إن إبداعات الفكر البشري تستوجب الحماية القانونية بجميع أشكالها وأنواعها، فالملكية الفكرية هي حقك الأصيل في حماية أفكارك وإبداعاتك التي تساهم في تشكيل العالم من حولك فهل تساءلت يوماً كيف تستطيع حماية أفكارك وجهدك وإبداعك الشخصي؟ لتعرف ذلك تابع سلستنا التي ستتناول حق المؤلف وفقاً للنظام القانوني اليمني الذي نظم حق المؤلف والحقوق المجاورة له في القانون رقم (15) لسنة 2012م، فحماية الابداع البشري يدخل تحت إطار الملكية الفكرية التي تقوم على مبدأ أساسي مفاده أنه لا توجد ملكية أهم وألصق بالإنسان من إنتاجه الذهني وهذه الملكية تنقسم الى قسمين القسم الأول الملكية الصناعية وهي براءات الاختراع والعلامات التجارية والاسماء التجارية وغيرها، والقسم الثاني هو حق المؤلف والذي يتعلق بالإبداعات الأدبية والفنية والتكنولوجية مثل: الكتب، والموسيقى، والرسم، والاعمال السينمائية، وبرامج الحاسوب، وسيكون تركيز سلسلتنا على الجانب الأدبي فقط كون المجلة أدبية، ونأمل أن تكون هذه السلسلة كافية لإفادتكم كمؤلفين وأدباء وقُراء لهذه المجلة بأبرز وأهم المعلومات حول حقوق المؤلفين والكتاب.
في مقال هذا العدد الذي سيكون كمدخل تعريفي لحق المؤلف سنتناول مفهوم
المصنف الخاضع للحماية القانونية وشروطه.
لقد عرف قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة اليمني المؤلف في المادة
الثانية منه بقوله: [المؤلف: كل مبدع ابتكر بجهده أياً من المصنفات
الأدبية أو الفنية أو العلمية ويعتبر مؤلفاً الشخص الذي ينسب إليه المصنف سواءً
كان ذلك بذكر اسمه على المصنف أو بأي طريقة أخرى] وعرف المصنف: [أي عمل
أدبي أو علمي أو فني مبتكر أياً كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته
أو الغرض منه]. ومن خلال التعاريف السابقة يتبين أن شرط المصنف هو الابتكار!
إن الابتكار هو صفة لازمة في المصنف فلا يحظى بالحماية القانونية المقررة
إلا إذا كان متصفاً بالابتكار، غير أن ذلك لا يحتم أن يكون المصنف مبتدعاً لشيء
جديد لم يسبق إليه أحد، أو متضمناً لشيء من الأشياء التي تعد من قبيل الخوارق أو
المعجزات، وإنما يكفي أن يضيف المصنف شيئاً جديداً معبراً عن جهد ذهني حقيقي
للمؤلف، سواءً كان ذلك في عرضه لجوهر الفكرة التي يتضمنها المصنف أم في أسلوب
عرضها وتناولها أم في ترتيبها وتبويبها على نحو تبرز فيه شخصيته وذاتيته، فيصح
نسبة ذلك إليه وحده دون غيره من الأشخاص، ولهذا يوجد فرق بين الجدة والابتكار،
فالابتكار يعني استحداث الفكرة ذاتها أو تطويرها وأن سبق إلى استحداثها غيره أياً
كان شكل هذا التطوير ودرجته، أما الجدة فتعني استحداث الفكرة ذاتها من غير أن
يسبقه إليها أحد غيره وبالتالي فإن شرط المصنف الابتكار لا الجدة.
فالابتكار شرطٌ أساسيٌ وضروري لحماية المصنف، وهذا الشرط تجمع عليه
الاتفاقيات الدولية والقوانين ومنها القانون اليمني، وهو الشرط والمعيار الوحيد للحماية
القانونية للمصنف بغض النظر عن أي شيء آخر.
فلا يشترط أي إجراء شكلي كالإيداع وغيره حتى يحظى المصنف بالحماية وهو ما
نصت عليه المادة(3) الفقرة (أ) من قانون حق المؤلف اليمني: [تتمتع بحماية هذا
القانون المصنفات المبتكرة في مجالات الآداب والفنون والعلوم أياً كان نوعها أو
شكلها أو قيمتها أو طريقة التعبير عنها أو الغرض من تأليفها وذلك بمجرد ابتكار
المصنف دون الحاجة إلى أي اجراء شكلي آخر] والمادة (50) بقولها: [لا
يترتب على عدم القيام بالإيداع الاخلال بالحماية المقررة لحق المؤلف والحقوق
المجاورة طبقاً لأحكام هذا القانون]. لأن الحماية تنبع من الابداع والابتكار
نفسه لذلك فالاعتراف الإداري غير مهم بالنسبة لها.
ولا يشترط أي مواصفات للمصنف حتى يحظى بالحماية، كاشتراط نوع معين للمصنف،
فقد يكون مصنف أدبي، أو موسيقي، أو فني، أو سمعي، أو بصري، أو برنامج حاسب آلي، أو
التسجيل الصوتي والمصنفات المشتقة، وكل فئة تتضمن عدة أصناف فالمصنفات الأدبية قد
تكون سياسية أو قانونية أو درامية او كوميدية....إلى آخره، والأعمال الموسيقية قد
تكون شرقية أو غربية كلاسيكية أو مودرن فلامنغو أو جاز أو حتى راب، والاعمال
الفنية أو ما يطلق عليها بأعمال الفن البلاستيكي فقد تكون منحوتات أو لوحات رسم
تشكيلي أو تجريدي أو انطباعي وغير ذلك، والمصنفات المشتقة هي وفقاً لنص المادة(2):
[المصنف الذي يستمد أصله من مصنف سابق له في الوجود] وهي الكتب المترجمة عن لغة
اجنبية.
ولا يشترط شكل معين للمصنف فقد يكون خطياً ضمن كتاب أو صحيفة أو على صفحات
الانترنت أو شفاهة، كالمحاضرات، والمرافعات، والخطب، والمواعظ الدينية، أما المصنفات
الموسيقية قد تكون مصحوبة بكلمات وقد لا تكون وقد تكون مكتوبة كنوتة أو مؤداة على
المسرح أو مسجلة على أسطوانات، والأعمال الفنية قد تكون رسم، أو نحت، أو زخرفة، فأشكال
التعبير لا يمكن للقانون أن يحصرها لأن ابداعات العقل البشري لا تتوقف عند حد معين.
ولا يشترط أن يكون للمصنف قيمة، فالقانون لا يقر الحماية للإبداعات
المتميزة فقط، كروائع جبران خليل جبران، وطه حسين، ومحمود درويش، والرافعي، فهو لم
يوضع لحماية أعمال النخبة والعباقرة دون غيرهم عن رسم على ورقة دفتر أو على جدار
يتمتع بالحماية مثل أي لوحة لرسام كبير كبيكاسو مثلاً! فالقيمة النوعية للمصنف
سواء كانت جيدة أم رديئة لا يعتد بها ولا يحق للقاضي التوقف عندها في تقريره
للحماية وإلا لكانت الحماية اعتباطية مرتبطة بذوق واهواء القاضي وميوله النفسية
والسياسية، الأمر الذي يؤدي إلى الاخلال بالمساواة بين المؤلفين أمام القضاء،
فالقاضي ليس بالناقد الفني أو الأدبي، ولا يحق له محاكمة العمل، فالمصنف الرديء هو
محمي تماماُ، كالمصنف العظيم الشأن، والمصنف الذي أمضى عمره في تأليفه وإعداده
يستوي في الحماية مع مصنف ثمرة دقائق معدودة.
كذلك الأمر في القيمة الكمية ليس لها أي أثر على الحماية القانونية،
فالموسوعة المؤلفة من عشرات الأجزاء والألاف من الصفحات تتساوى بالحماية مع بضع
أبيات من الشعر أو حتى مع بيت واحد أو مع عنوان أصيل.
كما لا يشترط أن يتكون هناك غاية معينة للمصنف، كما لو أعد لغايات تجارية
أو إعلانية أو أي غاية وغرض في نفس المؤلف، فالمشرع لا يهتم بغاية العمل لتقرير
الحماية القانونية ولا عبرة للتميز بين عمل فني صرف وعمل آخر ذات طابع منفعي.
أيضاً لا يشترط أن تشمل الحماية المصنف المملوك لليمنيين فقط، بل تمتد
للأجانب الذين ينتمون إلى الدول الأعضاء في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية للملكية
الفكرية التي تكون اليمن طرفاً فيها وهو ما ورد في المادة(3) الفقرة (ب) من قانون
حق المؤلف اليمني.
إلى هنا نكون أكملنا مقالنا الأول، وسنتناول في المقال القادم بإذن الله
نطاق حماية حق المؤلف في المصنفات الأدبية والعلمية.
المحامية لدى شركة الربيعي وشركائه للخدمات
القانونية/
سمر عبد السلام العريقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق