الشيوع مع شركاء آخرين.
                                 ‌د-         بيان تحت يد من بالتحديد ومن هو الحائز والمنتفع لها؟ ومنذ متى؟
                                 ‌ه-         بيان الارض هل هي مزروعة ام صالبه.
تكييف الوصية التي لزوجة طالب الاستشارة (.........س.......) قانوناً وتطبيق احكام القانون عليها:
من خلال الاطلاع على المحرر المقدم لنا والذي نص على
[يكون لها ملك خاص تسكن فيه مدى الحياة هي واطفالها الموجودين ومن يأتي بعدهم]
بإعمال نصوص القانون على المحرر واحكام قانون الاحوال الشخصية وتحديداً نصوص المواد الآتية:
مادة(220):ـ
[العمرى تمليك عين أو إباحة منفعة لشخص بغير عوض وهي إما مؤبدة أو مؤقتة أو مطلقة ولا يشترط فيها اللفظ فتتم بما يدل على المعنى]
مادة(221):ـ
[العمرى المطلقة تقع على سبيل التأبيد]
مادة(222):ـ
[العمرى المؤبدة تعتبر هبة وتأخذ أحكام الهبة وشروطها]
مادة(168):ـ
[الهبة هي عقد تبرعي يملك به مال أو تباح به منفعة حال الحياة]
مادة(186):ـ
[الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما إستهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكما مع مراعاة أحكام المادة (183)]
مادة(181):ـ
[تصح الهبة بعوض ولو من غير الموهوب له مالا أو منفعة أو غرضا (مصلحة) ظاهرا أو من تدل عليه قرائن الحال للواهب أو لغيره]
مادة(188):ـ
[الهبة على عوض مشترط ان كان مالا أو منفعة تأخذ حكم البيع وان كان غرضا تبقى على حكم الهبة التبرعية]
من خلال الاطلاع يتبين بأن العقد هو عقد عمري مؤبد ويطبق عليها احكام عقد الهبة استناداً لنص المادة 222 من قانون الاحوال الشخصية والواضح من عقد الهبة انه بمقابل الخدمة وبالتالي يطبق عليه احكام الهبة بمقابل استناداً لنص المادة 188 سالفة الذكر ويأخذ حكم البيع.

الرأي القانوني:
من خلال ما سبق طرحه ومناقشته نصل إلى الرأي القانوني التالي: -
1)   صحة العقد الهبة الذي بيد زوجة طالب الاستشارة (.........س.......) وعليها التدخل بالقضية بواسطة دعوى استحقاق.
2)   يستطيع طالب الاستشارة (.........س.......) ادخال المواضع التي بالبلاد بالقسمة لكنها سوف ترهقه وتطول قضية القسمة نتيجة البعد المكاني ونتيجة عدم وجود فصول بملكية الأرض واضحة.
3)   بخصوص ما تطالب المدعية بإيجارات فطلبها صحيح وعلى طالب الاستشارة (.........س.......) اثبات استلامها للإيجارات بدون أي ايجارات للدور الثالث كونه خاص بزوجته.
التوصيات القانونية:
1)   ننصح طالب الاستشارة (.........س.......) بسلوك طريق القسمة الرضائية كونها أخف ضرراً واقل تكاليفاً لا سيما انه لا يمانع من قسمة البيت.
2)   ننصح طالب المشورة مواجهة الدعوى بالموافقة على طلب اجراء القسمة لكافة مخلف المؤرث.
3)   يلزم تقديم رد على الدعوى مكتوب.
4)   يلزم تقديم دعوى فرعية للجلسة القادمة.
هذا ما توصلنا إليه وفوق كل ذي علم عليم



بحث حول التعارض وتفسير النصوص القانونية والشرعية وفقا للقانون اليمني



 

بحث التعارض وتفسير النصوص القانونية

- خطة البحث:
- التعارض لغة واصطلاحاً
- شروطه
- طرق ترجيح المتعارضين عند الحنفية والشافعية:
- تفسير النصوص القانونية
- طرق تفسير النص القانوني
- إلغاء القواعد التشريعية
هل ينطبق التعارض على نص المادتين:
التعارض:
تعريفه:
أ- لغة:
أ)  التقابل: مثل حديث المصطفي صلى الله عليه وسلم قوله: "إن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر" فالمعارضة هنا هي المقابلة.
ب) التعادل: أي التساوي والتماثل ومنه تسمية أهل الجبر للطرفين المتماثلين "معادلة " وقوله تعالى " ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون" قال الحافظ ابن كثير "أي يشركون ويجعلون له عديلا"ً.
ج) التمانع: كما في قوله تعالى: "هذا عارض ممطرنا" في حالة إذا السحاب اعترض في الأفق ومنع البصر أو أشعة الشمس من النفاذ.
د) الظهور: لقوله تعالى:"وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا" أي أظهرناهم بينه فرأوها أي العين .(1)
ب- اصطلاحاً:
- أن يرد في المسألة الواحدة دليلان مساويان يقضى أحدهما غير ما يقضيه الأخر في زمن واحد والتعارض على ذلك هو تدافع الدليلين.(2)
- تقابل الحجتين على السواء لامزية في حكمين متضادين.
- الممانعة على سبيل المقابل.
- التناقض "الإتيان في أخره بما يخالف أوله"
شروط التعارض:
1-     أن يكون الدليلان ظنيين.
2-      أن يكون الدليلان متنافيين وذلك بأن يدل أحدهما خلاف ما يقتضيه الأخر أما إذا اتفق في الحكم فلا تعارض ويكون كلاً منهما مؤكداً للأخر.
3-      اتحاد البينات أو النصوص في الزمان والمكان والمحل والقوة فإن اختلف زمن الفعل في الدليلين بأن كان احدهما متقدماً على الأخر فليس هذا من قبيل التعارض وإنما من قبيل النسخ وإن اختلف محل الحكم.
4-      تضاد في الحكم واتحاد في المحكوم عليه: والتضاد في الحكم بأن يكون أحدهما مقتضياً التحليل والأخر مقتضياً التحريم واتحاد المحكوم عليه لأن التضاد والتنافي بين شيئين لا يتحقق في محلين كاجتماع الحل والحرمة في المنكوحة وأمها مع أن الموجب واحد هو النكاح.(3)
-         ومن أمثله وحدة المحكوم عليه إذا قلت المكره مختار أي له قدره على الامتناع لا يناقضه قولك المكره ليس بمختار على معنى أنه ما خلى هو ورأيه.
-         ومن أمثله اختلاف الزمان والمكان إذا قلت زيد جالس "أي في هذا الزمان أو المكان" وإذا قلت زيد ليس جالس "أي في مكان وزمان أخر" كان المحكوم في الأول غيره في الثاني.(4)
* هذه هي أهم شروط التعارض الذي يقع بين الأدلة فإذا توفرت هذه الشروط بكاملها كان الدليلان متعارضين ووجب إجراء حكم تعارض الأدلة عليهما أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا يكون الدليلان متعارضين ولا يجب إجراء حكم التعارض عليهما وذلك كأن يكون أحد الدليلين قطعياً والأخر ظنياً فلا تعارض بينهما لأن الظن حينئذ ينتفي في مقابلة القطع بنقيضه وهكذا البقية.
- طرق ترجيح المتعارضين:
ا- طريقة الحنفية في دفع التعارض :
أ- النسخ  ب- الترجيح  ج- الجمع   د- التساقط
2- طريقة الشافعية في دفع التعارض:
أ- الجمع ب- الترجيح ج- النسخ د- التساقط
* ونتكلم عن الجمع والتوفيق بين المتعارضين من جهة الطريقة الشافعية في دفع التعارض.
- الجمع والتوفيق بين المتعارضين بوجه مقبول: لأنه إذا أمكن ذلك من بعض الوجوه كان العمل بهما متعيناً ولا يجوز الترجيح بينهما لأن إعمال الدليلين أول من إهمال أحدهما بالكلية بترجيح الآخر عليه لكون الأصل في الدليل أعماله لا إهماله ويمكن العمل بالدليلين معاً في حالات ثلاث:
أ- أن يكون حكم كل من الدليلين المتعارضين قابلاً للتبعيض كأن يدعي كل واحد من شخصين حائزين لدار أن هذه الدار ملك له فالعمل بالدليلين معاً متعذر لأن مقتضي وضع اليد في كل منهما أن تكون الدار كلها ملكاً له وملكيتها لواحد منهما يفض بعدم ملكية الأخر لها فلا يمكن الجمع بين الدليلين ولكن العمل بهما من بعض الوجوه ممكن من طريقة القسمة لان الملك مما يتبعض فتقسم الدار بينهما نصفين لأن يد كل منهما دليل ظاهر على ثبوت الملك وثبوت الملك قابل للتبعيض فتبعض جمعاً بين الدليلين من وجه من الوجوه.
ب- أن يكون حكم كل واحد من الدليلين متعدداً أي يحتمل أحكاماً كثيرة وحينئذ يمكن العمل بالدليلين فيثبت بكل واحد منهما بعض الأحكام مثل قوله "صلي الله عليه وسلم" "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"فإنه معارض لتقريره صلي الله عليه وسلم عن من صلى في غير المسجد مع كونه جار هذان الدليلان يشملان على أحكام متعددة بحسب مقتضى كل واحد منهما فإن الحديث يحتمل نفي الصحة ونفي الكمال ونفي الفضيلة وكذا التقرير يحتمل نفيهما أيضاً فيحمل الخبر على نفي الكمال ويحمل التقرير على الصحة.
ج- أن يكون حكم كل واحد من الدليلين عاماً أي متعلقاً بأفراد كثيره فيمكن العمل حينئذ بكلا الدليلين بتوزيعهما على الأفراد فيتعلق حكم أحدهما بالبعض ويتعلق حكم الأخر بالبعض الأخر وقوله تعالى" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " وبقوله "وأولات الأحمال أجهلن أن يضعن حملن " فالآية الأولى تقضى بعمومها أن عدة المتوفى عنها زوجها تنتهي بعد أربعة أشهر وعشرة أيام سواء أكانت المرأة حاملاً أم غير حامل والآية الثانية تقتضى بعمومها أن عده المرأة الحامل تنتهي بوضع الحمل سواء أكانت متوفي عنها زوجها أم مطلقة فيجمع بين الآيتين بحمل كل واحدة منهما على بعض الأفراد دون البعض الأخر عملاً بالدليلين من بعض الوجوه.(5)

المبحث الثاني: تفسير النصوص القانونية:-

تقتضي دارسة التفسير التعرض لحالتين أساسيتين الأولى حينما يكون النص موجود والثانية في حالة عدم وجود النص والذي يهمنا في هذا البحث هو الحالة الأولى وتنقسم إلى حالة النص التسليم وحالة النص المعيب.
أولا : حالة النص السليم:
النص السليم ذلك النص الذي يفيد المقصود منه بمجرد فهم ألفاظه
ويكون فهم الألفاظ بإحدى الدلالات الآتية:-
1-   دلالات المنطوق :- وهي دلالة اللفظ على حكم شيء ذكر في الكلام ونطق به .
أ‌-       دلالة العبارة : وهي دلالة اللفظ على حكم مقصود أولا وبالذات  والواقع  ان هذه الدلالة ملازمة لكل نص مثل نص المادة (135) مدني سابق يمني ((إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام او الآداب العامة كان العقد باطلا ))فهذا النص يدل على ان العقد باطلا إذا كان مخالفا للنظام العام ولا يبقى بعد ذلك إلا تحديد معنى العقد , البطلان , المحل , النظام العام.
ب‌-  دلالة الإشارة : وهي دلالة اللفظ على حكم لم يقصد بالذات ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الكلام لافادتة  مثل "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " مع قوله تعالى "وفصاله في عامين " إذ يفهم من هاتين الآيتين  ان اقل فترة الحمل ستة أشهر.
ج – دلالة الاقتضاء : وهي دلالة اللفظ على حكم او لفظ مسكوت عنه يتوقف عليه صدق الكلام او صحته مثل " حرمت عليكم الميتة " وصحة الكلام تقتضي وجود لفظ أخر هو "أكل"
- وأما قوة الدلالات فهي على الترتيب السابق.

2-   دلالة المفهوم :- وهي دلالة اللفظ على حكم شيء لم يذكر في الكلام ولم ينطق به .
أ‌-       دلالة مفهوم الموافقه : ولا يهمنا في هذا البحث.
ب‌-  دلالة مفهوم المخالفة . وهو دلالة الكلام على استبعاد حكم المنطوق عن المسكوت عنه لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم .
 ذلك انه كل حكم يتطلب قيام فرض معين وهذا الفرض يستجمع شروطا معينة إذا تخلف واحدا منها كان الفرض الذي وقع فرضا آخر وبالتالي يتجه الذهن إلى إعطائه حكم آخر مخالفا للحكم المنصوص عليه والذي ارتبط بفرض توافرت فيه الشروط  المنصوص عليها مثل نص المادة (93/1) مدني سابق إذا غين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد .
 ومفهوم المخالفة يفيد انه إذا لم يعين ميعاد للقبول لا يلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه وإنما يجوز له ان يعدل عنه في أي وقت .
ويراعى ان الاستدلال بالمخالفة من قبيل ان كل ما ليس ابيض فهو اسود([1])
ثانياً: حالة النص المعيب:
والعيوب هي ثلاثة الخطأ والغموض والتعارض.
أ- الخطأ – لا يهمنا في البحث.
ب- الغموض:
ويأتي الغموض حين يحتمل لفظ أو عبارة في النص معنيين أو أكثر يجب الوقوف عند واحد منها وأحياناً يكون النص في جملته هو الذي يحتمل معنيين فيقال نص غامض ومن أمثلته لفظ "الليل" إذا جعله المشرع ظرفاً مشدداً لمن يسرق أثناءه والخلاف هو حول المقصود من اللفظ هل المقصود المعني الفلكي الذي يبدأ من غروب الشمس إلى شروقها أم الليل بالمعني المتعارف عليه "أي الفترة التي يسود فيها الظلام " حتى ولو تأخر بدؤها عن غروب الشمس.

* تفسير النص المعيب:
إذا شاب النص عيب أو أكثر من العيوب السابق ذكرها وجب تفسيره وبيان مقصود المشرع الحقيقي من وضعه وفي سبيل هذا يلجأ المفسر إلى طرق تفسير النصوص القانونية وهي:
طرق تفسير النصوص القانونية:
طرق التفسير هي الوسائل التي يهتدي إليها المفسر في سبيل استخلاص المعاني التي يدل عليها النص التشريعي مما يطابق القصد الحقيقي للمشرع وهذه الوسائل أما أن تكون داخلية أو خارجية :

1-      طرق التفسير الداخلية :
                                  وهي الطرق التي يهتدي إليها المفسر بالتشريع نفسه دون الاستعانة بعنصر خارجي والطرق المتبعة في التفسير الداخلي.
أ‌)       القياس: وهو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص حكمها.
ب‌) الاستنتاج من باب أولى: وهو أن تكون هناك حالة منصوص على حكمها وتكون عله الحكم أكثر توافراً في حالة أخرى غير منصوص على الحكم فيها فينسحب الحكم إلى الحالة الأخرى من باب أولى مثل قوله تعالى: "ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما" ومن باب أولى أن واجبه أن لا يضربهما.
ج) الاستنتاج من مفهوم المخالفة: هو ان تعطي حالة غير منصوص عليها حكماً يكون عكس الحكم في حالة منصوص عليها لاختلاف العله في الحالتين أولا ولأن الحالة المنصوص عليها هي جزئية من جزئيات الحالة غير المنصوص عليها فتخصيصها بحكم يستخلص منه أنها تنفرد بهذا الحكم دون سائر الجزئيات ومثال ذلك ما تنص عليه المادة(534) مدني يمني على أنه : إذا هلك المبيع قبل التسليم انفسخ البيع واسترد المشترى الثمن فالمفهوم المخالف لهذا الحكم  هو أن هلاك المبيع بعد التسليم لا يؤدي إلى فسخ البيع واسترداد الثمن.
د) تقريب النصوص المتعلقة بموضوع واحد بعضها مع البعض.
تقتضي هذه الطريقة أن يكون هناك تقريب بين جزئيات النص الواحد والنصوص المبعثرة وأن يكون النص المراد تفسيره وثيق الصلة بنصوص القانون الأخرى باعتباره جزءاً منه لكي تظهر هذه الطريقة أثرها في تحديد معنى النص القانوني المزمع تفسيره.
وإن تقريب النصوص بعضها مع البعض يؤدي إلى تدارك ما بها من نقص فقد يكمل بعضها بعضاً أو يفسر المجمل فيها أو يقيد المطلق كما نلاحظ أن الأحكام الواردة على سبيل الحصر والاستثناء لا يقاس عليها ولا يتوسع في تفسيرها لأنها تبنى على ضرورة والضرورة تقدر بقدرها فمثل هذه النصوص يجب أن تفسر تفسيراً ضيقاً وأن يقتصر حكمها على ما ورد بشأنه.

2-   طرق التفسير الخارجية:
أ- الأعمال التحضيرية: وهي جميع الأعمال التي سبقت إقرار التشريع أو عاصرت تفنينه كالمناقشات التي مرت خلال مراحل التصويت وملاحظات اللجان المتخصصة ومحاضر جلسات المجالس التشريعية والمذكرات الإيضاحية.
والرجوع إلى هذه الوسائل يساعد في معرفة الأسباب الموجبة للتشريع والنية الحقيقية للمشرع والمذكرات التحضرية كإحدى طرق التفسير نصت عليها المادة(18) مدني يمني ويجب أن نلاحظ أن المذكرة الإيضاحية ليست جزء من التشريع وليس لها أي صفة  رسمية وهي تعبر عن رأي واضعها وحضوره الشخصي والتي قد لا تتفق ونية المشرع الحقيقية.
ب- الكتب الشارحة: تقضى المادة(18) مدني يمني بأن: الكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية مرجع من مراجع تفسير القوانين ويتبادر إلى الذهن أن المشرع اليمني عازم على إصدار كتب تشرح القوانين.
ج- المصدر التاريخي: وهو المصدر الذي يستمد منه المشرع نصوص التشريع وباستطاعة المفسر الاستفادة من الأصل الذي اقتبس منه التشريع في تفسيره وتعتبر الشريعة الإسلامية هي المصدر التاريخي للقانون المدني اليمني.
د- المبادئ العليا للتشريع : المبادئ العليا في القانون هي مبادئ الشريعة الإسلامية .(6)

إلغاء القواعد التشريعية وغير التشريعية:
-         تنص المادة الثانية من القانون المدني اليمني على أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعد ذلك التشريع.
-         وقد يكون الإلغاء صريحاً كما في المادة الثانية من القرار الجمهوري رقم(19) لسنة1992م الخاص بإصدار قانون مدني حيث نصت على أن يلغى القوانين 27،11،10 لسنة1979م والصادرة في صنعاء والقانون رقم281 المدني الصادر في عدن.
-         الإلغاء الضمني: ويراد به إلغاء القاعدة القانونية الذي يستخلص من حالة التعارض من قاعدة قديمة وأخرى جديدة تحل محلها إذا كانت القاعدة القانونية القديمة والجديدة بنفس الدرجة والقوة أما إذا اختلف القوة بين القانونيين فيطبق القانون الأقوى مثل القانون والدستور والقانون واللائحة أو من تشريع جديد لموضوع سبق وأن نظمه تشريع قديم ويتحقق هذا الإلغاء في صورتين:
أ‌)       التعارض بين قاعدة جديدة وأخرى قديمة: إذا صدر قانون جديد متضمناً قاعدة أو قواعد تتعارض مع ما هو مقرر في التشريع القديم بحيث يتعذر تطبيق القاعدة او القواعد في آن واحد والعمل بكليهما فيعتبر أن القانون اللاحق قد ألغي ضمناً القانون القديم.
أما إذا أمكن التوفيق بين القواعد القديمة والجديدة فلا يعتبر أن القانون اللاحق ألغي القانون السابق وإنما يطبقان معاً كل منهما بالنسبة للحالات التي تتناولها أحكامه كأن يكون يحتوى القانون نصا عاماً والنص الجديد نصا خاصاً ففي هذه الحالة بعد النص الخاص استثناء من النص العام ويعمد إلى تطبيق بالنسبة للأمور التي جاء لتنظيمها ثم يطبق النص العام فيما عدا ذلك.
ب‌) تنظيم الموضوع نفسه من جديد إذا صدر قانون جديد ينظم موضوعاًَ سبق وأن نظمه تشريع قديم فإنه يستخلص أن القواعد الجديدة وقد نسخت القواعد القديمة التي عارضتها والتي لم تعارضها والعلة تفيد انصراف المشرع إلى العدول عن التشريع القديم.
ويلاحظ أنه من النادر أن يعيد المشرع تنظيم موضوع كان ينظمه تشريع سابق دون ان ينص في التشريع الجديد على إلغاء التشريع السابق صراحة لذلك فإن الفقه لا يجد أمثله يضربها على الإلغاء الضمني بهذه الطريقة.(7)

          هل ينطبق التعارض على نص المادتين؟ وكيف تفهم المادتين (وجهة نظر خاصة)؟
مادة (16) : قانون الاستثمار رقم (22) لسنة 2002م:
( للمشاريع أن تستورد بذاتها أو عن طريق الغير ما تحتاج إليه في إقامتها أو التوسع فيها أو تطويرها أو تشغيلها من موجودات ثابتة ووسائل نقل ومستلزمات إنتاج مناسبة لطبيعة نشاطها وتكون الهيئة هي الجهة المختصة بالموافقة على احتياجات المشروع من الواردات المعفية  وعلى مسؤلي الجمارك الإفراج عن تلك القرارات المعفية بعد وصولها بمجرد تقديم قوائم احتياجات المشروع الصادرة من الهيئة دون حاجة لأية أوراق أو إجراءات أخرى) .
مادة (15): قانون رقم (23) لسنة 97م بشان تنظيم وكالات وفروع الشركات والبيوت الأجنبية :
( ب- مع الاحتفاظ بحقوق الوكيل يجوز استثناء من أحكام الفقرة(أ) من هذه المادة السماح بالاستيراد المباشر عن غير طريق الوكيل المسجل إذا ثبت للوزارة بصورة قطعية رفض الوكيل مهر طلب فتح الاعتماد بخاتمه دون مبرر) .

-         بأعمال شروط التعارض على المادتين نلاحظ:-(وجهة نظر خاصة)
أ- أن المادتين ليستا متنافيتين بحيث تدل أحدهما خلاف ما تقتضيه الأخرى.
ب- لا يوجد تضاد في الحكم فالمادة الأولى تنظم الإعفاء الجمركي سواء كان بالاستيراد المباشر أو غير المباشر بينما المادة الثانية تنظم الاستيراد المباشر والاستيراد عن طريق الوكيل.
ج- أن المادتين ليستا متحدتين في الزمان والمكان والمحل والقوة فمن حيث المحل تنظم المادة الأولى طريقة الاستيراد للمشاريع الاستثمارية بذاتها في الأشياء التي يجوز فيها الاستيراد مباشرة أو عن طريق الغير والمقصود بالغير الوكلاء التجاريين –الوكلاء بالعمولة السماسرة...الخ بينما تنظم المادة الثانية طرق الاستيراد عبر الغير والاستثناء الوارد للسماح بالاستيراد مباشرة.

                                                                    معد البحث
المحامي/ أمين الربيعي
15/8/2006م


(1)  تعارض البينات القضائية صـ4-5-6-7-8 –تأليف القاضي عبد الرحمن محمد عبد الرحمن شرفي-مكتبة الكاملابي –القاهرة -1406هـ-1986م.
(2) أصول الفقه الإسلامي صـ228 تأليف د/عبد القادر شحاته – القسم الثالث 1413هـ -1992م
(3) أصول الفقه الإسلامي صـ229
(4)  نفس المرجع السابق صـ230
(5) أصول الفقه الإسلامي د/وهبه الزحيلي ج2 صـ1182-1183-1184 الطبعة الأولى دار الفكر 1406-1986م.
[1] - المدخل لدراسة القانون/ أحمد سلامه -  صــ202-203-204
(6) المدخل  لدراسة العلوم القانونية صـ206-207-208-209-210 تأليف يحيى قاسم علي الطبعة الأولى 1997م – كوميت للتوزيع – القاهرة
(7)  نفس المرجع السابق صـ213-214-215