من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2024

شيك بدون رصيد

شيك بدون رصيد

المعلوم من القانون الجنائي بالضرورة أن لكل جريمة بنيان أو نموذج قانوني خاص بها، يميزها عن سائر الجرائم الأخرى، وجريمة إصدار الشيك بدون رصيد كغيرها من الجرائم تتميز ببنيانها والنموذج القانوني الخاص بها، وهذا البنيان أو النموذج حدده المشرع في نص التجريم الخاص بها والوارد فـي المـاد 311مـن قانـون الجرائم والعقوبـات والتي تنص علـى أنـه :

[يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من أعطى شيكاً وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كاف وقابل للتصرف فيه أو استرد بعد إعطائه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي بقيمته ... ولا تقع الجريمة إلا إذا لم يسدد الفاعل قيمة الشيك لحائزه خلال أسبوع من تاريخ إعلانه بالسداد.]

كما أن المشرع اليمني أورد نص تجريم خاص لهذه الجريمة ضمن احكام القانون التجاري وتحديداً في المادة (805) منه والتي تنص على ان:

[كل من أصدر واثبت سوء نيته شيكاً لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابلاً للسحب أو يكون له مقابل وفاء اقل من قيمة الشيك، وكل من أسترد بسوء نية بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء أو بعضة بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر وهو سيئ النية المسحوب عليه الشيك بعدم دفع قيمته، يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن (10%) من قيمة الشيك]

ومن خلال النصين القانونيين سالفي الذكر يتبين أن جريمة اصدار شيك بدون رصيد لها ثلاثة اركان الأول ركن مفترض والثاني مادي والثالث معنوي بالإضافة الى شرط الامتناع عن دفع قيمة الشيك خلال أسبوع من تأريخ إعلان الساحب بالسداد الوارد في نص المادة (311) جرائم وعقوبات، ويجب ان تتحقق تلك الأركان وذلك الشرط جميعاً لقيام هذه الجريمة فإن انتفى أحدها او بعضها أو جميعها انتفت معه الجريمة  نستعرضها بالتفصيل الاتي:

اولاً: الركن المفترض (إصـــدار ورقة يعتبرها القانون شيـــكاً):

تعتبر جريمة اصدار الشيك بدون رصيد من الجرائم التي لا تقع الا على الورقة التي يعتبرها القانون شيكاً، أي محـرر يقـوم مقـام النقـود فـي الوفـاء والتداول وذلك هو عين الغاية التي ابتغاها المشرع من تجريم الأفعال المنصوص عليها في المادتين (311) عقوبات، و (805) تجاري سالفتي الذكر من بينها فعل اصدار أو إعطاء شيك بدون رصيد.

فعلة تجريم تلك الافعال هي أن المشرع قدر الأهمية الاقتصادية للشيك باعتباره اداه وفاء تحل محل النقود مما يشجع الأشخاص على إيداع النقود في البنوك التي تستغل هذه الأموال في شتى المجالات وكذلك ما للشيك من أهمية للأفراد حيث يجنبهم من المخاطر الناتجة عن تداول النقد كالضياع والسرقة، ولما للشيك من أهمية تساهم في تسيير المعاملات التجارية والقائمة على السرعة والمرونة ويلبي احتياجات تلك المعاملات ، ونظراً لأن الشيك لا يمكن ان يقوم بوظيفته تلك إلا اذا اكتسب ثقة كبيرة شأنه شأن النقود، فيتأكد المستفيد بأن حصوله على الشيك يعادل تماماً حصوله على المبلغ المدون فيه ، وان تكون كذلك نظرة جميع من يتداول الشيك في ايدهم، لذلك فقد جرم المشرع السلوك الذي يزعزع الثقة في التعامل بالشيك أو يحول دون تمكن المستفيد من الحصول على ثمنه سواء لعدم وجود مقابل وفاء او لإصدار الساحب امر للمسحوب عليه بعدم الصرف اولاي سبب أخر، وما يمثله ذلك من الاعتداء على الملكية، والأثراء بدون حق.

د. عبد القادر العطير والوسيط في شرح القانون التجاري، والأوراق التجارية، مكتب الثقافة عمان ص463، د.عبد الناصر الزنداني شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني القسم الخاص الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وجرائم الأموال ط.2008 صـ137.

 والشيك هـو ورقـة تجاريـة تحـرر وفـق شـروط معينـة، تتضمـن أمـرا مـن موقعهـا(الساحـب) موجهـا إلـى المسحـوب عليـه بـأن يدفـع إلـى المستفيـد أو لحاملـه مبلغـا معينـا مـن النقـود،

وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه:

ورقة تتضمن أمراً من شخص يسمى الساحب الى شخص أخر هو المسحوب عليه، ويكون في العادة أحد البنوك، بأن يدفع بمجرد الاطلاع عليها مبلغاً معيناً من النقود لشخص ثالث هو المستفيد او لإذنه او لحامله.

د. مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والافلاس، دار الجامعات الجديدة الإسكندرية ط1997م، صـ201

كما عرفه البعض بأنه

امر مكتوب وفقاً لأوضاع حددها العرف، به يطلب الساحب من المسحوب عليه أن يدفع بمقتضاه، وبمجرد الاطلاع عليه مبلغاً معيناً من النقود لشخص معين او لإذن شخص معيناً او لحامله

د/ علي جمال الدين عوض، الأوراق التجارية، جامعة القاهرة 1995م ص159

وينبغي أن تتوافر في الشيك نوعان من الشروط لينشأ صحيحاً من الناحية القانونية:

·       النوع الأول/شروط شكلية:

فلكي يـؤدي الشيـك الوظيفـة التـي وجـد لأجلهـا وحتـى يكـون ورقـة تجاريـة يعتـد بهـا كسنـد بمفهـوم القانـون التجـاري فـان المشـرع استوجـب أن تتوافـر فيـه جملـة مـن الشـروط الشكليـة وهي البينات المحددة وللشيك التي نصت عليها المادة (528) من القانون التجاري بقولها:

[يشتمل الشيك على البيانات الآتية: -

1-      لفظ (شيك) مكتوباً في متن الصك وباللغة التي كتب بها.

2-      تاريخ ورقم الشيك ومكان إنشائه.

3-      اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه).

4-      اسم من يجب الوفاء له أول مرة وفقاً لما سيجيء في المادتين (531ـ533).

5-      أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود.

6-      مكان الوفاء.

7-      توقيع من إنشاء الشيك (الساحب).]

·       النوع الثاني/ شروط موضوعية:

طالمـا كـان تحريـر الشيـك والتوقيـع عليـه تصرفـا قانونيـا فإنـه يشتـرط لصحتـه وجـوب توافـر جملـة مـن الشـروط الموضـوعية التـي تتعلـق بالأهليـة والرضـا والمحـل بالإضافـة إلـى السبـب الـذي يـراد بـه أسـاس الالتـزام بالشيـك علـى أن يكـون مشروعـا ، وإذا كـان عـدم مشروعيـة السبـب يؤثـر علـى مصيـر الدعـوى المدنيـة بالرفـض فإنـه يبقـى عديـم الأثـر علـى الدعـوى الجزائيـة طالمـا توافـرت أركـان إحـدى جرائـم الشيـك ،فالمسؤوليـة الجزائيـة لا تتأثـر بالسبـب أو البـاعث الـذي أعطـي مـن أجلـه الشيـك كمـا استقـرت علـى ذلـك المحكمـة العليـا فـي اجتهادهـا.

الموسوعة الشاملة في جرائم الأشخاص والأموال الجزء الثالث جرائم ...وجرائم الشيكات ط.2009م المكتب الفني للإصدارات القانونية صـ 135

2-امر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود:

استوجب القانون اليمني ان يتضمن الشيك أمراً من الساحب الى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من النقود (سواءً كان نقداً أجنبياً ام لا) بمجرد تقديم الشيك (الاطلاع)...فينبغي ألا يكون الامر معلقاً على شرط أو مضافاً الى أجل لأن هذا يتنافى مع طبيعة الشيك كأداة وفاء واجب الوفاء بمجرد الاطلاع، فإذا جاء المحرر الموصوف بأنه شيك متضمن تأريخين أحدهما للسحب وآخر للاستحقاق فإنه قد جاء مصحوباً بأجل مما يفقد المحرر قيمته كشيك.

د. عبد الناصر الزنداني المرجع السابق.141

وقـد استقـرت القضاء علـى اعتبـار الشيك أداة وفـاء ودفـع، وليـس أداة قـرض وائتمـان، وعليـه فـان الأمـر بالدفـع لا يجـب أن يكـون بـأي حـال مـن الأحـوال معلقـا علـى شـرط سـواء كـان واقفـا أو فاسخـا.

انظر/ احكام المعاملات التجارية العقود التجارية-عمليات البنوك – الأوراق التجارية –الإفلاس. في القانون التجاري أ.د عبدالرحمن شمسان 2005م ص246

3-وجوب تقديم الشيك للبنك المسحوب للوفاء بقيمتها خلال فترة ثلاثين يوماً من تأريخ إصدارها باعتبار أن هذه الفترة هي الفترة التي أوجب المشرع تقديم الشيك للوفاء خلالها بحسب نص المادة (550) من القانون التجاري التي نصت على ذلك بقولها:

[الشيك المسحوب في الجمهورية اليمنية والمستحق الوفاء فيها يجب تقديمه للوفاء خلال شهر فإذا كان مسحوباً خارج الجمهورية اليمنية ومستحقاً الوفاء فيها وجب تقديمه خلال ثلاثة أشهر وتبدأ المواعيد السالف ذكرها من التاريخ المبين في الشيك أنه تاريخ إصداره ويعتبر تقديم الشيك إلى إحدى غرف المقاصة المعترف بها قانوناً بمثابة تقديم للوفاء]

ثانياً: الركن المادي للجريمة:

الركن المادي لها والذي يتكون من عنصرين هما:

1-إعطاء الشيك وشـروطه لقيـام النشـاط الإجـــرامي:

إعطاء الشيك هو مناولته رضائياً فلقيـام النشـاط الإجرامـي ينبغـي أن يكـون التخلي (إعطاء الشيك)

نهائيـا : فـإذا كـان فعـل الإعطـاء يستلـزم خـروج الشيـك مـن حيـازة الساحـب إلا أن هـذا الخـروج متوقـف علـى أن يكـون نهائيـا كمـا يقتضـي الأمـر أن يكـون التخلـي إراديـا ؛ ففعـل الإعطـاء لا يقتصـر علـى كـون التخلـي نهائيـا وإنمـا يتعـداه بانصـراف إرادة الساحـب إلـى التخلـي عـن حيـازة الشيـك ،فبانتفـاء هـذه الإرادة ينتفـي الركـن المـادي للجريمـة ، ومـن ذلـك فـإذا فقـد الشيـك أو سـرق وبـادر الساحـب بإصـدار أمـر بعـدم الدفـع فإنـه يكـون بإمكان الساحـب إثبـات أن لا دخل لإرادتـه فـي التخلـي عـن حيـازة الشيـك وبذلـك يكـون الركـن المـادي للجريمـة غيـر قائـم.

 

2-عدم وجود مقابل وفاء كاف وقابل للتصرف فيه:

ويتحقق هذا إذا قام الساحب بإصدار شيك لا يقابله مقابل وفاء على الاطلاق كأن يكون الساحب قد استنفد كل ما له من نقود في حسابه لدى البنك المسحوب عليه او في حالة أن يكون له مقابل وفاء ولكنه اقل من قيمة الشيك، بحيث لا يستطيع المستفيد الحصول على كل المبلغ المحدد في الشيك فيستوي أن ينعدم مقابل الوفاء كلية أو يكون غير كاف للوفاء بقيمة الشيك ...

د/عبد الناصر محمد الزنداني المرجع السابق صــ152

ثالثاً: الركن المعنوي: -

تعتبـر جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد مـن الجـرائم العمـدية ، وهـذا مـا يستفـاد مـن نـص المـادة 311 مـن قانـون العقـوبات ، حيـث يشتـرط لقيـام الجريمـة توافـر القصـد الجنـائي العـام ، و الـذي يتوافـر بوجـود عنصـري العلـم والإرادة ، حيث يجـب أن تتجـه إرادة الجـاني صـوب تحقيـق الفعـل المكـون للركـن المـادي فـي الجريمـة ، وأن تكـون هـذه الإرادة مسئـولية جنـائيا ، أي يتـوفر لـها التمييـز والإدراك والاختيـار ،كمـا يلـزم أن يحيـط الجـاني علمـا بعناصـر الجريمـة ، وبالتـالي يتحقـق القصـد الجنـائي بمجـرد علـم الساحـب بأنـه وقـت إصـدار الشيـك لـم يكـن لـه مقابـل الوفـاء ، أو أن مقابـل الوفـاء أقـل مـن قيمـة الشيـك، كمـا يتحقـق بـأن يستـرد الساحـب مقابـل الوفـاء كلـه أو بعضـه، وهـو يعلـم بـان قيمـة الشيـك لـم تدفـع بعـد للحامـل ، كمـا أن مجـرد إصـدار الأمـر بعـدم الدفـع يتوافـر بـه القصـد الجنـائي بمعنـاه العـام ، الـذي يكـفي فيـه علـم مـن أصـدره بأنـه يعطـل دفـع الشيـك الـذي سحبـه مـن قبـل ولا عبـرة بعـد ذلـك بالأسبـاب التـي دفعتـه إلـى إصـداره لأنهـا مـن قبيـل البـواعث
التـي لا تأثيـر لهـا فـي قيـام المسـؤولية الجنـائية ،

انظر الموسوعة الشاملة في جرائم الأشخاص والأموال الجزء الثالث جرائم ...وجرائم الشيكات ط.2009م المكتب الفني للإصدارات القانونية صـ 141

ولا يكفي العلم بل لا بد من أن تتجه إرادة الساحب الى عدم تمكين المستفيد من استيفاء قيمة الشيك ولذلك فإن الجريمة لا تقع رغم علم الساحب بعدم وجود مقابل وفاء عند اصدار الشيك اذا اتجهت إرادته الى إيداع مبلغ من النقود في البنك المسحوب عليه في اليوم التالي لإصدار الشيك، بحيث يتمكن المستفيد من استيفاء قيمة الشيك وفي حالتي استرداد مقابل الوفاء وإصدار أمر بعدم الدفع .....وينبغي لتوافر القصد الجنائي أن يعلم الساحب أن المستفيد لم يستوفي قيمة الشيك بعد ،وأن فعله يؤدي الى عدم تمكين المستفيد من استيفاء قيمة الشيك ..

د/عبد الناصر محمد الزنداني المرجع السابق صــ152

 

اعداد المحامي/ سليمان نبيل الحميري

اشراف المحامي/ فهمي عقيل ناجي انعم


ليست هناك تعليقات: