عقد الصلح, في الفقه والقانون اليمني
مفهوم عقد الصلح:
تطلق
تسمية العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، وتستعمل أيضاً
بمعنى إحكام الشيء وتقويته.
العقد في اصطلاح الفقهاء:
للعقد عندهم معنيان، معنى عام ومعنى خاص.
فالعام:
هو كل ما يعزم المرء على عمله و يلزم نفسه به أو يلزم غيره به أو ما الزم الله به
عباده فهو يسمى عقدًا.
والمعنى الخاص: هو كل ما ينشأ عن اتفاق إرادتين
لظهور أثره الشرعي في المحل.
أما العقد اصطلاحا:
هو
توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام
أو نقله أو تعديله أو إنهاءه.
أهمية الصلح في الفقه الإسلامي:
من
الناحية النظرية لعقد الصلح مكان الصدارة من بين سائر العقود في الفقه الإسلامي,
ذلك أن هذا العقد يأخذ صوراً شتى في المعاملات المالية، الأمر الذي يبرز اهمية هذا
العقد ويكسبه مكانه خاصة بين سائر العقود تجعله جديراً بأن يكون نموذجاً لتطبيق
أحكام نظرية العقد على صوره المتعددة .
الصلح ودوره في تقليص
الدعاوي القضائية:
تبرز أهمية عقد الصلح من الناحية العملية في
جوانب متعددة منها:
1- تخفيف
العبء عن القضاء
2 -تخفيف العبء عن الخصوم
3-تحقيق العدالة ونشر السلم الاجتماعي
خصائص عقد الصلح:
أولاً
: الصلح عقد من عقود المعاوضة أو التبرع المقصود من اعتبار الصلح من عقود المعاوضة
أن يأخذ كل من المتعاقدين المتصالحين مقابلاً لما أعطاه, وبالتالي فإنه طبقاً لما
يحدده الصلح فإن المتعاقدين يأخذان بدلاً عن الصلح أو يخلص لأحدهما الشيء محل
النزاع.
وقد يكون عقد الصلح من عقود التبرع التي يكون
التمليك فيها من غير مقابل فلا يأخذ المتبرع عوضاً عما قدمه كالهبة و الإعارة و
القرض دون مقابل وإبراء الدين مما عليه تجاه الدائن لكي لا يبقى لهذا الأخير حق في
مطالبته.
إلى ذلك فإنه يمكن أن يكون الصلح قائماً على
تبرع أحد المتخاصمين بهبة أو إبراء من دين وفي هذه الحالة يعتبر من عقود التبرع.
ثانياً
: الصلح عقد رضائي من المعلوم أن تقسيم العقود حسب الشكل يكون إلى رضائية وشكلية
وعينية, ومن الثابت في الفقه الإسلامي أن عقد الصلح يعتبر من العقود الرضائية التي
تنعقد بمجرد تبادل إرادتين متطابقتين بالإيجاب والقبول.
ثالثاً
: الصلح عقد لازم ان عقد الصلح عقد لازم وقد جرى الاصطلاح عن الفقه الإسلامي أن
العقد اللازم أي الملزم هو ما كان ملزماً لكل المتعاقدين, أي أنه ملزم بجانبين
وبموجب ذلك فليس لأحد المتعاقدين فسخ العقد وإنما يجوز فسخه بالتراضي بينهما.
رابعاً
: الصلح يكون منجز أو غير منجز المقصود بالمنجز عن اصطلاح الفقهاء المسلمين, الأمر
الفوري ويرون ان عقد الصلح يكون منجز إذا أنجز أثره في الحال ، وغير منجز إذا ظهر
أثره في وقت متأخر بأن أضيف الحكم إلى زمن مستقبلي . وقد يكون عقد الصلح معلق إذا
علق وجوده على وجود شيء آخر.
فعقد الصلح إما أن يكون منجز أو غير منجز ويكون
في هذه الحالة الأخيرة إما مضافاً أو معلقاً .
أركان عقد الصلح في الفقه الإسلامي:
أولاً: ركن الرضا:
لا
يعتبر الصلح قائماً بدون التراضي الذي يكون بالتقاء ارادتين متطابقتين, ويكون
الإيجاب والقبول بكل لفظ ينبئ عن المصالحة, كأن يقول المدعى عليه صالحتك على مائة التي
لك عندي على خمسين, غير أن المسألة الواردة في الفقه الإسلامي من جانب وجود
التراضي هي في اختلاف الفقهاء إلى رأيين , منهم من يرى أن التراضي يقوم بوجود
الإيجاب والقبول من المتعاقدين, ومنهم من يرى أن التراضي يكون بوجود الإيجاب دون
القبول ولا يكون قبول إلا فيما يتعين بالتعيين وهذا مذهب الحنفية.
ثانياً: ركن المحل:
المحل
هو الركن الأساسي الثاني لقيام العقود كلها وهو ركن في الالتزام والعقد، ومحل
الالتزام هو الأمر الذي يلتزم المدين القيام به وهو إما أن يكون إعطاء شيء أي نقل
حق عيني على شيء وإما أن يكون أداء عمل وإما أن يكون امتناع عن عمل.
ثالثاً: ركن السبب:
هو
ما يقصده المتعاقد من العقد الذي أنشأ التزامات وحقوقاً في ذمته, فهذا المعنى
المتعلق بالالتزام بحسب اتجاه إرادة العاقد من هذا الالتزام وبعباره أخر لا عبره
للسبب إذا لم يكون متصلاً بإرادة العاقد.
فسخ عقد الصلح:
أول
ما يجب توضيحه هو أن مجال الفسخ ينحصر في عقود الصلح المتضمنة معنى المعاوضة, حيث
يكون للطرفين الاتفاق على فسخ العقد وهذا ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي بالإقالة
.
فسخ
عقد الصلح مع لزومه سبق وأن تعرضنا ضمن الخصائص أن عقد الصلح عقد لازم, أي لا يمكن
لأحد المتعاقدين الانفراد بفسخه متى كان العقد قائم صحيح, أما إذا كان هناك حالة
استحقاق للمدعي المتصالح للدعوى التي أقامها قبل الصلح, بحيث ظهر بعد الصلح ما
يثبتها فهنا لها صورتين :
الصورة الأولى:
إذا كان بدل الصلح وموضوع الدعوى المنتهية
بالصلح ممالا يتعين بالتعيين فهنا لا يفسخ الصلح, فإذا استحق بعض الدعوى أوكلها
رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض أو بكله, وإذا استحق بدل الصلح أو بعضه رجع
المدعي بكل موضوع الدعوى سواء كان الصلح عن إنكار أو عن إقرار .
الصورة الثانية :
إذا
كان بدل الصلح و وموضوع الدعوى المنتهية بالصلح مما يتعين بالتعيين فهنا يفسخ
الصلح, ونفرق هنا بين الصلح عن إقرار وعن إنكار, فإذا كان الصلح كله أو بعضه يرجع
المدعي على المدعى عليه بكل المدعى به أو بقدر المستحق إذا استحق بعضه, وإذا استحق
المدعى به كله أو بعضه يسترد من بدل الصلح الذي قبضه المدعي مقدراً ما أخذ بالاستحقاق
من المدعى عليه .
وإذا
كان الصلح عن إنكار ثم استحق بدل الصلح كله أو بعضه يرجع المدعي بالدعوى كلاً أو
بعضاً على حسب القدر المستحق, وإذا استحق المدعى به كله أو بعضه رجع المدعى عليه
بمقابلة من العوض عل المدعي ويرجع المدعي بالخصومة فيه والدعوى على المستحق.
وقد
ينفسخ العقد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى فسخه في حالة ما إذا هلك محل الصلح هلاكاً
كلياً, فإن عقد الصلح ينعدم بطبيعته لانعدام محل العقد ولا تكون ثمة فائدة من توجه
المتصالح إلى فسخه .
أما
إذا كان الهلاك جزئياً فإن العقد يكون في حاجة إلى الفسخ الذي يكون إثر قيام أحد
المتعاقدين إلى فسخه دون اشتراط حضور المتعاقد الآخر, كما قد يكون بحكم القاضي إثر
طلب المتعاقد فسخ العقد.
عناصر
عقد الصلح:
من خلال المدلول الذي
يظهر به عقد الصلح في التعريفات الفقهية والتشريعية وسواء الفقه الإسلامي أو
الوضعي , فإنه يظهر جليا أن ما يميز الصلح وجود عنصرين هما وجود نزاع وتنازل
متبادل بين المتصالحين , ويمكن اعتبار هذين العنصرين ركنين خاصين بالصلح إلى جانب
الأركان العامة الموجودة في كل العقود .
((بحث عن عقد
الصلح في الفقه الاسلامي /موسوعة عريق))
عقد
الصلح في القانون اليمني:
تعريف
الصلح :
عرفت
المادة (688) من القانون المدني الصلح بقولها:
(الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به
الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعا محتملاً وذلك بأن يتنازل كل منهما عن
جزء من ادعائه)
أما نوع عقد الصلح
فهومن عقود التراضي فيتم بالإيجاب والقبول, ولا يشترط لوجوده شكل خاص .
ويشترط لعقد الصلح
الأركان والشروط العامة للعقد, إضافة إلى شروط أخرى خاصة ونبدأ بعرض الشروط العامة
:
وضحت
المادة (146) من القانون المدني أركان العقد حيث نصت على أن :
(أركان العقد ثلاثة
هي :
1- التراضي
2- طرفا العقد
3- المعقود عليه)
ويشترط في كل ركن من هذه الأركان شروط معينه
وحيث أن أركان عقد
الصلح مثل غيره من العقود تتمثل في الصيغة – الإيجاب والقبول – والعاقدان وهما
المتصالحان والمصالح عليه والمصالح عنه
شرط
الرضا:
فلا يشترط في تكوينه
شكل خاص بل يكفي توافق الإيجاب والقبول ليتم الصلح والكتابة ضرورية في عقد الصلح
ولكن في إثباته لا لانعقاده 000وهو عقد
ملزم للجانبين إذا يلتزم كل من المتصالحين بالنزول عن جزء من ادعائه في نظير تنازل
الآخر عن جزء مقابل , وهو عقد من عقود المعاوضة.
والصيغة تصلح بلفظ
الصلح 000وتصح أيضا بكل لفظ يدل على التراضي بالصلح إن كان عن إبراء أو هبة كالحط
والإسقاط ونحو ذلك.
والعاقدان
يشترط فيهما :
أن يكون كلا منهما
أهلا للتصرفات المالية من البلوغ والعقل والرشد وغير ذلك ففاقد الأهلية لا يصح
صلحه
وقد نصت
المادة 670 مدني على:
( يشترط فيمن يعقد صلحاً أن يكون أهلا للتصرف في
الحقوق التي يشملها الصلح)
مادة672
مدني:
(لا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع كالصبي
المأذون له وولي الصغير وناظر الوقف ومن اليهم الا في حالتين :
1-إذا كان مدعيا لمن
يمثله وكان المدعي عليه منكرا ولا بينة للمدعي فله أن يتصالح على بعض الحق ولا
تبرأ ذمة الغريم من الباقي
2_ إذا كان من يمثله
مدعي عليه ولدى المدعي بينة وحكم بثبوت الحق فيصالح عنه أمكنه )
فإذا لم يكن للمتصالح
حق التصرف فيجب أن يكون وكيل خاص بالصلح ويكون الصلح دون وكالة تصرف فضولي ويأخذ
حكمه فقد نصت المادة 170 مدني بأن ((تصرفات الفضولي عن غيره تتوقف على إجازة صاحب
الشأن مالم ينص القانون صراحة على بطلان تللك التصرفات))
فيشترط للتصالح ممن
لا يملك المال المتصالح عنه أن يكون وكيلا أو مفوضا بالصلح وفقا لنص المادة120 م
قانون المرافعات
وقد اجاز القانون
المدني الصلح من قبل الفضولي بنص المادة 664 منه بشروط بينتها المادة المذكورة
والتي قضت بما نصه:
( يصح الصلح من الفضولي ان ضمن المال أو أضاف
الصلح إلى ماله أو أشار إلى عوض أو نفذ أو أطلق وسلم البدل ويتوقف صلح الفضولي على
اجازة المدعى عليه اذا أطلق ولم يسلم البدل ) فإذا أجاز المالك تصالح الفضولي صح
الصلح
كما يشترط حلو إرادة
كل من المتصالحين خالية من العيوب فيجب ألا يكون هناك غلط أو تدليس أو أكراه فإذا
شاب إرادة أحدهما عيب من هذه العيوب كان عقد الصلح قابلاً للإبطال )
الشروط
المتعلقة بالمصالح عليه:
يشترط أن يكون المصالح عليه حلالا فلا يصح على الحرام
كالخمر والميتة والربا لأن الصلح في معنى المعاوضة فما لا يصلح عوضا في البيع لا
يصلح أن يكون بدلا للصلح
فيشترط أن يكون
المتصالح عليه مشروعا (بان يكون المصالح عليه مالا فلا يصح الصلح على ما ليس بمال
000 ونكتفي بقاعدة الأصل أن كل ما يجوز بيعه وشراءه يجوز الصلح عليه وما لا فلا,
وأن يكون المال مملوكا للمصالح فلو أنه صالح على مال ثم أستحق من يد المدعي لم يصح
الصلح في قول جماهير أهل العلم )
والقانون اليمني قد
وافق راي الأحناف في جواز التصالح على مجهول حيث نصت المادة 676 من القانون المدني
على أن:
( إذا كان الصلح بمعنى الابراء صح أن يكون
المصالح به والمصالح عنه معجلين أو مؤجلين أو مختلفين ويصح بمجهول عن معلوم أو العكس
ويصح من أحد الورثة بدين لزم الميت حيث لا وصي إذا كان في ذلك مصلحة لبقية الورثة
وإلا فعلى الوصي )
الشروط
التي ترجع إلى المصالح عنه:
د نصت
المادة 699 على أن الصلح يتم في عدة مسائل بقولها:
(( يتم الصلح بالتراضي في الدماء والأموال
والحقوق على أن لا يحل حراماً ولا يحرم حلالا ولا يثبت نسبا أو يسقط حداً ويجوز مع
الإقرار والسكوت والإنكار ))
فيشترط في المتصالح
عنه أن يكون عينا أو دينتا وغير ذلك مما ليس بدين أو عين ولا مال ويشترط فيه أيضا
أن يكون مما يجوز الصلح فيه فلا يصح عن إسقاط
حد 000إلخ
ويشترط أن يكون
المصالح عنه حق للإنسان لا حق لله عز وجل
كالحدود 000أيضا لا تجوز المصالحة عن الحقوق العامة كالطريق العام النافذة
والمرافق العامة ونحو ذلك مما لا يختص به أحد بعينه.
فالصلح الذي يحل
الحرام أو يحرم الحلال كالصلح الذي يتضمن تحريم بضع حلال أو تحليل بضع حرام أو ما
شابه كتعطيل حد أو الإضرار بمصلحة عامة أو طريق ونحو ذلك كله صلح جائز مردود.
ويشترط أن يكون حقا
ثابتا له في المحل 000فما لا يكون حقا ثابتا له في المحل لا يجوز الصلح عنه وأن
يكون مما يجوز أخذ العوض عنه سواء كان مالا أو غير مال.
الشروط
الخاصة بعقد الصلح :
يشترط في عقد الصلح
علاوة على الأركان العامة وهي الرضا (الإيجاب والقبول) والمحل والسبب ,ما يأتي:
الشرط
الأول:
أن يكون بين العاقدين
نزاع وأن يكون هذا النزاع جدياً قائماً أو محتملاً أما إذا كان الحق ثابتا فلا
يوجد عقد صل كما إذا كان هناك حكم انتهائي, وليس من الضروري أن يكون قد نشأ عن
النزاع دعوى فقد يكون الغرض من الصلح ملاقاتها , ويقال للصلح في هذه الحالة(الصلح
غير القضائي.
الشرط الثاني:
أن يوجد نزول من
الطرفين عن ادعاءات متقابلة بأن ينزل كل منهما عن جزء من ما ادعاه وبهذا الركن
يفترق الصلح عن مجرد الترك أو التبرع أو الإبراء وترك المدعي دعواه , ولا يشترط أن
يكون النزول من الطرفين متساوياً في الأهمية.
وبالرجوع إلى نص
المادة 668 مدني نجد أنها قد عرفت عقد الصلح:
( الصلح قد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به
الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء
من ادعائه).
ويبين من هذا التعريف
أن للصلح ثلاث مقومات رئيسية ,فيجب أن يكون هناك نزاع حاصل قائم بين الخصمين ,وأن
يكون لدى كل منهما نية حسم هذا النزاع ,وأن ينزل كل منهما عن جزء من ادعائه .
فإذا لم يكن هناك
نزاع قائم أو محتمل لم يكن العقد صلحاً 000كما يستوي أن يكون المدعى عليه مقراً
بحق المدعي أو منكراً له فقد يحدث أن يقر المدعى عليه بنشأة الالتزام في ذمته إلا أنه ينازع في بقائه أو في مقداره
وفي هذه الحالة لا يوجد ما يمنع التصالح على أن ينزل المدعي عن بعض حقه ويقوم
المدعى عليه بدفع الجزء الباقي .
وفيما
يتعلق بشرط نية حسم النزاع :
(فيجب أن يقصد
الطرفان بالصلح حسم النزاع بينهما اما بإنهائه إذا كان قائماً أو بتوقيه إن كان
محتملاً , ولكن ليس من الضروري أن يحسم الصلح النزاع في جميع المسائل المتنازع
فيها بين الطرفين فقد يتناول الصلح بعض هذه المسائل المتنازع فيها فيحسمها ويترك
الباقي للمحكمة تتولى هي البت فيه .كما يجب أن ينزل كل من المتصالحين على وجه
التقابل عن جزء من ادعائه, فلو لم ينزل أحدهما عن شيء مما يدعيه ونزل الأخر عن كل
ما يدعيه لم يكن صلحاً 000ولا يشترط تساوي التضحية من الجانبين)
الفرق
بين الصلح القضائي والصلح غير القضائي:
تنص
المادة165من قانون المرافعات والتنفيذ المدني على أن:
(للمحكمة أن تقوم بالسعي في إقناع الخصوم بالصلح
وتحثهم على ذلك لا أن تجبر أيا منهم عليه وذلك قبل البدء في نظر الدعوى فإذا تصالح
الخصوم فعليهم أن يثبتوا ما تصالحوا عليه في محضر الجلسة ويحرروا به عقد صلح
ويقدموه للمحكمة لإلحاقه بمحضر الجلسة والتصديق عليه ويكون له في جميع الأحوال قوة
السند الواجب التنفيذ ).
كما تنص
المادة (214) من ذات القانون على
أن للخصوم التصالح في أي حالة كانت عليها الدعوى بقولها :(يجوز للخصوم في أي حالة
تكون عليها الخصومة أن يتصالحوا فيها ويقدموا ما اتفقوا عليه مكتوباً وموقعاً عليه
منهم أو من وكلائهم المفوضين بالصلح وتقرر
المحكمة الحاقه بمحضر الجلسة للتصديق عليه واعتباره في قوة السند الواجب التنفيذ).
فإذا كان الصلح
مصدقاً عليه من قبل المحكمة فإنه يعتبر صلحاً قضائيا , أما إذا لم تصدق المحكمة على الصلح فإنه يبقى
صلحاً غير قضائياً).
ويختلف الصلح القضائي
عن الصلح غير القضائي في كثير من المسائل , أما بالنسبة لشروط الصحة فإنه وإن كان
يشترط لصحة كل منهما أن تتوافر في الطرفين
أهلية التصرف وخلو إرادة كل منهما من العيوب التي تبطلهما, إلا أن الصلح القضائي
يتطلب شروط أخرى لكي يكتسب الصفة القضائية , فيشترط حضور الطرفين أمام المحكمة وإقرارهما بالتصالح ,
وتوقيعهما على محضر الصلح كما يشترط تصديق القاضي على المحضر , ورفض أحدهما أو
كلاهما التوقيع على محضر الصلح , وإذا لم يقم القاضي بالتصديق عليه فإنه يعتبر
باطلاً باعتباره صلحاً قضائياً .
أما بالنسبة لأثارهما
, فإن الصلح القضائي يرتب آثاراً تختلف عن تلك التي يرتبها الصلح غير القضائي ,
فالصلح غير القضائي وإن كان يؤدي إلى حسم النزاع كما أنه يؤدي إلى زوال حالة
التجهيل التي أصابت الحقوق والمراكز القانونية بما يحققه من اليقين القانوني , فإن
الحجية التي يرتبها الصلح غير القضائي -هي
كما قال بعض الفقه الفرنسي – حجية الشيء المتعاقد عليه , وليست حجية الشيء المحكوم
فيه , أما الحجية التي يرتبها الصلح القضائي فإنها حجية الشيء المقضي فيه وليست
حجية الشيء المتعاقد عليه , وذلك لأن القاضي قام بدور في هذا العمل , ولو اقتصر
دوره على إثبات هذا التصالح .
كما يعتبر الصلح
القضائي سنداً تنفيذيا يجوز اقتضاء ما ورد
به من التزامات باتباع طرق التنفيذ الجبري , أما الصلح غير القضائي فلا يعتبر
سنداً تنفيذياً ولا يجوز تنفيذه جبراً .
أما من حيث طرق الطعن
في كل منهما ,فإن الصلح غير القضائي لا يجوز الطعن فيه إلا بطرق المقررة للعقود
وهو رفع دعوى بطلان أصلية , فلا يجوز
الطعن فيه بطرق الطعن المقررة للأحكام , أما الصلح القضائي فإنه يجوز فيه الطعن
بالطريقين معاً أي برفع دعوى بطلان أصلية , وكذلك بطرق الطعن المقررة للأحكام في
بعض الحالات , ذلك لأن الصفة العقدية
تشترك مع الصفة القضائية في إتمامه , فيجوز الطعن فيه برفع دعوى بطلان أصلية إذا
كان هناك ثمة عيب يؤدي إلى إبطال العقد محل الصلح القضائي , أو إذا كان العمل قد
تم التصديق عليه من قبل شخص لا يتمتع بولاية القضاء , أو زالت عنه هذه الولاية ,
كما يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة
للأحكام إذا كان هذا العمل صادراً
في شكل حكم.
آثـــار
عقد الصـــــلح:
يترتب على عقد الصلح
حسم النزاع , وانقطاع الخصومة وقد نصت المادة (677)مدني بقوله:
ا)يحسم الصلح المنازعات التي تناولها ويترتب عليه انقضاء الحقوق
والادعاءات التي تنازل عنها أي من الطرفين تنازلاً نهائياً)
إذا تم الصلح بين
المتعاقدين ترتب عليه انقطاع الخصومة والمنازعة بينهما شرعاً ,فلا تسمع دعواهما
بعد ذلك , وتحصل البراءة عن الدعوى ووقوع الملك في بدل الصلح للمدعي والمصالح به
للمدعى عليه إن كان يحتمل التمليك .
ثم إن الصلح يلحق
بأقرب العقود إليه ويأخذ حكمه فما كان في معنى البيع ألحق به وما كان بمعنى الإجارة أو الهبة أو الإسقاط أخذ حكمه هذا ,
ولا يخلو من أن يكون الصلح مع الإقرار أو مع السكوت أو مع الإنكار.
(بحث بعنوان تحليل تفصيلي حول عقد الصلح وشروطه / مدونة المحامي عبد
الرقيب القاضي)
مقدم البحث / عبد القوي صالح محمد حُميد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق