من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2024

قتل الواحد بالجماعة

 

قتل الواحد بالجماعة

ذهب القانون اليمني الى تقرير القصاص من الجماعة بالواحد وذلك ما صراحة به المادة (58) من القرار الجمهوري رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات بما نصه:

(يقتص من الرجل بالمرأة، ومن الجماعة بالواحد مهما تعدد الجناة).

ومن الاحكام الشرعية الإسلامية التي اخذ بها جمهور الفقهاء لقتل الجماعة بالواحد وادلتهم :

من القران الكريم:

قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (البقرة –179).

أن الله عز وجل أوجب القصاص لاستبقاء الحياة، وذلك: أنه متى علم الإنسان أنه إذا قتل غيره قتل به.. لم يقدم على القتل، فلو قلنا: لا تقتل الجماعة بالواحد لكان الاشتراك يسقط القصاص، فسقط هذا المعنى، وفي ذلك تفويت لما شرع القصاص من أجله وهو حفظ الأرواح، وصون الحياة من عبث العابثين.(2)

ان السلطان هو القصاص، ولم يفرق بين أن يقتله واحد، أو جماعة ، قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً) (الإسراء–33)

وقوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعاً) (المائدة: 32).

فهذا النص يفيد أن القاتل، سواء كان واحداً أم كان أكثر من ذلك، قد أعتدى على حق الحياة، وكأنه لم يقتل واحداً، بل قتل أكثر من واحد، وكأنه اعتدى على الجماعة كلها، فكان موجب القصاص، أن من يعتدي على حق الحياة يقضي على حياته، ولاشك أن الجماعة إذا اشتركوا في قتل واحد، يؤخذ كل واحد بجريمة القتل، ويقادون على ما فعلوا، ولا شطط ولا مجاوزة للحد إذا ما قتلوا جميعاً.(3)

 

من السنة النبوية

ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ثم أنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له قتيل بعد اليوم، فأهله بين خيرتين: أما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل)(4)

وهذا الخبر وارد في قتل الجماعة بالواحد، لأنه قال: أنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، ثم قال فمن قتل له قتيل بعد اليوم، ومن تستغرق الجماعة والواحد، ثم قال: فأهله بين خيرتين:

(إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل)، فدل على قتل الجماعة بالواحد، لأن الحكم إذا ورد على سبب لم يجز أن يكون السبب خارجاً عن ذلك الحكم.(1)

ما روي عن عمر رضي الله عنه (أنه قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل من صنعاء قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعاً)(2) وفي البخاري (أن غلاماً قتل غيلة، فقال عمرو: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم، وقال مغيرة بن حكيم، عن أبيه: (أن أربعة قتلوا صبياً فقال عمر مثله)(3)

وأيضاً ما روي عن الإمام بن أبى طالب كرم الله وجه أنه قتل بعض الخوارج لقتلهم عبدالله بن خباب رضي الله عنه، فإنه توقف عن قتالهم حتى يحدثوا فلماذا ذبحوا عبدالله بن خباب كما تذبح الشاه، وأخبر على بذلك قال: الله أكبر نادوهم أن أخرجوا إلينا قاتل عبدالله بن خباب فقالوا: كلنا قتلناه ثلاث مرات، فقال علي لأصحابه (دونكم القوم، فقتلوهم بقتل عبدالله بن خباب).

وأيضاً ما روي عن ابن عباس أنه قال: (إذا قتلت جماعة واحداً قتلوا به ولو كانوا مائة).(4)

القياس: إن القصاص عقوبة تجب للواحد على الواحد، فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف فلو قذف جماعة واحداً وجب له الحد على الجماعة، والأولى من ذلك أن يقتل الجماعة بالواحد؛ لأن قتل النفس أغلظ من هتك العرض، وأيضاً فإن الدية تجب في قتل الواحد، وقتل الجماعة، فكذا القصاص يجب عند قتل الجماعة للواحد كإيجابه عند قتل الواحد بالواحد.(5)

أنه من المعلوم أن القتل بغير حق غالباً لا يكون إلا بالتغالب والاجتماع؛ لأن الواحد يقاوم الواحد؛ فلو لم نوجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد لأدى ذلك لسد باب القصاص وفتح باب التغالب، ويسهل على الأشرار أن يتعاونوا على الإثم والعدوان، ويقتلوا من يشأؤن مؤيد بأن الجماعة لا تقتل بالواحد.(6)

وأيضاً فإن الحكمة والزاجر الأعظم إنما هو في القصاص لا في الدية، فإن دفع الدية يسهل على أهل الأموال، ويسهل أيضاً على الفقراء؛ لأنهم يعذرون عن الدية بسبب فقرهم، فإذا ثبت قتل الجماعة للواحد، فالاقتصاص منهم جميعاً هو ما تقتضيه الحكمة التشريعية الثابتة في كتاب الله عزوجل، ولهذا شبه قاتل النفس بمن قتل الناس جميعاً.(7)

 



(2)  السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، للعلامة محمد بن علي الشوكاني، ج4، ص397، 398 ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1985م.ج4، 398.

(3)  الإمام محمد أبو زهره، ص369 .

(4)  انظر الترمذي في الجامع الصحيح، برقم (1410)، ص433، الناشر دار ابن حزم، لبنان، الناشر دار ابن حزم، لبنان، ط1،
1422هـ-2002م، سنن أبى داود، لأبى داود سليمان ابن الأشعث رقم (4504) ص 683،الناشر، دار ابن حزم، لبنان ط1، 1419هـ -1998م

(1)  الحاوي، الكبير ، للماوردي، المرجع السابع ج12/28 استاذنا د/ عبدالمؤمن شجاع الدين المرجع السابق ص116.ج12/28.

(2)  شرح الزرقاني على موطأ مالك ، للزرقاني ج4/318 ، الناشرمكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة، ط1، 2002م.

(3)  صحيح البخاري، لأبى عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، رقم (6896) ، ص1272، الناشر دار ابن حزم ط1، لبنان، 1424 – 2003م. 

(5)  انظر: استاذنا د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، المرجع السابق ص117، د/ أمير عبدالعزيز ، الفقه الجنائي في الإسلام، ص83 ، الناشر دار السلام ، ط1، 1997م.

(6)  المبسوط للسرخسي 26/127، البحر الرائق، المرجع السابق 7/48، الإمام أبو زهره المرجع السابق ص370.

 المساهمة في جريمة القتل العمد دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني)القاضي/ محمد ال برغشي

منقول

 

ليست هناك تعليقات: