الشفعة بالجوار, في الفقه والقانون اليمني
المقدمة:
في حياتنا اليومية
نجدُ كثيراً من المشاكل التي تحصل بين الشركاء ؛ وذلك بسبب الاشتراك في الحقوق والأموال ، والتي تؤدي إلى عدم الاستغلال لهذه الأموال أو
الحقوق على الوجه الأمثل ،بالإضافة إلى تعطيلها والإضرار بها ، نظراً لتباين وجهات
نظر الشركاء ، ويكون الأمر أكثر سوءاً في
حالة تصرف أحد الشركاء بحصته لأجنبي ، لما له من أثر في اقتحام نطاق الشيوع
والتعرف على أسراره ، لاسيما إن كان الشيوع ناشئاً عن الميراث الذي يعد أهم الأسباب
وأكثرها شيوعاً في المجتمعات الإسلامية
ومنها المجتمع اليمني، لكن الشريعة تلافت هذه الخلافات والمشاكل ،وذلك بالأخذ بحق الشفعة كسبب من أسباب الملك .
والشفعة نظام إسلامي
قائم, أولاه الفقهاء عناية تفوق سائر النظم والتشريعات الوضعية ، وذلك لما لها
أهمية عملية في الواقع ، ولما لها أيضاً من خصائص وسمات لا تتفق في مجملها مع
القواعد الشرعية العامة ، حيث أن القواعد المنظمة للشفعة تقضي بإلزام المشتري
بتسليم المال المشفوع فيه إلى الشفيع دون رضاء ،وفي ذلك قيد حقيقي على حرية
التملك.
تعريف الشفعة في اللغة:
الشفعة بضم الشين
وإسكان الفاء وحكي ضمها مأخوذة من عدة معاني في اللغة منها:
1-الشفعة مأخوذة من
الشفع بمعنى الزوج ، يُقال شفع الشيء ، صيره شفعاً أي زوجاً بأن يضيف إليه مثله ،
يُقال كان وتراً فشفعه بأجر أي قرن به ، وسميت الشفعة بذلك لأن الشفيع يضيف المبيع
غلى ملكه فيشعه به ، كأن كان واحداً فصار زوجاً شفعاً.
2- كما أن الشفعة
مشتقة من الشفع بمعنى الضم ، يُقال شفعت الشيء إذا ضممته ، وسميت الشفعة بذلك لأن
أحد الشريكين يضم نصيب شريكه ، وقد ورد في المصباح المنير (شفعت الشيء من باب نفع
ضممته إلى الفرد، وشفعت الركعة جعلتها
اثنتين ، ومن هذا اشتقت الشفعة ، وهي مثال غرفة ، لإن صاحبها يشفع ماله بها)
3- وقيل أن الشفعة
مشتقة من الزيادة ، فقد سئل أبو العباس عن اشتقاق الشفعة في اللغة فقال (اشتقاقها
من الزيادة وهي أن تنتفع فيما تطلب فتضمه إلى ما عندك فتشفعه أي تزيده ، أي كان
وتراً واحداً فضم إليه ما زاده وشفعه به)
الشفعة
في الفقه الإسلامي:
عُرفت الشفعة في
الفقه الإسلامي بعدد من التعاريف تفاوت مضمونها بتفاوت مذاهب الفقه الاسلامي ،
وسنتناولها فيما يلي:
المذهب
الحنفي:
عرف الإمام أكمل
الدين البارتي الشفعة بأنها (تملك المرء
ما اتصل بعقاره من العقار على المشتري بشركة أو جوار )كما عرفها الاتقاني بأنها(حق
التملك في العقار لدفع ضرر الجوار) وتعرف المادة 950 من مجلة الأحكام العدلية
الشفعة بأنها (تملك الملك المشترى لما قام على المشتري من الثمن)
المذهب الحنبلي:
يعرف الإمام البهوتي من فقهاء الحنابلة الشفعة بأنها (استحقاق
الشريك انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه إن كان مثله أو دونه بعوض مالي
بثمنه الذي استقر عليه العقد ) أما الامام موفق الدين بن قدامه فقد عرف الشفعة
بأنها(استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من رد من انتقلت إليه )، وعرف
الشيخ شمس الدين بن قدامه المقدسي الشفعة بأنها ( استحقاق الانسان انتزاع حصة
شريكة من يد مشتريها )
المذهب الشافعي:
عرف الإمام الرملي
الشفعة بأنها ( حق تملك قهري ثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك عوض بما ملك
به لدفع الضرر) كما عرفها الشيخ محمد الشربيني الخطيب بأنها(حق تملك قهري يثبت
للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض)
المذهب المالكي:
يعرف بن عرفة المالكي
الشفعة بأنها(استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه )
المذهب
الزيدي:
يعرف الامام أحمد بن
يحيى المرتضى الشفعة بأنها(الحق المختص بالشريك ومن في حكمه في المبيع ) كما عرفها
العلامة أبو الحسين عبدالله بن مفتاح بأنها ( الحق السابق لملك المشتري للشريك أو
من في حكمه)
الشفعة في القانون اليمني:
عرف المشرع اليمني
الشفعة في المادة (1255) من القانون المدني والتي تنص على أن (الشفعة هي حق تملك
عين ولو جبراً ملكت لآخر بعقد صحيح بعوض مالي معلوم على أية صفة كانت مثلية أو
قيمية منقولة أو غير منقولة بما قام عليه من العوض أو المؤن)
ومن خلال نص المادة
السابقة نجد أن القانون اليمني أجاز الشفعة في المنقول والعقار على حد سواء ،
وبذلك يكون قد أخذ برأي المذهب الزيدي .
. مشروعية الشفعة:
تُعتبر السنة النبوية
المطهرة المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم ، وهي ما صُدر
عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير ، وقد استدل فقهاء الشريعة الإسلامية على
مشروعية الشفعة بعدد من الأحاديث نذكر منها الآتي:
1-
ما روي عن جابر رضي الله عنه قال ( قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله في كل شركة لم تقسم ربعه أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء
أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به)
2- عن جابررضي عنه قال: ( قضى رسول الله
بالشفعة في كل مالم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)
3-
ما روي عن بن الشريد من حديث
أبي رافع ( وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن خزمة فوضع يده على أحد منكبي
إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله فقال ( يا سعد ابتع مني بيتي
في دارك ، فقال سعد :والله ما ابتاعها ، فقال المسور: والله لتبتاعها، فقال سعد : والله
لا أزيد على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع : لقد أعطيت بها خمسمائة دينار
ولو أني سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله يقول : الجار أحق بسقيه ما أعطيتها بأربعة
آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها إياه)
أسباب الشفعة في الفقه الإسلامي:
يجمع الفقه الاسلامي على
أن الشركة في الملك الشائع تُعد سبباً للأخذ بالشفعة ، أما ماعدا ذلك فهو محل خلاف
، حيث انقسم الفقه الاسلامي بشأنه إلى رأيين وهما كالآتي:
الرأي
الأول :يقصر حق الشفعة للشريك في الملك الشائع.
الرأي
الثاني: فيثبت حق الشفعة للشريك بالإضافة للشريك في الملك الشائع للجار. الشريك على الشيوع
يمكن أن يكون الشيوع
في أصل الملك ، كاشتراك شخصين أو أكثر في ملكية منزل أو قطعة أرض ، ويمكن أن يكون
في حق من حقوق الملك كالطريق والمجرى والمشرب وذلك كاشتراك شخصين في طريق خاصة ،
أو لهما أرض زراعية حددت معالمها في كل منهما لكنهما تشتركان في مسقى مشترك ،لذلك فرق
الفقهاء في إثبات الشفعة بين الشريك على الشيوع في الملك والشريك على الشيوع في
حقوق الملك كما يلي:
اولاً:
الشريك على الشيوع في الملك:
ذهب
جمهور الفقهاء وهم المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن حق الشفعة لا يثبت إلا للشريك على الشيوع في أصل الملك ، فإذا
باع الشركاء حصته من المال الشائع للأجنبي كان لشريكه الحق في أخذ خصته بالشفعة ،
وبهذا يكون للشركاء منع دخول الأجنبي بينهم في الشيوع وأن تكون الشفعة وسيلة بقاء
الملك لمالك واحد.
أدلة جمهور الفقهاء في إثبات الشفعة للشريك في
أصل الملك
استدل الجمهور في
إثبات الشفعة للشريك في أصل الملك دون سواء بالأدلة الآتية:
1-
حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه (قضى رسول الله صلى الله عيه وآله
بالشفعة في كل مالم يقسم إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)
2-
ما رواه الامام مسلم من حديث الزبير بن العوام عن جابر قال : قال رسول
الله ( الشفعة في الملكية في أرض أو ريع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يغرس على شريكه
فيأخذ أو يدع فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه)
3-
إن القائلين بهذا الرأي يرون أن الشفعة غير واجبة للشريك المقاسم لذلك
فهو أحوى ألا تكون واجبة للجار ، والشريك المقاسم إذا قاسم أصبح جارز
4-
إن الضرر اللاحق بالشركة هو ما توجبه من التزاحم في مرافق وحقوق الملك
والأحداث والتغيير والافضاء إلى التقاسم ، كل ذلك يؤدي غلى نقض قيمة الملك.
ثانياً: الشريك على الشيوع في حقوق الملك:
الشريك على الشيوع في حقوق الملك هو من لملكه حق ارتفاق مع ملك شخص
آخر كخق الشرب أو المجرى أو الطريق.
انقسم فقهاء المسلين في إثبات الشفعة للشريك في حقوق الملك إلى قسمين:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الشفعة لا تثبت للشريك في حقوق الملك مطلقاً، وذلك انطلاقاً
من موقفهم بأن الشفعة لا تثبت إلا للشريك على الشيوع في أصل الملك ، كما سبق أن
استعرضنا لأرائهم وأدلتهم عند تناولنا لموضوع الشريك على الشيوع في الملك.
فيما ذهب الحنفية والزيدية والشيعة الامامية والاباضية على إثبات الشفعة للشريك في حق من حقوق الملك كالشرب والمجرى والطريق
الخاص ، فلو باع شخص داراً لها طريق مشتركة خاصة مع ارض أخرى ، أو أرضاً لها شرب
أو طريق مشتركة مع أرض شخص آخر كان لهذا الشريك أخذ المبيع بالشفعة دفعاً للضرر
الذي سيلحق به فيما لو شاركه أجنبي في هذا الحق.
الشفعة بالجوار في الفقه الاسلامي:
بعد التحدث في
المبحثين السابقين عن ماهية الشفعة ومشروعيتها، وأسبابها ، سوف نتحدث الآن عن
موضوع بحثنا وهو الشفعة بالجوار كسبب من أسباب الشفعة في الفقه الاسلامي ، وذلك من
خلال التطرق إلى آراء أنصارها الأخذين بحق الجوار كسبب من أسباب الشفعة ،وكذلك رد
القائلين بعدم الأخذ بها وهم جمهور الفقهاء وذلك من خلال الآتي:
أولاً: رأي
الأخذين بالجواركسبب من أسباب الشفعة:
ذهب
الحنفية والزيدية إلى أن الشفعة تثبت
للشريك ثم للجار الملاصق ، فإذا باع الجار الملاصق أرضه أو داره تثبت الشفعة لجاره
الملاصق إذا لم يكن هناك شريك يزاحمه وذلك
دفعاً للضرر ، وبما أن حق الشفعة تثبت للشريك دفعاً لأذى الدخيل الأجنبي فإنه يثبت
للجار أيضاً دفعاً للضرر لتوافر ذات العلة أو الحكمة من تشريع الشفعة عند الحنفية
والزيدية هي دفع ضرر سوء العشرة على الدوام ، وهذا الضرر كما يلحق بالشريك في أصل
الملك يلحق كذلك بالشريك في حق من حقوق الملك وكذلك الجار الملاصق ، لهذا وجب القول
بثبوت الشفعة للشريك في حقوق الملك كما بينا وكذلك الجار الملاصق.
أدلة القائلين بشفعة الجوار
استدل القائلون
بشفعة الجوار بالأدلة التالية:
1-مارواه البخاري عن
عمر بن الشريد عن أبي رافع قوله بأنه سمع
رسول الله صلى الله عليه على آله يقول (الجار أحق بصقبه)فدل ذلك على إثبات الشرع
الشفعة للجار ، فإذا أراد الجار أن يبيع ملكه كان عليه أن يعرض على جاره مراعاة
لحق الجوار.
2-ماروي عن جابر رضي
الله عنه أن رسول الله قال(الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان
طريقهما واحد)وهذا دليل أن الشفعة تثبت
للجار إذا كان المشتري أجنياً.
وقد اشترط الحنفية
والزيدية لإثبات الشفعة للجار أن يكون ملاصقاً لملك البائع ، ويترتب على ذلك عدم
استحقاق الجار المحاذي او المقابل للشفعة ، وخالفهم في ذلك القاضي شريح الذي جعل
معيار الأخذ بالشفعة بسبب الجوار هو الأبواب ، أي أبواب الديار المجاورة للمبيع ،
فجعل أقرب الأبواب إلى الدار المبيع أحق بالشفعة.
ثانياً: رد
جمهور الفقهاء القائلون بعدم الأخذ بالجوار كسبب من أسباب الشفعة:
وقد رد أنصار الفريق
الأول الذين يقصرون الشفعة على الشركة في أصل الملك على ما استدل به أنصار شفعة
الجوار بالآتي:
1-إن الأحاديث التي
استدل بها أنصار شفعة الجوار صريحها غير صحيح وصحيحها غير صريح لإثبات الشفعة
للجار، فحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله رواه عن الحسن وهو اعل بالانقطاع ،
كما أنه قد اختلف أهل الحديث في لقاء الحسن لسمره ومن اثبت لقاء الحسن له قال أنه
لم يروعنه إلا حديث العقبة ، أما حديث أبي رافع وإن كان صحيحاً فهو ليس بصريح في
الشفعة فإن المقصود بلفظ (الصقب)الوارد في الحديث هو القرب، لهذا فأنه يحتمل أن
يكون المراد أحق بالبر والاحسان والمعونة بسبب قربة من جاره، وحديث جابر ( الجار
أحق بشفعة جاره)من الممكن حمل الجار في هذا الحديث على الشريك لأن الجار في اللغة
يطلق على الشريك ، واستدلوا بذلك بقول الأعشى :
أجارتنا بيني فإنك طالقة وموقوفة ماكنت فينا وواقعة
4- أن الله فرق بين الشريك
والجار شرعاً وقدراً ، فعند المقارنة بينهما نجد أن الشارع قد أوجب حقوق في الشركة
لا توجد في الجوار كما أن الملك في الشركة مختلط وفي الجوار متميز ولكل من
الشريكين على صاحبه مطالبة شرعية .
وخلاصة القول ان الأحاديث التي استدل بها أنصار شفعة الجوار للدلالة
على ثبوت الشفعة للجار لم تسلم من المناقشة ، أما الأحاديث التي دلت على ثبوت
الشفعة للشريك والتي استدل بها من يقصرون الشفعة على الشريك في أصل الملك فهي
أحاديث لا مقال فيها
الشفعة
بالجوار في القانون اليمني:
نص القانون المدني
اليمني رقم 2 لسنة 2002م في المادة(1256)والتي تنص على أن:
(سبب الشفعة هو اتصال ملك الشفيع بالعين
المشفوعة اتصال شركاء (خلطة) في أصلها أو في حق من حقوقها)
ومن هذا النص يتضح أن
القانون اليمني قد أخذ بسبب
واحد للشفعة وهو الشركة موضحاً بأن الشفعة تستحق بالشركة في أصل العين وهو الرأي
المتفق عليه عند عامة فقهاء الشريعة
الاسلامية ، كما أخذ بالشفعة في الشركة في حق من حقوق العين كحق الشرب والمجرى وحق
الطريق وهو رأي الحنفية والزيدية والشيعة الامامية والاباضية.
أما
الجوار كسبب موجب للشفعة فلم يأخذ به القانون اليمني مطلقاً, وهذا يتفق مع رأي
جمهور الفقهاء.
الخاتمة:
1-اختلف فقهاء
الشريعة الإسلامية في وجوب الجواركسبب من أسباب الشفعة بين مؤيد وغير مؤيد للأخذ
بها, وكان الرأي الراجح هوالرأي الذي لم يجز الأخذ بالجوار كسبب من أسباب الشفعة, وهم
جمهور الفقهاء وذلك لقوة أدلتهم ،وكذلك بسبب ردهم على القائلين بوجوب الأخذ بالجوار كسبب من أسباب
الشفعة.
2-أن القانون اليمني
لم يأخذ بالجوار كسبب من أسباب الشفعة, وذلك بالنص الصريح في المادة (1256)من القانون المدني التي لم
تذكرالجوار كسبب من أسباب الشفعة، وبذلك يكون يكون قد أخذ برأي جمهور الفقهاء في
الشريعة الإسلامية.
المصادر
والمراجع
1-القانون المدني
اليمني رقم (2) لسنة 2002م.
2-رسالة ماجستيرفي
القانون الخاص –بكلية الحقوق –جامعة عدن ،مقدمة من /عبدالعزيز راجح حسن،سنة 2000م.
3-كتاب (حق الملكية في
القانون المدني اليمني) للدكتور/ مأمون الشامي
، طبعة عام2016م.
إعداد/غالب حُميد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق