شروط الإرادة الضمنية للتعاقد
أولاً: تعريف الإرادة الضمنية:
عرفها جانب من الفقه: يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا كان
المظهر الذي اتخذه الشخص ليس في ذاته موضوعا للكشف عن الإرادة, ولكنه مع ذلك لا
يمكن تفسيره من دون أن يفترض وجود هذه الإرادة.
وعرفها جانب اخر من الفقه: يكون التعبير ضمنياً عن الإرادة إذا كانت
الوسيلة المستعملة فيه لا تدل بذاتها مباشرة على حقيقة المعنى المقصود ولكن ظروف
الحال تسمح بترجيح المعنى المقصود على غيره من المعاني المحتملة.
وعلافها جانب ثالث من الفقه: يكون التعبير
ضمنياً إذا كان غير متعارف عليه بين الناس ولكنه في ظروف العلاقة الخاصة بين
الطرفين لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تعبيراً عن الإرادة.
ثانياً: خصائص الإرادة الضمنية:
1-الإرادة الضمنية مزدوجة الدلالة:
الإرادة
الضمنية تتضمن دلالة غير مباشرة عن الإرادة الحقيقية وهذا الاستدلال غير المباشر
تستنبط فيه النتيجة أي حقيقة المقصود من أمرين
فالتعبير الضمني عن الإرادة يتضمن مسلكا أو موقفا له دلالة معينة ويكشف عن
مضمون معين إلا ان هذا المضمون لا يمكن التوصل اليه إلا بالأثر السابق المترتب
عليه وهذا الأخير لم يرد في التعبير وهنا يعد القانون ان اتجاه الإرادة إلى
المضمون الأول ينطوي على قبول لهذا المضمون الأخير والموافقة عليه فالتعبير يكون
صريحا فيما يتعلق بالمضمون الأول وضمنيا فيما يتعلق بالثاني وهذا الازدواج في
الدلالة هو المعيار المميز للتعبير الضمني.
2- الإرادة الضمنية قابلة للتفسير الواسع:
يعد
التفسير الواسع من باب التفسير المنطقي ومتفرع عنه حيث ان هدف التفسير المنطقي هو
البحث عن المعنى الحقيقي لألفاظ المتعاقدين سواء كانت صريحة أو غامضة طالما لا
توصل أو تفصح بجلاء عن الإرادة الحقيقية فالتفسير المنطقي يقتفي اثر الإرادة
الحقيقية بشتى الوسائل، والتفسير الواسع لتعابير المتعاقدين الواضحة أو الغامضة
لإزالة اللبس والغموض عنها يستوعب الإرادة الضمنية فلا يجوز اجراء التفسير الواسع إلا
إذا وجد دليل واضح على وجود الإرادة الحقيقة المشتركة لأطراف العقد التي لم يعبر
عنها صراحة في العقد وانما تستشف وتفهم ضمنيا بمعنى ان الإرادة الضمنية لأطراف
العقد توصل بما لا يقبل الشك إلى الإرادة الحقيقة المشتركة التي لم يعبر عنها
صراحة.
3-الإرادة الضمنية مسلكاً إيجابيا:
تعد الإرادة الضمنية مسلكا إيجابيا وكما انها
لا تبدأ من فراغ أي ان هناك مظاهر مادية تكشف عنها بما لا تدع شكا في حقيقة مقصود
صاحبها دلالة واضحة على رضاه فالإرادة الضمنية في حقيقتها ليست مسلكا سلبيا مجردا
وانما تعد مسلكا إيجابيا يستشف ويستخلص من تصرفات الأطراف المتعاقدة.
ثالثا: شروط الإرادة الضمنية:
يستلزم تحديد شروط الإرادة الضمنية بحث شروط
تكوينها اولاً ومن ثم بحث شروط الإرادة الضمنية للتأثير في التعاقد وذلك على النحو
الاتي:
أ-شروط تكوين الإرادة الضمنية:
فالإرادة التعاقدية التي يعتد بها القانون
وترتب اثارا قانونية إذا ما اتحدت مع الإرادة الأخرى وتم التراضي بينهما فالإرادة
تستند إلى الوجود القانوني لها وهذا الوجود هو الذي يحدد معالم تكوينها وتكوين الإرادة
من حيث كونها عنصرا نفسياً تمر بأربع مراحل وهذه المراحل هي:
1-مرحلة التفكير: وهذه المرحلة تتضمن تفكير
الشخص في ابعاد التصرف القانوني المراد القيام به.
2-مرحلة التدبير: وفي هذه المرحلة يدرس الشخص
النتائج المحتملة والتي يمكن ان تترتب على التصرف المزمع القيام به ويوازن بين
الاثار المختلفة التي قد تترتب على ذلك التصرف.
3-مرحلة عقد العزم: وفي هذه المرحلة يقرر
الشخص القيام بالتصرف ويحسم موقفه نهائيا تجاهه وهذه المرحلة هي جوهر الإرادة أو الإرادة
نفسها.
4-مرحلة التنفيذ: وفيها يمضي الشخص قدما في
تنفيذ ما استقر عليه ذهنه في المراحل السابقة وينقل ارادته من ظاهرة نفسية كامنة
في أعماق النفس إلى العالم الخارجي ويعبر عنها بإحدى وسائل التعبير عن الإرادة
لتحدث اثرا قانونيا بوصفها إرادة واحدة كإيجاب وقبول واذا ما اتحدت مع الإرادة
الأخرى واتجهت إلى احداث اثر قانوني انعقد العقد فالإرادة الواعية المرتبة لأثارها
القانونية هي الصادرة عن ذي أهلية وخالية من العيوب والتي إذا اتحدت مع إرادة أخرى
يكون كلاهما مدرك للمحل الذي انصب عليه العقد والسبب المشروع الباعث الدافع إلى
التعاقد.
يتبين من المراحل التي تمر بها الإرادة في
طور تكوينها ان مرحلة عقد العزم تعد جوهر الإرادة ونقطة بداية تكوينها بالشكل
الدقيق لتأتي بعد ذلك مرحلة انعقاد العزم على اجراء التصرف القانوني ومن ثم مرحلة
التنفيذ والتي فيها يتم احداث الأثر القانوني وإعلان الإرادة الباطنة إلى العالم
الخارجي بمظهر مادي ملموس وذلك بإحدى وسائل التعبير عن الإرادة وعند ارتباط ارادتي
طرفي العقد يتم التراضي.
فالإرادة التعاقدية لا تعد ركنا مستقلا من
اركان العقد بل تشكل الإرادة التعاقدية قوام التراضي الذي يعد ركنا مستقلا من
اركان العقد فالإرادة هي أحد ركني التراضي وهي بالنتيجة حجر الأساس الذي يقوم عليه
التراضي ومن ثم العقد الرضائي.
ب-شروط الإرادة الضمنية للتأثير في التعاقد:
الشرط الأول: صحة الإرادة لترتب الأثر
القانوني:
ويقصد بذلك إلا تكون الإرادة المعبر عنها
بالإيجاب أو القبول معيبة بأحد عيوب الإرادة والتي نص عليها القانون كالغلط
والتدليس وكذا إلا تكو الإرادة قد أصابها عارض من عوارض الاهلية كالجنون والعته.
الشرط الثاني: القانون يشترط درجة افصاح
معينة لترتب الأثر القانوني:
قد يتطلب القانون في بعض التصرفات درجة افصاح
معينة للتعبير عن الإرادة كما في حالة اشتراط القانون ان يكون التعبير عن الإرادة
صريحاً وعليه لا يقوم التعبير الضمني مقام التعبير الصريح في الأثر المترتب عنه فالقانون هو الذي
يحدد درجة الإفصاح اللازمة كي توجد الإرادة وتنتج اثرها، وهو الذي يعين طبقاً
لطبيعة الإفصاح ولطبيعة الأثر المتولد منه واللحظة التي تعد عندها الإرادة جدية أي
يعين القانون متى تعد بالنسبة لمن صدرت منه باتة لا يمكن الرجوع فيها ومتى يعد
اظهارها كافياً لسريان اثارها قبل الغير والزامه بها هذه هي مشكلة الاظهار التي
اولاها القانون اهتماما بالغا، فالثابت ان الإرادة عملاً كامناً في النفس لا يعلم
بها إلا صاحبها ولا يعلم غيره بها إلا إذا عبر عنها بمظهر التعبير لتبز للعالم
الخارجي ويعتد بها قانونا فالإفصاح اذن هو المظهر الخارجي المادي للإرادة الكامنة
في النفس، فالقانون ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة نفسية والإرادة لا يكون لها وجود إلا
في العالم النفسي أو العنصر النفسي فاذا اريد ان يكون لها وجود في العالم
الاجتماعي ينبغي ان تتجسم في المظهر المادي لها أو عنصرها المادي وهو ما يستطاع
ادراجه.
وهكذا يتبين ان الإفصاح عن الإرادة من حيث
الأصل لا ينحصر بكيفية معينة بل ان ذلك امر متروك للمتعاقدين، وهذا مقتضى أصل مبدأ
الرضائية في التعاقد ولذا لا يلزم ان يكون الإفصاح عن الإرادة صريحا فليس هناك من
مانع يمنع الأطراف التعاقدية من التعبير عن ارادتهما بطريق أو افصاح ضمني دال على
التراضي باستثناء الحالات التي يشترط القانون فيها ان يكون التعبير صريحا وهنا
يتدخل القانون في تحديد كيفية الإفصاح عن الإرادة وهذا التدخل يهدف إلى مراعاة
وحماية المصالح للأطراف المتعاقدة.
وتبرز أهمية تحديد القانون درجة الإفصاح عن الإرادة
لكي تنتج الأثر القانوني عندما لا يكتفي القانون في التعبير عن الإرادة مجرد
الإفصاح بل يوجب فضلا عن ذلك ان يتخذ التعبير وجهة معينة كتوجيهه إلى شخص معين
واعلامه به وعندئذ يكون علم هذا الأخير بالتعبير جزءا منه لا يتم وجوده القنوني إلا
به.
أيضا من الشروط:
-ان لا يصدر عن الشخص تصريح ينفي قصده من
تعبيره الضمني الذي صدر عنه لان التعبير الصريح أكثر انضباطا من التعبير الضمني
لذا يقدم عليه وقد نص الفقهاء على هذا الامر من خلال قاعدتهم الفقهية: "لا
عبرة للدلالة في مقابلة التصريح"
-ان يكون التعبير الضمني صادقا في تعبيره عن
الرضا وهذا يعني ان يجب ان يكون واضحا في تعبيره وتحقق ذلك الوضوح بواسطة التعبير
الضمني يختلف قوة وضعفا شأنه في ذلك شأن الالفاظ حيث ان الالفاظ الكنائية لا يثبت
حكمها إلا بالنية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال وكذلك التعبير الضمني فانه قد
يجري مجرة اللفظ الصريح فيبنى الحكم على ظاهره دون النظر إلى نية من صدر عنه وقد
يجري في بعض الأحيان مجرى اللفظ الكنائي.
-صدور حركة إيجابية عن أحد الأطراف المتعاقدة
كالإعطاء أو الاخذ أو القيام بأي عمل إيجابي اخر يمكن ان يفصح من خلاله عن الإرادة.
رابعا: وسائل التعبير الضمني:
1-امتثال السكوت: وهو ترك الكلام مع القدرة
عليه وينقسم إلى قسمين السكوت المجرد والسكوت المتحف بالقرينة، ويذهب الفقهاء
عموما إلى الاخذ بالنوع الثاني دون الأول في التعبير عن الإرادة وذلك يتجسد في
القاعدة الفقهية "لا ينسب لساكت قوب، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان"
فهذه القاعدة تدل على ان الأصل هو عدم الاعتداد بالسكوت وان الاعتداد به انما يكون
استثناء إذا صاحبته القرينة.
2-دلالة الحال: وهي الهيئة الظاهرة التي تفيد
مقصود الشخص من تصرفاته ويطلق عليها بعض العلماء الدلالة وتسمى أيضا لسان الحال،
ويؤكد ذلك جملة من القواعد الفقهية كقاعدة "دلالة الحال تغني عن السؤال"
وأيضا قاعدة "للحالة من الدلالة كما للمقالة" فهذه القاعدة نصت بشكل
صريح على جعل دلالة الحال تسد مسد الالفاظ.
3-دلالة الأفعال: لقد اعتد جمهور الفقهاء
خلافا للشافعية بدلالة الأفعال في الكشف عن الرضا ويظهر ذلك فيما يذكرونه من ان
الرضا في العقو يكون بما يصدر من المتعاقدين من قول أو فعل.
خامسا: الفرق بين التعبير الصريح والضمني:
1-التعبير الصريح طرقه ثابتة وموضوعة أصلا
للتعبير عن الرضا بخلاف التعبير الضمني فطرقه متنوعة ودلالته عرفية.
2-التعبير الصريح مستقل بذاته ولا يفتقر إلى
نية أو قرينة من أجل الاعتداد به يقول السرخسي"حكم الصريح ثبوت موجبه بنفسه
من غير حاجة إلى عزيمة" بخلاف التعبير الضمني ففي بعض الأحوال يفتقر إلى
القرائن والظروف الحالية لتستبين دلالته.
3-عند التعارض بين التعبير الصريح والتعبير
الضمني يقدم التعبير الصريح لان الدلالة الوضعية أقوى من الدلالة الاستنباطية
فـ"دلالة الرضا لا تربو على صريحه"
المراجع:
1-النظرية العامة للإرادة الضمنية دراسة
مقارنة أ.د.عباس العبودي جامعة بغداد مجلة العلوم القانونية 2019م.
2-أثر التعبير الضمني في لزوم العقود المالية
د. إبراهيم البكار جامعة سكاريا-تركيا مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث
إعداد/ سمر عبد السلام العريقي
إشراف/ أ. سليمان نبيل الحميري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق