من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الاثنين، 23 مايو 2022

أصل البراءة, وفق القانون اليمني

 

 

 

أصل البراءة, وفق القانون اليمني

 

 

 

المقدمة:

إن أصل البراءة هو من مقاصد التشريع الاسلامي ومن المصالح الضرورية التي يجب الالتزام به والمحافظة عليه، لأنه يصون الحقوق والحريات التي كفلت النصوص التشريعية حمايتها، فقد جاء في الحديث المتفق على صحته بين علماء الأمة:

 قال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم.

لذا كرس فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون مبدأ البراءة في المتهم وأولوها عناية فائقة, ويرجع اهتمامهم بهذا المبدأ إلى التثبت في إثبات الجرائم بكافة أنواعها، سواءً ما كان منها من قبيل الحدود والقصاص, أو ما كان منها من قبيل التعزير, حتى لا يقع تحت طائلة العقاب إنسان لم يرتكب جرماً.

 

 

أصل البراءة وقواعد الإثبات :

يفرض على سلطة الاتهام أن تتحمل وحدها عبء إثبات التهمة ولا تنتظر مساهمة المتهم في ذلك, ويبنى على ذلك أنه لا يجوز إجبار المتهم على أن يقدم شيء لكي يبرئ نفسه, لأن الأصل فيه البراءة, كما لا يجوز أن يتخذ من صمته عنصر تستند إليه في إدانته وإلا كان ذلك قلباً لعبء الإثبات.

 

حماية أصل البراءة أثناء القبض :

يجب ألا ينفذ القبض عليه إلا في الأماكن المخصصة التي يحددها القانون, حيث حرصت المواثيق الدولية والدساتير على تأكيد هذا الحق, حيث لا يحوز حجز الشخص المقبوض عليه في غير الاماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون.

وبناءً على ذلك إذا حجز الشخص المقبوض عليه في مكان غير المخصص للسجون, كأن يكون في غرفة أحدى المؤسسات الحكومية فإن ذلك يعد حبساً بغير حق, حتى ولو كفلت له جميع الضمانات,  وعلة ذلك أن إيداع المقبوض عليه في سجن رسمي يكفل معاملته وفقاً للقانون والاحتفاظ له بالحقوق التي يقررها للسجناء, ويدرأ عنه احتمال تعذيبه أو امتهان كرامته, وهو ما يغلب تحققه إذا أودع في مكان لا يخضع لإشراف السلطات المختصة.

 

الجزاء المترتب على الإخلال بضمانات المساس بالحرية:

يعتبر البطلان الذاتي هو البطلان السائد في القانون اليمني, بالإضافة إلى  أنه أخذ بنظام البطلان المنصوص عليه، أي لا بطلان بغير نص, حيث نصت المادة (396) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:

 (يقع باطلاً كل إجراء جاء مخالفاً لأحكام هذا القانون إذا نص القانون صراحة على بطلانه, أو إذا كان الإجراء الذي خولف أو أغفل جوهرياً).

 

فمتى يكون الإجراء جوهري يترتب عليه البطلان, ومتى يكون غير جوهري لا يترتب عليه البطلان؟

من قبيل الإجراء الجوهري نصت المادة  (مادة 92) من قانون الإجراءات على:

(ضمان تحرير محضر جمع الاستدلالات والتوقيع عليه من مأمور الضبط القضائي, وبيان وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها, وتوقيع الشهود والخبراء على محضره)

ومن قبل الإجراءات الجوهرية في القانون اليمني, وجوب السماع الفوري لأقوال المتحفظ عليه, وإحالته مع المحضر الذي يحرر بذلك في مدى أربع وعشرين ساعة, وكذلك من الضمانات الجوهرية التي يترتب على مخالفتها البطلان, حق الاستعانة بمدافع في كافة مراحل القضية الجزائية.

 المادة (105، 109) إجراءات جزائية يمني.

 

ضمان الحق في الصمت:

الحق في الصمت هو عبارة عن حق قانوني للمتهم يمكنه من السكوت, أو الامتناع عن الإجابة على ما قد يوجهه من أسئلة أو استجواب من قبل جهة التحقيق في جريمة  من الجرائم, دون ان يفسر صمته على انه قرينه ضده, فالصمت حق له ولا يجوز أن يضار شخص لممارسته حق له.

وبناءً على ذلك فإن الصمت حق للمتهم في عدم الكلام أو اتخاذ موقف سلبي تجاه كل إجراء أو أكثر, يهدف إلى جمع الأدلة لاتهامه أو إثبات إدانته, وهو حق طبيعي يتلازم مع حق الإنسان في الكلام, ويترتب على ذلك التزام يقع على عاتق السلطة المعنية باحترام هذا الحق وعدم التعرض له, وإتاحة الفرصة كاملة لممارسته دون عوائق, ومن ثم فإن أي انتهاك أو اعتداء على هذا الحق هو في ذات الوقت يشكل ـ بطريقة غير مباشرة ـ اعتداءً على أصل البراءة, ويستوجب العقاب.

نص الدستور اليمني في الفقرة الأخيرة من المادة (48) على أنه:

 (... للإنسان الذي تقيد حريته الحق في الامتناع عن الإدلاء بأية أقوال...)

ونصت المادة (9/2) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:

 (يجب على مأمور الضبط القضائي والنيابة العامة والمحكمة أن ينبهوا المتهم إلى ماله من حقوق تجاه التهمة الموجهة إليه وإلى وسائل الاثبات المتاحة له, وأن يعملوا على صيانة حقوقه الشخصية والمالية) ومن حقوقه الشخصية حقه في الصمت.

كما نصت المادة (178) إجراءات جزائية:

(لا يجوز تحليف المتهم اليمين الشرعية ولا اجباره على الاجابة, ولا يعتبر امتناعه عنها قرينه على ثبوت التهمة ضده .

 كما لا يجوز التحايل أو استخدام العنف أو الضغط بأي وسيلة من وسائل الاغراء والإكراه لحمله على الاعتراف)

ونصت المادة (182) على أنه :

 (عند حضور المتهم لأول مره في التحقيق يجب على المحقق أن يتثبت من شخصيته, ثم يحيطه علماً بحقيقة التهمة والوقائع المسندة إليه, وتعريفة بأنه حر في الادلاء بأية ايضاحات, ويثبت اقواله في المحضر)

هذه النصوص جميعها تقطع بما لا يدع مجالاً للشك على أنه من حق المتهم أن يلتزم الصمت, في كافة مراحل الإجراءات الجنائية في القانون اليمني.

 

ضوابط المحاكمة المنصفة:

أولاً: توخيها الأسس التي تقوم عليها صون كرامة الإنسان, وحماية حقوقه الأساسية :

ويقصد بالحقوق الأساسية هي تلك الحقوق المقدسة التي يتعين حمايتها لصالح الإنسان, من عدوان السلطة العامة داخل الدولة التي يخاطب هذا الإنسان بأحكامها, والتي وردت في القواعد الدولية لحقوق الإنسان, باعتبارها القاسم المشترك بين بني البشر دون تمييز بينهم لأي سبب من الأسباب, وباعتبار حمايتها الملزمة للدول كافة تمثل الحد الأدنى الذي لا يجوز النزول عنه مطلقاً, للحفاظ على إنسانية الإنسان وكرامته المتأصلة في شخصه.

ثانيا: اتصالها بالحرية الشخصية:

من خصائص المحاكمة المنصفة أنها وثيقة الصلة بالحرية الشخصية, فالقضاء باعتباره الحارس الطبيعي لحماية الحرية الشخصية وسائر الحقوق والحريات, يعمل على التوازن بين حماية الحرية الشخصية من جهة, وحماية حق المجتمع في الأمن والسكينة دون إفراط أو تفريط, فإذا كان المجتمع يهمه إدانة المجرمين ومعاقبتهم فإنه يتأذى من أن يدان بريء, وهو في هذه الأخير أشد وأظلم من إفلات مجرم من العقاب.

ومن الواضح أن حماية الحرية الشخصية خلال الخصومة الجنائية, لا ينال منها سوى الإدانة التي تصدر عن محاكمة منصفة تحترم فيها كافة الضمانات, وفي مقدمتها حقه في أصل البراءة وكفالتها حقوق الدفاع.

ثالثا: اعتمادها على قيم دستورية تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية وفي مقدمتها أصل البراءة:

لا تتحقق محاكمة منصفة ما لم يتم الاعتماد على أصل البراءة عند إدارة المحاكمة, فمعاملة المتهم بما يشير إلى أنه مذنباً, أو حرمانه من حق الدفاع, أو عدم إفساح المجال أمامه لمناقشة الشهود أو حقه في استدعاء شهود نفي, أو عدم محاكمته أمام قاضيه الطبيعي كل ذلك يخل بأصل البراءة، وبالتالي تصبح المحاكمة خالية من معايير العدل والإنصاف.

 

أصل البراءة في ضوء قواعد الخصومة الجنائية:

يهيمن أصل البراءة على كافة مراحل الدعوى المختلفة, ولا يقتصر إعماله على مرحلة دون أخرى، فهو ينطبق على المشتبه فيهم قبل اتهامهم رسمياً بارتكاب أية جريمة, تمهيداً لتقديمهم للتحقيق والمحاكمة, ويستمر هذا الحق قائماً إلى أن يتم تأييد حكم الإدانة وصيرورته باتاً.

ويهدف أصل البراءة في المقام الأول إلى حماية الحرية الشخصية للمتهم عند اتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهته, وذلك بالنظر إليه على أنه برئ مما نسب إليه من اتهام, ويجب على السلطة التي تمارس الإجراءات الجنائية أن تعامله على هذا الاساس, فلا يجوز لها أن تحيط المتهم بسمات تشير إلى أنه مذنب أثناء سير الإجراءات مما يؤثر على حقه في أصل البراءة, وأن لا يخضع لمعاملة مهينة أو حاطه من الكرامة أثناء التحقيق معه أو محاكمته، كما يتطلب ذلك مراعاة الضمان القضائي فيما يتخذ ضده من إجراءات وإخضاعه لمحاكمة منصفة بكافة ضماناتها.

ويفرض هذا الأصل على القاضي أن يدير المحاكمة دون أن يكون له رأي مسبق حول إدانة أو براءة المتهم الماثل أمامه, ويجب أن يضمن أن يتفق سير المحاكمة مع الالتزام بهذا المبدأ.

كما يجب الحرص على ألا يحاط المتهم بسمات تشير إلى أنه مذنب أثناء المحاكمة مما قد يؤثر على أصل البراءة, ومن ذلك وضعه في قفص بقاعة المحكمة وتكبيل يديه أو قدميه بالأصفاد أو الأغلال, أو إرغامه على ارتداء ثياب السجن في قاعة المحكمة.

ويقتضي حماية الحق في أصل البراءة أن يتحاشى القضاة أي تحيز مسبق ضد المتهم, وينطبق هذا أيضاً على جميع الموظفين العموميين الآخرين, ومعنى هذا أن على السلطات العامة خاصة النيابة العامة والشرطة, أن تمتنع عن الإدلاء بأية تصريحات عن إدانة المتهم أو براءة المتهم قبل صدور الحكم عليه، كما يعني هذا أيضاً ان على السلطات منع أجهزة الاعلام الاخبارية أو غيرها من التنظيمات الاجتماعية من التأثير على نتيجة الدعوى بمناقشة حيثياتها علانية.

 

 

حق الاستعانة بمحام:

يعد حق المتهم في الاستعانة بمدافع أحد فروع حق الدفاع, حيث يتسع هذا الأخير ليشمل الحق في الصمت وحق العدول عن الأقوال, ومن ثم فأن حق الاتصال بمدافع هو من الحقوق الممهدة والمتممة لحقوق الدفاع.

ويرتبط هذا الحق ارتباطاً وثيقاً بأصل البراءة, إذ أن كفالة الاستعانة بمدافع يعد وسيلة رئيسية لضمان حماية الحق في أصل البراءة المكفول لكل من يشتبه فيه أو يتهم بارتكاب افعال جنائية, وبالتالي فإن ضمان هذا الحق هو ضمان لأصل البراءة.

ولذلك يعد الإخلال بحق المتهم في الاستعانة بمدافع إخلالاً بأصل البراءة, مما يخل بالقواعد المبدئية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة, ومصادماً للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة.

نصت المادة (181) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على:

 (لا يجوز للمحقق في الجرائم الجسيمة ان يستجوب المتهم أو يوجهه بغيره من المتهمين أو الشهود, إلا بعد دعوه محامية للحضور إن وجد, وعليه أن يخطر أن من حقه إلا يجيب ألا بحضور محامية)

 

ولكي تتحقق الفائدة من الاستعانة بمحام كركيزة لحق الدفاع, فإنه لا يجوز إعاقة هذا الاتصال بأية صورة ومهما كانت الدوافع, فلا يسوغ لسلطة الاتهام أو رجال الشرطة حضور مقابلة المتهم لمحاميه, كما لا يجوز إخضاعها لأية رقابة محسوسة أو مستورة, حتى لا تنتهك سرية اتصالات الدفاع بموكله مما يفقدها قيمتها.           

ويتفرع عن ذلك  أن المشرع كفل حماية ما يصل إلى علم المحامي من أسرار تخص موكله, وكذلك حظر ضبط ما لدى المدافع أو الخبير من أوراق أو مستندات يكون سلمها المتهم لهما, لأداء المهمة المعهود إليه بها وحق الدفاع عن حقوق المتهم.

 

المصادر والمراجع:       

-قانون الإجراءات الجزائية اليمني.

-الحماية الجنائية للحق في أصل البراءة "دراسة مقارنة" د/ عبد المنعم سالم شرف الشيباني

-دور المحكمة الدستورية العليا في إقرار مبادئ العدالة الجنائية, د. حامد راشد

-الحماية الجنائية لحقوق المتهم وحرياته دراسة مقارنة ـ د/ محمد رشاد الشايب.

 

 

 

ليست هناك تعليقات: