ديـــــــــــــن
المـــــــــــعـــــــــــســـــــــــــــر في الفقه, والقانون اليمني
الإعسار لغة:
العسر ضد اليسر، وهو الضيق والشدة والصعوبة، قال
الله تعالى: (سيجعلُ الله بعد عسر يسرا)، وقال تعالى (فَإِن مع الْعسرِ
يسر, إِن مع الْعسرِ يسرا).
وعسر عليه
الأمر أي اختلط، وأعسر الرجل, أي افتقر وضاق حاله.
والعسرة: ضيق ذات اليد، والعجز عن الوفاء بالدين.
العسر اصطلاحاً:
لم يبرز
الفقهاء معنى الإعسار كما أبرزوا معنى الإفلاس، وإنما ذكروا معنى للإعسار يتناسب
مع المعنى اللغوي, فمثلاً عرف الإعسار بأنه الافتقار، وقالوا إن العسر ضد اليسر،
وأعسر أي افتقر.
وهو عدم
القدرة على النفقة أو أداء ما عليه بمال ولا كسب، وقيل هو زيادة خرجة عن دخله.
قال الإمام ابن العربي: فإن قيل: وبم تعلم
العسرة؟ قلنا: بأن لا نجد له مالاً، فإن قال الطالب: خبأ مالا, قلنا للمطلوب:
أثْبِت عدمك ظاهرا ويحلف باطنا، والله يتولى السرائر
.ولذلك كان المعسر عند الشافعية الذي لا فطرة
عليه: هو من لم يفضل شيء عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه
ومن هذا يتضح أن الإعسار في المعنى الاصطلاحي
مرادف للمعنى اللغوي, وهو أن المعسر من لا يملك مالا لسداد التزاماته ويؤيد هذا سبب
نزول قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)
أن ثقيفا لما طالبوا أموالهم التي لهم على بني
المغيرة شكوا العسرة –أي بني المغيرة- وقالوا: ليس لنا شيء، وطلبوا الأجل إلى وقت
ثمارهم, فترتلت الآية.
الإعسار
في القانون:
قسم
القانون الإعسار إلى قسمين:
أ- إعسار فعلي:
وهي حالة واقعية
تنشأ عن زيادة ديون المدين, سواء كانت مستحقة الأداء أم غير مستحقة, ما دامت محققة
الوجود على حقوقه.
ب-الإعسار القانوني:
هي حالة
قانونية تنشأ من زيادة ديون المدين المستحقة الأداء على حقوقه. ولا بد من شهرها
بموجب حكم قضائي يجعل المدين في حالة إعسار. فالآثار التي يرتبها القانون على الإعسار
القانوني, قد لا يرتبها على الإعسار الفعلي، مثل سقوط الأجل، منع المدين من التصرف
في ماله، تعريضه لعقوبة التبديد، جواز إعطاؤه نفقة من إيراداته المحجوزة.
فالإعسار القانوني حالة أشد إمعاناً في
الاستغراق بالدين من الإعسار الفعلي، كما أن الإعسار القانوني قد ينتهي قبل الإعسار
الفعلي، لأن الإعسار القانوني ينتهي بموجب حكم إذا وفى المدين المعسر ديونه, وينتهي
حتما بقوة القانون إذا انقضت خمس سنوات على شهر الإفلاس، وبالتالي قد ينتهي الإعسار
القانوني, ومع ذلك تبقى ديون المدين.
موقف
الفقه الا سلامي من الإعسار:
يتناول
فقها الشريعة الإسلامية الإعسار وأحكامه على اختلاف مذاهبهم, وبالنضر إلى ما
اتبعوه في تبويباهم لم يتطرقوا إليه منفصلا, وإنما ادخله البعض في باب الحجر
وأحكامه ،أو في احكام الرهن والتفليس, وحتى اللفظ نفسه يباين ،فاطلق الغارم
والمعسر, وما للمد ينان والمفلس, ومن المسائل المتعلقة بالإعسار تفرعت مسائل
اتفقوا فيها وأخرى اختلفوا فيها، ومنه جواز حبس المعسر من عد مه, ومن يقبل اعساره.
مذهب
ابي حنيفة:
لا يحجر
على المدين بسبب الدين, فإذا كان الشخص مدينا وطلب الدائنون ديونهم واثبتوها بأي
طريق من طرق الإثبات، وطلبوا الدائنون من القاضي الحجر عليه ،فلا يجيبهم إلى هذا
الطلب, بل إن كان له مال أمر بأداء ما عليه، فإن امتثل فبها ،وإن لم يمتثل حبسه
القاضي ليتولى المدين بيع ماله بنفسه لأجل قضاء دينه ودفعا لظلمة.
ويشترط لحبس المدين:
1- أن يكون الدين حالاً،
فلا يحبس في الدين المؤجل لأن الحبس لدفع الظلم المتحقق بتأخير قضاء الدين، ولم
يوجد من المديون لان صاحب الدين هو الذي أخر حق بنفسه بالتأجيل، وكذا لا يمنع من
السفر قبل حلول الأجل.
2- قدرة المديون على قضاء
الدين, حتى لوكان معسراً لا يحبس لقوله سبحانه وتعالى:(واتقو يوما ترجعون فيه إلى
الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا
يظلمون) ،لان الحبس لدفع الظلم ولا أظلم
من المعسر لعدم قدراته, وإذا لم يقدر قضاء الدين لا يكون الحبس مفيدا, لأن
الحبس شرع للتوصل إلى قضاء الدين لا لعينه.
3- مماطلة المديون, وهو
تأخير قضاء الدين لوقوله عليه الصلاة والسلام (مطل الغني ظلم ،فيحبس دفعا للظلم
،لقضاء الدين بواسطة الحبس ،وما لم يظهر منه المظل لا يحبس)
4- أن يكون من عليه الدين
ممن سوى الوالدين لصاحب الدين، فلا يحبس الوالين، وإن علو بدين المولودين وإن
سفلوا, لقول الله تعالى (يا بني إنها أن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في
السماوات أو في الأرض يأت بها الله, إن الله لطيف خبير)
وقال تعلى: (وخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل
ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)
وليس من المصاحبة والمعروف والإحسان حبسهما بالدين, إلا إذا امتنع الوالد
من الانفاق على ولده والذي عليه نفقته فإن القاضي يحبسه, تعزيرا لا حبسا بالدين
،اما الدين فيحبس بدين الوالد، وكذا سائر الأقارب يحبس المديون بدين قريبه.
5- طلب صاحب الدين من
القاضي حبس المدين ،فما لم يطلب لا يحبس أن الدين حقه ،والحبس وسيلة إلى حقة،
وسيلة حق الانسان حقه، وحق المرء انما يطيب بطلبه، فلابد من الطلب للحبس.
واستدل أبو حنيفة لمذهبه في عدم الحجز على المدين بأن الحجر على المدين
فيه تثبيت لأهليته، وذلك ضرر فوق ضرر المال فلا يتحمل الأعلاء لدفع الأدنى.
مذهب
ابي يوسف ومحمد صاحبي ابي حنيفة, والمالكية والشافعية والحنابلة:
يحجر على
المدين المفلس ، فإذا طلب الدائنون ديونه واثبتوها وطلبوا من القاضي الحجر, عليه
يجيبهم ويحجر عليه تصرفاته المالية، فيمنعه
البيع والإضرار فيها ، حتى لا يضر بالغرماء، ويبيع القاضي مال المفلس إن امتنع من
بيعها، ويقسمه بين غرمائه بالحصص, واستدل أصحاب هذا المذهب بالآتي:
1-عن بن
كعب عن أبيه أن النبي حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه، وقد جاء في سبل
الإسلام أن الحديث دليل على أنه يحجر الحاكم على المدين التصرف في ماله ،وبيعه عنه
لقضاء غرامته.
2- أن في الحجر على المدين المفلس نضرة للغرماء،
كي لا يلحق بهم الضرر بتبرعاته والاقرار والتلجئة، وهو أن يقر الانسان بمال ثم
ينتفع به من جهته على ما كان
3-البيع
واجب عليه لإيفاء دينه لذا يحبس لأجله، فإذا امتنع ناب القاضي منابه.
اراء
الفقهاء في وقت سماع البينة:
اختلف
الفقها في سماع البينة على الإعسار قبل الحبس أم بعده ، وانقسموا إلى مذهبين:
المذهب
الأول: للإمام ماك والشافعي
واحمد ،وعنهم تسمع البينة قبل الحبس.
المذهب الثاني: للإمام أبو حنيفة ،وعنده لا تسمع الا بعد الحبس.
اعداد الباحث المتدرب/ رضوان عبد الله علي
الجمرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق