تحويل الملكية العامة, إلى الملكية الخاصة
مقدمة:
اخذ العالم
النامي يتطور بسرعة أكثر نحو تطبيق عمليات نقل الملكية العامة للخاصة، وإيجاد
وسائل لتخفيف دواعي القلق السياسي التي لا مفر منها بسبب تقليل دور الدول في
الاقتصاد، وقد بات واضحاً إن القطاع الخاص
قادر على أن
يحل محل مشروعات حكومية تفتقر إلى الكفاءة وتخسر أموالاً كثيرة.
والواقع إن
كلمة الخصخصة"privatization"هي كلمة جديدة تماماً, حتى أنها ظهرت
لأول مرة في قاموس ويبتسر عام 1983,ويعد التحول نحو القطاع الخاص مجالاً جديداً
للسياسة المالية العامة.
مفهوم خصخصة:
تستحوذ
عبارة الخصخصة على اهتمام معظم دول العالم سواء كانت متقدمة أم نامية.
ولا يوجد
مفهوم دولي متفق عليه لكلمة الخصخصة، حيث يتفاوت مفهوم هذه الكلمة من مكان إلى آخر
ومن دولة إلى أخرى، ولكن لو أردنا تعريف هذه الظاهرة التي أصبحت موضوعاً رئيساً
يتم استخدامه في معظم الدول، فأنها فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية لتحويل
عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة
العليا للدولة، من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
ويُطلق على
نقل الملكية أو الممتلكات أو الأعمال التجارية من الحكومة إلى القطاع الخاص اسم
الخصخصة. وتتوقف الحكومة عن كونها مالكة الكيان أو المشروع التجاري. والعملية التي
يستولي فيها عدد قليل من الأشخاص على شركة للتداول العام تسمى أيضاً الخصخصة.
أنواع
الخصخصة:
تتعدد
أنواع وطرق الخصخصة, وتتوحد غايتها القائمة على أساس تحويل ملكية المؤسسات بنقلها
من ملكية القطاعات الحكومية إلى الملكية الخاصة, بهدف تحسين الكفاءات الإنتاجيون
وإصلاح الاقتصاد، ونأتي فيما يلي على طرق أو أنواع الخصخصة:
1- الخصخصة الكلية:
ويكون ذلك بتنازل
الدولة كليا عن حقوق ملكيتها إلى القطاع الخاص، وذلك بطرح كل أسهم رأس المال للبيع
للجمهور، وتعد هذا النوع من أفضل الأنواع لما له من أثر مباشر على توسيع قاعدة
الملكة ودعم المنافسة والشفافة، والذي يؤثر بدوره على نسب الاستثمار وكفاءة
الإنتاج.
2- الخصخصة الجزئية:
ويكون بقيام الحكومة بطرح جزء من أسهم رأس مال
المؤسسة للبيع للجمهور, والاحتفاظ بباقي أسهم المؤسسة ملك للدولة، وتصبح المؤسسة
في هذه الحالة مختلطة, أي ملك للحكومة والقطاع الخاص، وفي هذه الحالة يكون هدف
الحكومة هو التدرج في بيع المؤسسة بالكامل أو الاحتفاظ بجزء من الاسهم إلى الأبد
نظر لأهمية المنشأة للدولة.
3- ضخ استثمارات خاصة جديدة
في المؤسسة:
بتم ذلك من خلال فتح باب
المساهمة في رأس المال المؤسسة للقطاع الخاص, بسبب رغبة الحكومة في التوسع أو التحديث
لعملياتها.
في هذه الطريقة للخصخصة الحكومات
لا تتصرف في ملكيتها, بل تزبد من الملكية الخاصة مقارنة بملكية الدولة، وتتولد تركيبة
ملكية مشتركة بينها وببن القطاع الخاص.
4- عقود الإدارة:
تعهد الدولة لجهات خاصة ذات كفاءة مسؤولية إدارة
كل أو بعض المشاريع العامة، وفقاً لقواعد العمل في السوق التنافسية، وذلك بالتعاقد
مع خبراء من القطاع الخاص، لتسير وادارة الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة في
مقابل أتعاب معينة، أو مقاسمة الربح الصافي مع الدولة، وهي نوع من الخصخصة
الجزئية.
5- فـك ارتباط المشاريع
العامة بالبيروقراطية الحكومية:
من خلال إلغاء صور الرقابة الحكومية على الأنشطة
الاقتصادية، والاعتماد بدرجة أكبر على قوى السوق وآلياته.
ومن أبرز صورها إلغاء سياسات
التسعير الجبري، والاستغناء عن العمالة الفائضة بالمشاريع العامة، وترشيد الدعم
الحكومي للمشاريع العامة، وتعديل التشريعات العمالية لتوائم مع التوجهات الجديدة.
أهداف
الخصخصة:
تمكن الخصخصة من تحقيق جملة من الأهداف تختلف
باختلاف الآليات والطرق, التي يتم اعتمادها من طرف السلطات الحكومية في تدبير
عملية الخصخصة, وهذه الأهداف بشكل مجمل هي:
-
تخفيف الأعباء المالية للدولة عبر التخلص من الشركات
العمومية المفتقدة للكفاءة والربحية، والتي تشكل عبئا على المالية العمومية بسبب
الدعم الذي تتلقاه من الدولة لتغطية خسائرها وضمان استمراريتها.
-
خلق مناخ الاستثمار المناسب، وتشجيع الاستثمار المحلي
لاجتذاب رؤوس الأموال والأجنبية.
-
تطوير الأسواق المالية المحلية, من خلال إدراج شركات الخصخصة
في سوق الأوراق المالية (البورصة) المحلية، والرفع بالتالي من عدد الشركات المدرجة
ومن عدد الأسهم القابلة للتداول، مما سيكون له أثر إيجابي على جذب الرساميل
(المحلية والدولية) وحجم المعاملات في السوق.
-
تحقيق فاعلية ورفاهية المستهلك بضبط تسويات تعاقدية
وتطبيقها بطريقة ملائمة, واشتغال المؤسسة بصفة فعالة.
-
تأمين محيط القطاع الخاص من التأثيرات السياسية.
-
توسيع قاعدة الملكية داخل البلد, عبر إتاحة فرص
الاستثمار في شركات الخصخصة لجمهور المواطنين، وتحويل جزء من الأسهم إلى العاملين
في هذه الشركات، والحصول على زيادة في الإنتاج والتصدير وتحسين الجودة.
-
توافر حصيلة لدى الدولة من بيع الوحدات العامة، تستطيع أن
تواجه بها عجز الموازنة العامة.
-
التغلب على عدم كفاءة نظم الرقابة والمحاسبة في الوحدات
العامة.
-
إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص,
وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية, وفسح المجال أمام المبادرات
الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص.
الدوافع
والاسباب لنقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة:
إن
الاهتمام بموضوع الخصخصة ليس مقصورا على الدول الصناعية، حيث نجد إن معظم دول
العالم مهتمة بهذا الموضوع, وذلك لعدة دوافع منها:
1- الدوافع الاقتصادية:
ينتظر من الوحدات المخصخصه تحسين الأداء الاقتصادي ككل. وهذا الأخير لا
يحدث بمجرد تحويل الملكية إلى القطاع الخاص، ما لم يصاحب هذا التحويل جملة من
الإجراءات, أهمها إعادة هيكلة الوحدات المعنية فنيا ماليا وإداريا, وتوفير بيئة
تنافسية فعلية.
كما إن القطاع الخاص لديه قدرات أفضل وهو أكثر اهتماما بعامل الربحية،
وهذا ما يؤدي إلى تحسين أداء المؤسسات الاقتصادية. وللخصخصة تأثيرا كبيرا على سوق
العمل في المدى الطويل والمدى القصير، ففي المدى القصير تعمل في اتجاه زيادة معدل
البطالة جراء إعادة هيكلة المؤسسات العمومية, والتي تتميز بوجود عمالة فائضة، أما
على المدى الطويل فتؤدي الخصخصة إلى القضاء على البطالة بشكل تدريجي، و ذلك بسبب
ظهور شركات و فروع جديدة بسبب المنافسة الناتجة عن الخصخصة، وهذا ما يؤدي إلى
انتعاش اقتصادي، حيث إن زيادة فرص العمل يؤدي إلى زيادة في الدخل و الرفاهية و
توزيع الثروة, و هذا بدوره يؤدي إلى رفع الميل الحدي للادخار وتحسين مجال التمويل،
كما إن الخصخصة تؤدي إلى كسر الاحتكار كما فعلت بريطانيا، حيث قسمت شركة على أساس
كونها محتكرة, ثم قامت ببيعها للجمهور.
2- الدوافع المالية:
قيام الدولة بعمليات الخصخصة يؤثر إيجابا على ماليتها العامة, وذلك بتقليص
النفقات التي كانت توجه لدعم القطاع العام وبالتالي تخفيض العجز، بالإضافة إلى
زيادة الإيرادات المترتبة عن بيع المؤسسات والضرائب التي تفرض عليها بعد تحويلها
للقطاع الخاص.
3- الدوافع السياسية
والاجتماعية:
هناك العديد من الدوافع السياسية والاجتماعية التي أدت إلى ترويج الخصخصة,
نذكر منها:
-
تؤدي الخصخصة إلى
القضاء على الشعارات السياسية, والتي يعيل البيروقراطيين والاشتراكيين إلى
استخدامها باعتبارها تستخدم الطبقات الكادحة.
-
هناك الجانب
العملي السياسي والذي يهدف إلى خلق قاعدة الدعم الشعبي لحكومة أو سياسة معينة,
وذلك ناتج عن الاعتقاد بأن إعطاء العدد الأكبر من أفراد الشعب فرصة المشاركة في
ملكية المؤسسات الاقتصادية سوف يؤدي إلى كب أصواتهم الانتخابية.
-
هناك الجانب السياسي والاجتماعي الذي يهدف إلى خلق طبقة
أكبر من مالكي الأسهم, وبالتالي توزيع الثروة بأكثر عدالة.
-
الخصخصة وسيلة
لتحقيق مزيد من الحرية الشخصية, وإيجاد الحافز الشخصي على الإنتاج والقضاء على
السلبية, وتحقيق انضباط في السلوك داخل مجالات العمل.
الآثار
السلبية للخصخصة:
بقدر ما
للخصخصة من فوائد وأهداف ونتائج إيجابية ذكرناها سابقا، فلها أيضا جانب من الآثار
السلبية التي قد تنتج جراء اهمال الحكومات, وسوء اختيار الأنشطة والقوانين
والتواقيت التي تنظم عملية الخصخصة، وغياب معايير عالية ورقابة مستمرة وشفافية,
وبالتالي تظهر خطورتها الكامنة، من ضمنها:
-
التركيز على المصالح الخاصة تعمل على إهمال المصلحة
العامة, فيؤدى إلى إهمال الطبقات الوسطى لأن الخاص يهتم بالمال.
-
الاحتكار للقرارات من القطاع العام على الرغم من وجود
خصخصة في حالة الجزئية, فيؤدي إلى ارتفاع عدم المساواة بين الاقتصاد والاجتماع.
-
إذا اعتمد الوطن على القطاع الخاص في كل شيء يجعل الوطن
سهل لدخول الأجانب والسيطرة عليه, وأيضًا حصول فقر على كافة الوطن.
-
بعض من أنواع الخصخصة قد لا يوجد الكفاءة المطلوبة التي
يحتاجها الوطن مما يثبت عدم رقابة عامة, وهذا يضر الوطن والمواطن.
-
زيادة معدلات التضخم.
-
زيادة معدلات الفقر على المستوى الوطني.
-
تآكل وانعدام الطبقة الوسطى.
-
ارتفاع معدلات اللا مساواة الاجتماعية والاقتصادية.
-
إن خصخصة القطاعات الحكومية قد تنقلنا بشكل مباشر من دول
حكم الفرد الواحد أو الحزب الواحد, إلى دول حكم رجال المال والأعمال، وبالتالي
ستكون السلطة بيد مجموعة من المنتفعين حرصين على مصالحهم الشخصية، وبالتالي غياب
الديمقراطية.
الآلية الت تتم بها الخصخصة لأي قطاع عام او
مشروع عام:
1- البيع لمستثمر رئيسي:
يعتبر أسلوب
الخصخصة عبر مستثمر رئيسي أكثر الاساليب شيوعا في الدول العربية، اذ يقدر نصيب هذا
الاسلوب بحوالي 63% من مجمل إيرادات الخصخصة, ومن مجمل ايرادات الخصخصة ساهم أسلوب
البيع لمستثمر رئيسي بحوالي 90% في كل من تونس والمغرب, وبنحو 41% في مصر، وبحوالي
25% في الكويت. وبصورة عامة فإن أهمية هذا الاسلوب تكمن في كونه يشكل محورا هاما
لجذب الاستثمار الاجنبي, وقد اظهرت التجارب في الدول النامية وجود علاقة وثيقة بين
الخصخصة ونفقات الاستثمار الاجنبي المباشر، وهو ما يشير إليه الاداء الجديد نسبيا
بالنسبة للبلدان التي طبقت برنامج الخصخصة, في اجتذاب نفقات ضخمة من هذه
الاستثمارات.
2- البيع من خلال سوق
الاوراق المالية:
وبالإضافة إلى
اسلوب الخصخصة عن طريق البيع لمستثمر رئيسي، تعتمد الدول العربية على اسلوب البيع
من خلال سوق الاوراق المالية البورصة, الذي يتم بموجبة تحويل المؤسسات المراد
خصخصتها إلى شركات مساهمه وطرح اسهمها للاكتتاب العام، وفي الحالات التي تطرح فيها
الحكومة إلى نسبة صغيره من اسهمها في المؤسسة العامة للبيع, تصبح ملكية هذه
المؤسسة او قد يكون هذا الترتيب بمثابة الخطوة الاولى نحو خصخصة المؤسسة بالكامل.
وتشير تجارب الدول
النامية في هذا الشأن إلى وجود علاقات متبادلة بين الخصخصة وتطور أسواق الاوراق
المالية بحيث يعزز كل من هذا النشاطين الاخر من اجل تحقيق الاهداف الاقتصادية
والاجتماعية النهائية, فوجود سوق نشط للأوراق المالية يستند على القواعد التشريعية
الضرورية وتتوافر لديه الخدمات المالية المتطورة, يساعد جهد الخصخصة في تحقيق
الاهداف النهائية, وهي زيادة الكفاءة الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، عن طريق
نقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة, في اطار يتصف بالكثير من الشفافية
والافصاح, لضمان سير هذه المؤسسات وفق اسس سليمة, وإفساح المجال أمام جميع
المواطنين لامتلاك اسهمها من اجل توسيع قاعدة الملكية,
والحيلولة دون
تركزها لدى القليل من ذوي النفوذ وبأسعار تقل عن مستوياتها الحقيقية.
ومن ناحية اخرى تشكل الخصخصة حافزا فعالا لتطوير
واصلاح اسواق الاورق المالية, من خلال تعزيزها لحجم المعروض من الأسهم وجذبها
لاستثمارات الحافظة إلى هذه الاسواق, ومن ضمنها استثمارات المغتربين الموجودة
حاليا في اسواق مالية اجنبية.
المراجع:
د. هيثم
عبد القادر الجنابي.
المحامي
الاستاذ/محمد بن عفيف.
إعداد أ./حمدان
الذيباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي