أ.د/ عبدالمؤمنشجاعالدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون- جامعة صنعاء
للقضاء والقاضي هيبته التي ينبغي على الجميع احترامها واستحضارها عند التعامل مع القضاء في سبيل إحقاق الحق وابطال الباطل، فالقضا هو وسيلة المجتمع وطريقه لاحقاق الحقوق ،فحكم القاضي هو الفصل في الخلاف على الحقوق، ولذلك فان سب القاضي وإهانته وتهديده من الجرائم الماسة بالحق والعدل قبل أن تكون ماسة بشخص القاضي، ولا ريب أن الاعتداء على القضاة ظاهرة شائعة تدل على عدم الوعي بأهمية وظيفة القضاء والقضاة وهيبة القضاء، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/5/2010م في الطعن الجزائي رقم (36625 ) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة الجزائية المتخصصة تقدمت بالدعوى الجزائية أمام المحكمة الجزائية المتخصصة ضد أحد ضباط الأمن فأتهمته بأنه قام بسب واهانة رئيس محكمة وتهديده اثناء أداء وظيفته بالانتقال مع أمين سر المحكمة لمعاينة محل النزاع فيما بين مكتب الأوقاف ووالد المتهم، وفي اثناء المعاينة حضر المتهم ومنع القاضي من القيام بوظيفته وحاول المتهم نزع ملف القضية من يد أمين السر وتلفظ على القاضي بالقول أنه (مبرمج برمجة أبن فله وأنه حق بطنه لا يعرف يحكم وأنه بنشري) وقد قام المتهم بذلك بنية منع القاضي عن اداء وظيفته الأمر المعاقب عليه وفقًا للمادتين (171 و 172 ) عقوبات، وبعد أن سارت المحكمة الجزائية في إجراءات نظر القضية خلصت إلى الحكم (بثبوت التهمة المنسوبة للمتهم وأدانته بما نسب اليه ومعاقبته بالحبس مدة ستة أشهر مع النفاذ وستة اشهر مع وقف التنفيذ) فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الجزائية المتخصصة رفضت الاستئناف وحكمت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع المتهم فقام بالطعن في الحكم بالنقض إلا أن المتهم قام بالتوقيع على عريضته بنفسه فلم يتم التوقيع على عريضة أسباب الطعن بالنقض من قبل محامي مجاز أمام المحكمة العليا بحسب ما قرره قانون الإجراءات، ولذلك فقد قررت الدائرة الجزائية عدم قبول الطعن شكلاً واعتبار الحكم الاستئنافي المطعون فيه باتًا واجب النفاذ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث انتهت نيابة النقض في رأيها إلى عدم قبول الطعن شكلاً لعدم التوقيع عليه من محام معتمد لدى المحكمة العليا وفقًا لنص المادة (436 ) إجراءات، ولأن ما ذهبت إليه نيابة النقض في رأيها بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم التوقيع عليه من محام معتمد أمام المحكمة العليا يوافقً نص المادة (436 )وحيث أن ما ذهبت اليه نيابة النقض في رأيها له وجاهته وفي محله فان الدائرة توافق النيابة الرأي وتأخذ به عملاً بالمادة (436 ) إجراءات التي تنص على أنه واذا كان الطعن مقدمًا من النيابة العامة يتعين أن يوقع أسبابه النائب العام أو رئيس نيابة النقض واذا كان مرفوعًا من غيرهما وجب أن يوقع الأسباب محام معتمد أمام المحكمة العليا وفقًا للقانون، ولما كان الطعن ليس موقعًا من محام معتمد أمام المحكمة العليا بحسب المادة المشار اليها فان ذلك يستوجب عدم قبول الطعن شكلاً واعتبار الحكم الاستئنافي المطعون فيه باتًا واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في
الأوجه الأتية : -
🔷الوجه الأول : إهانة القاضي والاعتداء عليه وإهانة الموظف والاعتداء عليه من خلال مطالعة وقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الواقعة تمثلت في قيام الضابط بمنع القاضي من معاينة محل النزاع وهذا المنع يعد اعتداء على القاضي في اثناء قيامه بعمله ، فالضابط لا شك أنه قام بأفعال من شانها الحيلولة دون قيام القاضي بمباشرة عمله أو صرح بأقوال ترتب عليها تهديد القاضي ونتيجة لذلك لم يقم القاضي بالمعاينة، إضافة إلى أن الضابط قام بالاعتداء على أمين سر المحكمة وحاول انتزاع ملف القضية منه بالقوة، وهذا لا شك اعتداء صريح على أمين السر وتهديد للقاضي لا سيما وأن هذا الفعل قد تزامن مع انفعال الضابط ورفع صوته عاليًا وتلفظه على القاضي بكلام مهين (يا بنشري، أنت مبرمج برمجه أبن فله، أنت لا تصلح للحكم، أنت حق بطنك) فهذا الكلام يعد جريمة اهانة للقضاء، ومع ذلك لاحظنا أن قرار الاتهام الصادر من النيابة المتخصصة قد استند إلى المادتين (171 )عقوبات الخاصة بالتعدي على الموظف والمادة (172 )عقوبات الخاصة بجريمة إهانة الموظف، ولم يستند قرار الاتهام إلى المادة (185 )عقوبات لانها لاتعاقب على اهانة القضاء الا اثناء جلسة المحاكمة في حين ان هذه الجريمة وقعت خارج مقر المحكمة.
🔷الوجه الثاني :-
الفرق بين إهانة الموظف وإهانة القاضي وتوصيتنا : -بالنسبة للموظف فقد نصت المادة (172 ) عقوبات على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة كل من وجه بنفسه أو بواسطة غيره إهانة بالقول أو بالإشارة أو بالكتابة أو بالمخابرة السلكية موظفًا عامًا اثناء تأديته وظيفته أو بسببها) أما بالنسبة لإهانة القاضي فقد نصت المادة (185 ) عقوبات على أن ) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من اخل بكتابة أو قول أو فعل أو بأية طريقة بمقام قاضي أو هيبته أو سلطته أو حاول التأثير فيه وكان ذلك في شأن أية دعوى أثناء انعقاد الجلسة وتسري العقوبة ذاتها اذا وقعت الجريمة على سلطات التحقيق بمناسبة تحقيق جزائي تجريه) ومن خلال المقارنة بين النصين نجد أن جريمة إهانة القضاء لا تقع إلا في اثناء جلسة المحكمة في حين أن جريمة إهانة الموظف تقع في مقر عمله أو خارج العمل طالما انها وقعت بمناسبة او بسبب قيام الموظف بواجبه الوظيفي أو بمناسبته، أما القاضي فلا تقع جريمة الإهانة له إلا اثناء جلسة المحاكمة او في مقر المحكمة أما اذا وقعت في اثناء قيام القاضي بتنفيذ الحكم أو المعاينة خارج المحكمة فلا تقع هذه الجريمة، ولذلك لاحظنا أن النيابة والمحكمة لم تستند إلى المادة (185) لقصورها وبد ًلا من ذلكاستندت إلى المادة (172) لانها شاملة تتضمن معاقبة كل من يهين الموظف العام داخل مقر عمله أو خارجه طالما وأن هذا الفعل قد وقع بسبب قيام الموظف بواجبه الوظيفي أو بمناسبته بصرف النظر عن مكان وقوع الفعل أو زمانه، ولذلك نلاحظ أن حماية الموظف من جريمة الإهانة اوسع نطاقًا من حماية القاضي من هذه الجريمة، وهذا الامر يفسر عدم تورع بعض الاشقياء من إهانة القضاة أو القضاء خارج نطاق المحاكم أو الجلسات ولذلك فإننا نوصي بتعديل المادة (185 ) عقوبات بشأن إهانة القضاء حتى تشمل إهانة القضاء في جلسات المحاكمة وخارجها، لان الجرائم والإهانات للقضاء تتم خارج
جلسات المحاكم أكثر مما تتم في الجلسات.
🔷الوجه الثالث :-
الحماية الجنائية للقضاة في اليمن وتوصيتنا لمجلس القضاء من خلال العرض الموجز فيما تقدم يظهر لنا أن الموظف العام يحظى بالحماية الجزائية أفضل من القاضي وأن الحماية الجزائية للقاضي من الاهانة قاصرة في القانون العام للجرائم والعقوبات لان طبيعة التجريم والعقاب في القانون العام للجرائم عامة فالقانون العام لا يهتم بفئة من فئات المجتمع وإنما يعتني بالحماية العامة لأفراد المجتمع بكافة فئاته، في حين يأتي دور القوانين العقابية الخاصة التي تهتم بالتجريم والعقاب للفئة التي ينظم شؤونها القانون الخاص (فلسفة القانون، د.روبرت تايلور، ص67 )وبتطبيق هذا المفهوم على قانون السلطة القضائية وهو قانون خاص، ومن خصائص القاعدة القانونية أن تكون ملزمة مقترنة بجزاء حتى يحترمها الافراد فلايخالفونها، ولذلك لا بد أن تكون القاعدة القانونية مقترنة بجزاء، ولذلك ينبغي أن يتضمن قانون السلطة القضائية الحماية الجنائية للقضاة من تعديات وإهانات الاوغاد والاشقياء التي طالت غالبية القضاة، والا ما فائدة حقوق القضاة وواجباتهم وحصانات القضاة المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية، ولذلك فأنا أوصي مجلس القضاء الأعلى بإعادة النظر في قانون السلطة القضائية النافذ وتضمينه الحماية الجزائية للقضاء والقضاة بما يكفل للقضاء هيبته، فهذه توصية من محب مخلص.
🔷الوجه الرابع:-
كثرة الطعون التي لايوقعها محامون مجازون امام المحكمة العليا وتوصيتنا:
من خلال دراستنا لاحكام كثيرة صادرة عن المحكمة العليا نجد ان طعون كثيرة يتم رفضها شكلا لعدم توقيعها من قبل محامي مجاز امام المحكمة العليا حسبما يقرر القانون،ويرجع ذلك الى عدم معرفة كثير من الخصوم
لهذا الحكم القانوني ،ولذلك فاننا نوصي الشعب الجزائية بمحاكم الاستئناف بوضع اعلان بارز في امانة السر يتضمن نص المادة (436) اجراءات التي اشترطت ان يتم توقيع مذكرة اسباب الطعن بالنقض من قبل محامي مجاز امام المحكمة العليا، والله اعلم.