المجني عليه, وحقه في استئناف
الأحكام الجزائية
مقدمة
المجني عليه هو من يقع عليه الاعتداء بفعل
مادي, ويوصف في القانون الجزائي (الجنائي) أو في النصوص العقابية المختلفة, بكونه جريمة
توجب عقاب مرتكبها, أما الاستئناف فهو أحد طرق الطعن في الحكم الصادر عن
محكمة أول درجة, يستهدف التظلم من هذا الحكم بطرح الدعوى من جديد, أمام محكمة أعلى
منها درجة .
ويثير استئناف المجني عليه للحكم الجنائي
إشكالية, تدفع بعض الخصوم لمواجهة ذلك الاستئناف بالدفع بعدم القبول, بحجة استئناف
المجني عليه للجانب الجنائي, خاصة في القضايا غير الجسيمة, أو تلك التي لا تؤدي لذهاب
نفس, أو عضو, لذا فإننا سنقوم بتوضيح هذا الموضوع من ناحية قانونية, وفقاً لما تضمنه
القانون الإجرائي اليمني من أحكام, ومبادئ, وقواعد عامة في هذا الخصوص.
مفهوم المجني عليه:
هو الشخص الذي مثل الفعل الإجرامي اعتداء
على حق من حقوقه, أو كلية من الكليات الخمس لديه والتي هي: ( الدين والعقل والنفس والمال
والعرض) ..
إن مفهوم المجني عليه يشير إلى صاحب الحق الذي يحميه
القانون, ويجرم انتهاكه, أو وقوع عدوان مباشر عليه.
ومصطلح المجني عليه يتقاطع بهذا المعنى
مع مصطلح الضحية من جهة, ومصطلح المتضرر من الجريمة من ناحية أخرى، إلا أن المجني عليه
هو أول ضحايا الجريمة، وهو المتضرر الرئيسي منها.
مركزه القانوني أمام المحكمة
الجزائية:
المجني عليه في الدعوى الجزائية,
يستوعب من وجهة نظر المشرع اليمني نوعان هما:
المدعي بالحق الشخصي ، والمدعي بالحق المدني
..
-المدعى بالحق الشخصي: المجني عليه أو
أولياء الدم أو ورثة المجني عليه الشرعيون أو من يقوم مقامه قانوناً.
-المدعي بالحق المدني: كل من لحقه ضرر من
الجريمة مادياً كان أو معنوياً. المادة(2) الإجراءات الجزائية
الطعن حق قانوني أصيل لجميع أطراف
الدعوى:
1- كل حكم
أو قرار يكون قابلا للطعن فيه ما لم ينص القانون على عدم جواز الطعن فيه.
2- يتقرر الحق في الطعن لجميع الأطراف ما لم يقصره القانون
على طرف دون آخر
3- لا يجوز رفع الطعن إلا ممن له صفه أو مصلحة في الطعن. مادة(411) الإجراءات الجزائية
تعتبر الفقرة الثالثة أحد المبادئ التي استقر عليها القضاء, حيث أنه لا يعتبر
الطعن مقبولاً شكلاً, إلا إن استوفى أوصافه الشكلية, من حيث الصفة والمصلحة والميعاد.
وبهذا الصدد ، فإن المجني عليه يعد طرفاُ
أصيلاً من أطراف الدعوى الجزائية؛ وذلك بكونه هو من مسته الجريمة بشكل مباشر, فصار
من حقه أن يطالب ليس فقط بالتعويض المدني كونه مدعٍ بالحق المدني, بل من حقه أن يطالب
بتوقيع العقوبة الجزائية القانونية في حق المتهم، وبالتالي فإن الصفة والمصلحة متوفرة
في الطعن بالحكم, بوصفه مدعي بالحق الشخصي, مجني عليه..
كما إن الصفة والمصلحة ثابتتان له وفقا
لحقه المكفول قانوناً في رفع دعوى التعويض عن الضرر الذي لحقه من الجريمة:
يجوز لكل من لحقه ضرر من الجريمة رفع الدعوى.. المدنية
مهما بلغت قيمتها بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجزائية لنظرها مع
الدعوى الجزائية) فإذا كان المجني عليه قد طالب بحقه المدني في التعويض عن الضرر الناشئ
عن الجريمة أمام محكمة أول درجة فيتقرر له بالتالي حق استئناف الحكم بوصفه مدع بالحق
المدني . مادة(43) الإجراءات
الجزائية
وبهذا يتضح وبجلاء أن القانون قد كفل للمجني
عليه الطعن في الحكم بشقيه الجزائي والمدني..
المراكز القانونية لأطراف الدعوى،
وتأثير ذلك على الطعن بالاستئناف:
لقد عددت
المادة (417) من قانون الإجراءات الجزائية, اطراف الدعوى الجزائية
بخمسة أطراف هم :
1-
النيابة العامة 2- المتهم 3- المدعي بالحق
الشخصي 4- المدعي بالحق المدني 5- المسئول عن الحقوق المدنية.
ويتضح من هذا النص القانوني, غاية المشرع
في التمييز بين المراكز القانونية للمدعي بالحق الشخصي، والمدعي بالحق المدني، ولذا
كان من البديهي أن تتغاير وتتمايز آثار الطعن بالاستئناف أو حتى النقض من طرف لآخر,
إذ أن استئناف المدعي بالحق المدني يجعل ولاية المحكمة قاصرة على نظر الادعاء المدني
فقط, ولا يكون لمحكمة الاستئناف ولاية النظر في الجانب الجزائي إلا في ثلاثة أحوال
:
يجوز لكل من النيابة العامة والمتهم والمدعي
الشخصي والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يستأنف الأحكام الصادرة في الجرائم
من المحاكم الابتدائية, واستئناف المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها لا يطرح على
محكمة الاستئناف إلا الدعوى المدنية. مادة(417) الإجراءات
الجزائية
وطالما أن صدر المادة يجيز لجميع الأطراف
استئناف الحكم ، إلا أن عجزها يقصر استئناف المدعي بالحقوق المدنية, والمسئول عنها
على الجانب المدني فقط, ولذا فإن استئناف بقية الأطراف يكون متعلق بالجانب الجنائي,
ويطرح على محكمة الاستئناف الدعوى الجزائية برمتها، سواء كان ذلك الاستئناف بالتضامن
أو الانفراد، شريطة أن يكون الاستئناف قد قدم خلال المدة المحددة قانونا, على وفق ما
حدده القانون.
ولاية المحكمة الاستئنافية لنظر
الدعوى الجزائية برمتها:
يعتبر اتصال المدعي بالحق الشخصي بالدعوى
الجزائية اتصالاً أكيداً, يثبت له حق المطالبة بتوقيع العقاب على الجاني.
فلا يحكم بالقصاص إلا إذا طلبه ولي الدم ، ولا يحكم
بالأرش إلا إذا طلبه المجني عليه, بل إن أغلب الدعاوى الجزائية الواقعة على الأشخاص,
لا ترفع إلا بناء على شكوى المجني عليه
وقد أكد المشرع اتصال المدعي بالحق الشخصي(المجني عليه) بالجانب الجزائي في
مواضع عديدة من القانون منها ما أوردته المادة
(351) الإجراءات الجزائية إذ قررت حق النيابة في شرح أسباب الاتهام, ووقائع الدعوى,
وقائمة أدلة الإثبات.
كما قررت نفس المادة, حق المدعي بالحق الشخصي في
شرح أسباب الاتهام, ووقائع الدعوى, وقائمة أدلة الإثبات، بل إن نفس النص القانوني من
نفس المادة قد قرر الحق للمدعي بالحق الشخصي في توضيح طلباته عقب عضو النيابة.
يوضع عضو النيابة العامة أسباب الاتهام
و وقائع الدعوى و يطلب تلاوة قائمة شهوده و شهود المتهم فيتلوها كاتب الجلسة و للمدعي
الشخصي إن وجد أو وكيلة أن يوضح أسباب الاتهام أيضا و طلباته عقب عضو النيابة العامة.
مادة(351) الإجراءات الجزائية
وتقرير المشرع جميع تلك الحقوق للمدعي بالحق الشخصي,
يؤكد قطعاً أن اتصال المدعي بالحق الشخصي بالجانب الجزائي, كاتصال النيابة العامة،
وهذا أوجد نوعاً من التوازن بين حقوق المجتمع كمجني عليه عام، وحقوق المجني عليه الفرد،
دون مساس أو إغفال لحقوق المتهم..
وعليه فإن المجني عليه عندما يقدم استئنافه,
إنما يكون قد مارس حقه القانوني في استئناف الحكم الابتدائي المتعلق بجريمة مسته بشكل
مباشر, كما يعد تأكيداً على تمسكه بشكواه في الأصل, وحقه في إنزال العقاب بالمتهم كحق
أصيل, باعتباره مدع بالحق الشخصي, ومدعي بالحق المدني في آن واحد, فإنه يتعين على المحكمة
قبوله سواء استأنفت النيابة, أم لم تستأنف..
وحيث أن المدعي الشخصي له حق الطعن في الحكم
كالنيابة العامة, فإن استئنافه هذا يطرح الدعوى الجزائية برمتها على محكمة الاستئناف،
إذ أن ما يطرح الجانب المدني على محكمة الاستئناف هو طعن المدعي بالحقوق المدنية, و
المسئول عنها فقط, أما استئناف بقية الأطراف, فيطرح الدعوى الجزائية برمتها على محكمة
الاستئناف.
ونخلص أخيرا, إلى القول بأن الجريمة
لها ضحيتان هما:
المجتمع والمجني عليه، والقانون يهدف إلى
حماية كلا الضحيتين معاً، ولذا اعترف القانون اليمني بحق إيجابي للمجني عليه في الدعوى
الجنائية, بدءً من إقرار قيد على النيابة العامة في تحريك بعض القضايا التي تمس المجني
عليه مباشرة بحصول شكوى من المجني عليه، ومروراً بالاعتراف للمجني عليه بدور إيجابي
أثناء المحاكمة، وانتهاءً بالاعتراف بحق المجني عليه في التنازل عن الشكوى في أي وقت
تكون عليه الدعوى وكذا حقه في العفو ولو بعد صدور الحكم, وحقه في استئناف الأحكام والطعن
فيها, ولذا فإن القانون اليمني يعتبر المجني عليه عنصراً أساسياً وفعالاً في الدعوى
الجنائية, له مصلحة في جمع الأدلة, وتقديمها لإدانة المتهم, وعقابه, باعتباره صاحب
الحق الذي انتهكته أو هددته الجريمة, وذلك على غير ما ذهبت إليه بعض القوانين العربية,
من اعتبار المجني عليه طرفاً فقط في الدعوى المدنية المتفرعة عن الجريمة, باعتباره
قد أصابه ضرر مدني من تلك الجريمة، إذ ليس شرطاً أن يترتب عن الجريمة ضرر, يصلح أن
يكون أساساً لتحريك الدعوى المدنية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق