الصفحات

السبت، 10 أكتوبر 2020

الصلح المسقط للقصاص (القانون اليمني)

 

عرفت بعض المجتمعات القديمة ومنها العرب قبل الإسلام الصلح المسقط للقصاص لإنهاء النزاعات والقضاء على الثأر, وكان الباعث إلى الصلح في تلك الفترة هو نشر الأمن والسلام والسعي لحقن الدماء, وقد لجأ إليه الأفراد والقبائل فيما بينهم وذلك لعدم وجود سلطة يخضعون لها وتفرض إرادتها على من يعتدي على غيره, ونتيجة للحروب المستمرة التي أفقدتهم خيرة الرجال.

كما عرفت تشريعات اليمن القديم الصلح المسقط للقصاص, حيث ساد النظام القبلي في الممالك والإمارات اليمنية القديمة مثل سبأ وقتبان ومعين وحمير وحضرموت, التي اعتبرت جرائم القتل والجرح العمد من الجرائم الخاصة, وجعلت الحق للمجني عليه أو ولي الدم بالقود أو قبول الدية صلحاً, وهو ما دلت عليه بعض النقوش التي تم العثور عليها في مواقع الدول القديمة.

أما بالنسبة للتشريعات الوضعية الحديثة  فقد عرفت نظام الصلح بوجه عام في الجرائم البسيطة, وحصرت نطاقة في جرائم محدودة بعينها, أما الصلح المسقط للقصاص فلم تعرفه كونها لم تأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في هذه الجرائم, إلا أن هناك قلة من التشريعات أجازت الصلح المسقط للقصاص, مثل التشريع السعودي والتشريع الليبي والسوداني واليمني وتشريع الإمارات العربية المتحدة، وذلك إتباعاً وتطبيقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.

لم يقدم فـقهاء الشريعة الإسلامية تعريفاً اصطلاحياً محدداً للصلح المسقط للقصاص، رغم استعمالهم هذا المصطلح في مؤلفاتهم الفقهية.

 ويرجع السبب في ذلك إلى اتجاه فـقهاء الشريعة الإسلامية في الاقـتصار على تعاريف الأبواب الرئيسية، وعدم الاهـتمام بوضع تعاريف للمسائل الفرعية أو الجزئية والاكـتـفاء ببـيان أحكامها الشرعية ضمن المسائل الرئيسية.

الصلح في اللغة:

يتفق تعريف الصلح لغة مع تعريفه الاصطلاحي إذ أن تعريفه اللغوي هو:

 قطع أو رفع النزاع ، أو إنهاء الخصومة.

 وهو كذلك في التعريف الاصطلاحي:

فالصلح عند الأحناف رفع النزاع وعند الشافعية قطع النزاع، ويستخدم الحنابلة لفظ الموافقة بين المختلفين، وكل هذه العبارات والصيغ وإن اختلفت في الألفاظ فإن معناها واحد, وهو إنهاء الخصومة بالصلح.

التعاريف الجامع لمعنى الصلح المسقط للقصاص هو:

عقد يتفق فيه الجاني والمجني عليه أو من يمثلهما شرعاً, على إسقاط القصاص عن الجاني بعوض يدفعه الجاني حالاً من ماله للمجني عليه أو وليه.

أركانه:

الصلح عند جمهور الفقهاء أربعة, لا يقوم الصلح في القصاص إلا بتوافرها وتوافر شروطها منها:

-         الإيجاب والقبول بين الجاني والمجني عليه أو ورثته.

-         العاقدان أو من يمثلهما شرعاً وقانوناً.

-         محل عقد الصلح المتمثل بسقوط القصاص.

-         مقابل الصلح وهو الدية أو الأرش.

بالنسبة للمشرع اليمني فقد سلك نفس مسلك الجمهور بالنسبة للأركان, واعتبر أن الصلح يقوم على تلك الأركان الأربعة.

-         لقد جعل المشرع اليمني الصلح في القصاص بمثابة الحكم البات في حسم النزاع وانقضاء الخصومة بين المتخاصمين, لأنه يحوز على حجية الأمر المقضي به استناداً إلى نص المادتين (165، 214) من قانون المرافعات. ولذلك تمتنع النيابة العامة أو المحكمة من نظر الدعوى في الحق بالقصاص مرة أخرى.

-         دية العمد عن فقهاء الشريعة الإسلامية هي مائة من الإبل غير أنه يجوز الصلح في القصاص على الدية أو على أقل أو أكثر منها، بمعنى أن مقابل الصلح يكون بحسب اتفاق أطراف النزاع وتراضيهم مع أن الواقع أو الشواهد العملية تدل على أن صاحب الحق في القصاص هو الذي يحدد مقدار مقابل الصلح المطلوب كمقابل لتنازله عن حقه في القصاص.

-         خالف المشرع اليمني الفقهاء المسلمين في اعتبار الإبل هي أساس تقدير الدية وجعل الدية بالعملة الورقية للبلد، وقدرها بخمسة ملايين وخمسمائة ألف ريال يمني, وهو ما جعل المشرع اليمني يعيش في دوامه التعديل المستمر للمادة (40) من قانون الجرائم والعقوبات التي تحدد مقدار مقابل الصلح في القصاص وذلك لتذبذب العملة الورقية وانخفاض قيمها.

-         الصلح المسقط للقصاص لا أثر له إلا على المتعاقدين في الصلح, ولا أثر له على حقوق الغير المضرورين من الجريمة، وسواء كانت هذه الحقوق للأفراد أو الدولة، ولا يمتد أثره إلى من لم يكن طرفاً فيه أو إلى مواضيع أخرى غير القصاص, إلا في الحالات التي أجازتها الشريعة والقانون اليمني استثناءً من الأصل.

-         المشرع اليمني لم يوفق في اشتراط إعلان مستحقي القصاص بموعد القصاص دون اشتراط حضورهم, حيث أنه بهذه الطريقة يفوت فرصة الجاني الأخيرة في احتمال العفو أو الصلح وقت تنفيذ القصاص.

-         الصلح المسقط للقصاص ينتج أثره بمجرد انعقاده, ويؤدي إلى انقضاء الخصومة في الحق الشخصي, وسقوط القصاص بعد الحكم ولا يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية برمتها, لأن الدعوى الجنائية تتضمن حقين حق العبد في القصاص وحق الجماعة في تعزير الجاني, وبالتالي إذا سقط القصاص جاز للإمام أو القاضي تعزير الجاني بما يراه مناسباً للردع والزجر.

-         مخالفة نص المادة (14) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني للتشريع الإسلامي حيث عرفت تلك المادة التعزير بأنه( كل فعل معاقب بمقتضى هذا القانون) حيث قصر هذا التعريف المعاصي على المعاصي المخالفة لهذا القانون، وهذا يعني أن أي معصية وأن كانت مخالفة للشرع لا تعد معصية ولا يعزر عليها مادامت لم ينص عليها ذلك القانون.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي