من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

مدى جواز التنصيب من قبل المحكم

  

مدى جواز التنصيب من قبل المحكم

 

تمهيد:

بداية نتطرق لكيفية التنصيب في قانون المرافعات ثم بعد ذلك نبحث مدى جواز التنصيب من قبل المحكم

المــادة(116):

إذا حضر المدعي ولم يحضر المدعى عليه رغم إعلانه إعلانا صحيحا، أمرت المحكمة بإعلانه مرة اخرى، فإذا لم يحضر بعد إعلانه إعلانا صحيحا للمرة الثانية بدون عذر شرعي مقبول أمرت المحكمة باستدعائه بواسطة الشرطة القضائية مع توقيع غرامة مناسبة عليه، فإذا ثبت غيابه أو فراره نصبت المحكمة منصوبا عنه من اقاربه أو اصهاره حتى الدرجة الثالثة إن أمكن والا فمن المحامين, والا فمن تراه المحكمة، وتنظر الدعوى في مواجهة المنصوب الذي يعتبر نائبا عن المدعى عليه، ويكون للمنصوب الرجوع على المدعى عليه باجره الذي تقدره المحكمة بناء على طلبه، واذا حضر الخصم اثناء نظر الدعوى نظرت في مواجهته وله حق الدفاع وينحى المنصوب إلا أن يقره الخصم وكيلا عنه .

أما في قانون الاثبات فقد أشار للتنصيب في حال تخلف المدعى عليه أو غيابه فقد نصت  مادة(10) ينصب الحاكم منصوبا عن المدعى عليه الممتنع عن الحضور أو الغائب وفقا لقانون المرافعات.

وبعد أن عرفنا حالات التنصيب من قبل القضاء نبحث عن جواز ذلك للمحكم باعتباره شخصا تراضى الأطراف عليه ليفصل في النزاع القائم بينهم من دون القضاء.

بداية نشير لنص المادة 35 من قانون التحكيم المصري التي نصت على:

(إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم في النزاع استنادا لعناصر الإثبات الموجودة أمامها)

وعلى هذا فانه إذا عقدت هيئه التحكيم جلسه مرافعه ولم يحضرها المدعي أو المدعي عليه أو تخلف الطرفان عن حضورها فلا اثر لعدم حضورهم على نظر الدعوى, ولا تنطبق قواعد الحضور والغياب التي ينص عليها قانون المرافعات ولا تقضي الهيئة ابدا بشطب الدعوى التحكيمية, فتستمر الهيئة في نظر الدعوى رغم هذا الغياب وتصدر حكمها في النزاع ولو لم يحضر أحد الاطراف أية جلسه من الجلسات مكتفيه بما قدم لها من وقائع وادله اثبات.

     (دكتور فتحي والي: قانون التحكيم في النظرية والتطبيق استاذ قانون المرافعات عميد كليه الحقوق جامعه القاهرة سابقا محامي ومحكم الطبعة الاولى 2017 م الناشر منشاة المعارف بالإسكندرية صفحة  337).

أما في حالة وفاه الخصم أو فقد اهليته أو زوال  صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين فتنقطع الخصومة في التحكيم, ويقوم المحكم بإخطار ورثة المتوفي أو من يقوم مقامهم بقيام الخصومة أمامه بخطاب مسجل بعلم الوصول أو بالوسيلة المتفق عليها بين الخصوم لإجراء الاعلان والتبليغ ومن الجائز قيام الخصم اعلان ورثه خصمه أو من يقوم مقامهم بقيام الخصومة أمام المحكم وانما لا يستأنف ميعاد صدور حكم المحكم سيره إلا من تاريخ علم المحكم بزوال سبب الانقطاع اي بحلول الورثة محل مورثهم, وتعيين وصي للقصر أو تعيين قيم على المحجور عليه أو تعيين النائب عن الخصم.

           ( دكتور احمد ابو الوفاء: التحكيم في القوانين العربية «خاصه في القانون الكويتي» كليه الحقوق جامعه الفيوم مراجع قانونيه طبعة 2015 الناشر مكتبه الوفاء القانونية الإسكندرية صفحه 71).

وبالتالي إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور اي من الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات, يجوز لهيئة التحكيم الاستمرار في اجراءات التحكيم واصدار حكم في النزاع استنادا الى الأدلة المتوافرة لديها.

         (تامر محمد خير خلف العبيات: اجراءات التحكيم: قدمت الرسالة استكمالا للحصول على درجه الماجستير في القانون الخاص كليه الحقوق جامعه الشرق الاوسط 2019 ميلادي صفحه 42)

وقد نصت ماده 262 مرافعات عراقي على انه في حالة وفاه أحد الخصوم أو في حالة عزل المحكم أو في حالة طلب رد المحكم فإن الميعاد يمتد إلى المدة التي يزول فيها هذا المانع, ولا تعود الى سيرها إلا بعد زوال التوقف بعد تبليغ اطراف التحكيم حيث يجري تبليغ الورثة في حالة الوفاه أو في حالة عزل المحكم الى أن يتم تعيين المحكم البديل, والسبب في التوقف أن الفصل في النزاع عن طريق التحكيم ينبغي أن لا يكون في غفله من أحد طرفي التحكيم والا كان قرار التحكيم باطلا مقررا لمصلحه هذا الطرف.

           (ياسمين خيري يوسف: أثر النظام العام على اتفاق التحكيم  في القانون العراقي دراسة مقارنة. رساله ماجستير نيقوسيا جامعه الشرق الادنى كليه الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية برنامج القانون صفحه 140).

 ويجوز للمحكم الحكم بناء على ما يقدمه طرف واحد إذا تخلف الاخر عن تقديم مذكره بدفاعه ومستنداته في ذلك الموعد, ويجب على المحكم قبل القيام بذلك أن يتحقق من صحه تبليغ الخصم بجلسه التحكيم أو بتقديم مذكره الدفاع والا كانت الاجراءات باطلة.

      (د/أحمد أبو الوفاء: مرجع سابق صفحه 66)

 

وقد نصت مادة 12 من قانون التحكيم اليمني على عدم انقضاء التحكيم بوفاة أحد الخصوم ونصها كما يلي:

«مادة(12) لا ينقضي التحكيم بوفاة أحد الخصوم وإذا كان في الورثة ناقص أهلية فأن التحكيم ينقضي إلا إذا استمر فيه وليه أو وصيه أو أذنت فيه المحكمة للمنصوب عنه بالاستمرار فيه ويتبع ما تقدم إذا فقد المحتكم أهليته قبل صدور حكم التحكيم».

وبالتالي فإن الوفاة ليست سبب لانقضاء التحكيم وإنما سبب لانقطاع الخصومة.

 كما نصت مادة 44 من قانون التحكيم اليمني:

 «تنقطع الخصومة أمام لجنة التحكيم لقيام أحد أسباب الانقطاع الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية ويترتب على ذلك الآثار التي ينص عليها ذات القانون»

وبالرجوع لقانون المرافعات نجد نص  المــادة(207

): إذا توفى أحد الخصوم أو فقد اهلية التقاضي أو زالت صفته في مباشرته اجراءات التقاضي قبل قفل باب المرافعة في الخصومة، انقطع سير الخصومة وامتنع على المحكمة نظرها، اما إذا توفى الوكيل في الدعوى أو انقضت وكالته فلا ينقطع سيرها وانما يكون للموكل تعيين وكيل آخر وللمحكمة إذا قبلت عذر الخصم أن تمنحه اجلا لذلك .

والخلف العام هو من يخلف سلفه في الالتزامات والحقوق وخير مثال للخلف العام هو الوارث أو الموصي له بنسبه معينه من التركة, وبالتالي فان انصراف اثار العقد الى الخلف العام يكون في حدود ما تسمح به قواعد الميراث فالحقوق تنتقل الى الوارث, اما الالتزامات فيحكمها دائما مبدا لا تركه إلا بعد سداد الديون وبعدها تنتقل التركة خالصه الى الوارث ولكن هناك استثناءات لا تنصرف فيها اثار العقد الى الخلف العام مثل عقد العمل أو عقد الوكالة تنقضي بموت الموكل أو الوكيل وحاله العقود التي لها طبيعة خاصه التي يراعى فيها شخص المتعاقد أو صفه خاصه به فهو ينقضي بموت الملتزم كالتزام الفنانين والمحامين والمهندسين والاطباء وحق الانتفاع ينقضي بموت صاحبه وحاله الاتفاق على عدم انصراف اثار العقد الى الخلف.

          ( دكتور شهاب فاروق عبد الحي عزت: التحكيم في منازعات المشروعات المقامة بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص الطبعة الاولى 2014 م دار النهضة العربية القاهرة صفحة 243).

وقد أشارت مادة 41 من قانون التحكيم اليمني على حالة أخرى وهي تخلف المدعى عليه عن الحضور أو عن تقديم دفاعه كما يلي:

مادة(41) إذا تخلف الطرف المدعي عن تقديم بيان دعواه تنهي لجنة التحكيم كافة إجراءات التحكيم ولها الحق في مطالبته بدفع كافة النفقات المترتبة على بدء الإجراءات وإنهائها وإذا تخلف الطرف المدعي عليه عن تقديم بيان دفاعه تواصل لجنة التحكيم الإجراءات ولا يعتبر تخلف الطرف المدعى عليه قبولا بما ورد في بيان الادعاء وإذا تخلف أحد الطرفين عن حضور جلسة أو اجتماع أو تخلف عن تقديم الأدلة المطلوبة منه فانه يجوز للجنة التحكيم الاستمرار في الإجراءات وإصدار حكمها في المنازعة استنادا إلى الأدلة المطروحة أمامها بحيث لا يخل ذلك بحقوق الطرفين التي تنظمها أحكام هذا القانون.

 

هناك إشكاليات تكتنف قانون التحكيم اليمني ومنها إشكالية حدود صلاحيات المحكم في الإحضار القهري للخصوم والتنصيب, وكذا إشكالية تفسير وتطبيق حالتي بطلان حكم المحكم إذا كانت إجراءاته غير صحيحة أو مخالفة للنظام العام ؛ فهاتان الحالتان عامتان مبهمتان ولذلك فان التطبيق القضائي لهاتين الحالتين يكشف الغموض الذي يكتنف حالتي بطلان حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام.

      (أ.د عبد المؤمن شجاع الدين: عدم حضور المدعى عليه يبطل حكم التحكيم. الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء.)

وقد أشار الدكتور عبد المؤمن  إلى الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا  في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/7/2011م في الطعن المدني رقم (41992) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في:

 أن خلافاً حدث بين مجموعة من الأشخاص بشان ملكية مقلع حجارة (مضراب) يتم استخراج الحجارة منه وبيعها ؛ فقام الأشخاص المختلفون بتحكيم شيخ للفصل في الخلاف ؛ وقد اصدر المحكم حكمه الذي تضمن  في اسبابه :

 أن المحكم قام بالانتقال إلى المضراب محل الخلاف لتطبيق بصائر المحتكمين على موضع النزاع وان المدعى عليه  تغيب عن حضور ذلك الموقف كما انه قد تغيب عن حضور جلسات المحاكمة  بعد إعلانه طبقاً للمادة (116) مرافعات, كما ورد في حكم التحكيم أن المدعى عليه  لم يحضر ولم يبرز ما لديه من مستندات ، وقد توصل المحكم إلى الحكم ( بان الملك لجميع المضراب للمشتري... لسابق شرائه على المشترين الآخرين؛ وعليهم  تسليم عائد ما استغلوه من تاريخ اغتصابهم للمضراب  بالإضافة إلى رفع أيديهم عن المضراب) فقام المدعى عليه المحكوم عليه  قام بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم أمام محكمة الاستئناف التي قبلت دعواه وحكمت ( بقبول دعوى البطلان وإلغاء حكم التحكيم وبأنه من له دعوى قدمها أمام المحكمة المختصة ) وقد جاء في أسباب الحكم ألاستئنافي (ومن حيث الموضوع فالظاهر أن حكم المحكم قد استند إلى مستندات الخصوم المضمنة حرفيا في الحكم وأما مدعي البطلان فقد ورد في حكم المحكم :

 أنه لم يحضر رغم إعلانه وقرر المحكم التنصيب عنه ثم جاء في الحكم : أن المدعي بالبطلان: مفلس من البرهان ومغتصب للمضراب مما يدل أن المدعي بالبطلان لم يحضر أمام المحكم ولم يبرز مستنداته وتم النصب عنه من قبل المحكم إجراء باطل لمخالفته القانون واستدلاله بالمادة (116) مرافعات في غير محله  مما يجعل الحكم جديراً  بالإلغاء)  فلم يقبل المحكوم عليه  بالحكم ألاستئنافي فقام بالطعن في الحكم ألاستئنافي أمام المحكمة العليا التي رفضت الطعن وأقرت الحكم ألاستئنافي ، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا ( أن ما أثاره الطاعن في طعنه قد سبق له أن أثاره أمام محكمة الموضوع  التي ناقشت مناعيه تفصيلاً فلا يجوز له أثارة هذه المسائل الموضوعية أمام المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون.

وقد علق الدكتور عبد المؤمن على الحكم السابق وذكر في تعليقه أن عدم حضور الخصم  جلسات التحكيم يعتبر من تطبيقات حالة بطلان حكم التحكيم لمخالفته النظام العام :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد أبطل حكم التحكيم الذي صدر من غير أن يحضر المدعى عليه جلسات التحكيم أو ينيب عنه من يحضر هذه الجلسات ويقدم أدلته ومستنداته ويباشر حقه في الدفع والدفاع في مواجهة الدعاوى المقدمة ضده من خصومه  بعد أن تتم مواجهته بها ، لأن عدم حضوره بمثابة أهدار لمبدأ حق الدفاع ومبدأ المواجهة وهما من المبادئ الحاكمة للتقاضي أي إنهما من النظام العام حسبما ورد في الفصل الرابع من قانون المرافعات بعنوان (المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي) ومن هذه المبادئ مبدأ المساواة, المقرر في المادة (16) مرافعات فعدم حضور المدعى عليه  وحضور خصومه يعني أهدار لمبدأ المساواة ، أضافه إلى أن عدم حضور المدعى عليه وحضور خصومة أهدار لحق الدفاع المكفول المنصوص عليه في المادة (17) مرافعات.

(أ‌.            د/عبد المؤمن شجاع الدين: المصدر السابق)

أما بخصوص إمكانية التنصيب عن الخصوم من قبل المحكم : فقد علق الدكتور عبد المؤمن على الحكم السابق بما يلي:

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد صرح بان قيام المحكم بالتنصيب عن المدعى عليه كان فهماً خاطئاً للمادة (116) مرافعات التي تناولت أحكام التنصيب، وهذا يقتضي الإشارة بإيجاز إلى طبيعة التحكيم التي تختلف عن القضاء حيث أن القضاء يقوم على الجبر  والتحكيم يقوم على الاختيار مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ولذلك فان سلطة المحكم في التنصيب تكون مقيدة قياساً بالقاضي ، بالإضافة إلى هذا فان المحكم  عند قيامه بالتنصيب لم يراعي شروط التنصيب المنصوص عليها في المادة (116) مرافعات  فلم يكن المحكم موفقاً حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا فالمحكم لم يتبع الإجراءات المنصوص عليها في تلك المادة بشأن التنصيب عن الخصوم حيث كان يتوجب على المحكم بمقتضى تلك المادة أن يقوم أولاً بإعلان المدعى عليه بالحضور إعلانين صحيحين بواسطة المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع فان لم يحضر المدعى عليه  بعد الإعلانين الصحيحين كان من الواجب على المحكم أن يطلب من المحكمة استدعاء المدعى عليه بواسطة الشرطة القضائية الخ.

 

إعداد/ جهد الدين الصلاحي

إشراف المحامي/ سليمان الحميري

 

ليست هناك تعليقات: