أثر انعدم التسبيب في
بطلان الحكم القضائي
تسبيب الأحكام هو اشق المهام الملقاة على عاتق القاضي ، لأن ذلك يتطلب من
القاضي صياغة قناعته بالحكم المبني على تلك الاسباب اضافة إلى أن ذلك يتطلب من القاضي
أن يقنع الخصوم وكل من يطلع أو يراقب حكمه.
وتسبيب الاحكام من أهم الضمانات لعدالة
الحكم القضائي لضمان التحقق من أن القاضي قد اطلع على وقائع القضية وجميع المستندات
والأدلة والاوراق المقدمة فيها, واتصل علمه بجميع ما ابداه الخصوم من طلبات ودفوع وكذا,
التحقق من أن القاضي قد استخلص وقائع الدعوى وتأكد من صحتها من واقع ادلة الاثبات الجائزة
قانوناً, وإن إجراءات ذلك تمت في مواجهة الخصوم, وأن القاضي قد استخلص ذلك عن واقع
الاوراق المقدمة فيها والادلة بحسب قوتها ، وكذا التحقق من أن القاضي قد فهم الدعوى
والمسائل القانونية والواقعية المتعلقة بها, وأنه قد كيّف الدعوى التكييف الصحيح بعد
التحقق من توفر شروط صحة هذا التكييف, وأنه قد رتب على هذا التكييف الاثار القانونية
الصحيحة.
وتسبيب الاحكام كما ذكر استاذنا المرحوم
الدكتور احمد ابو الوفاء في تعليقه على قانون المرافعات, هو دليل ساطع على قيام القاضي
بما عليه من واجب الدراسة والتدقيق والبحث وامعان النظر لمعرفة الحقيقة، وبالتسبيب
يسلم القاضي من مضنة التحكم والاستبداد ويرتفع عنه الشك والريب والشبهات ، كما أن التسبيب
يجلب الاطمئنان إلى نفوس المتقاضين, كما أنه يمكن المحكمة الاعلى من بسط رقابتها على
احكام المحاكم الادنى، ومن أهم القواعد الاساسية في تسبيب الإحكام تلخيص الدعوى واستخلاص
الصحيح منها وتقديره وتكييف الوقائع الصحيحة, وترتيب الاثار القانونية عليها واتساق
منطوق الحكم مع أسبابه, واتساق الأسباب مع بعضها وتسلسل الأسباب وترابطها وكفاية الاسباب,
وموافقة الاسباب للوقائع وموافقة الأسباب للنصوص.
المقصود بالتسبيب واهميته:
يقصد بالتسبيب أن يتضمن الحكم القضائي الأسباب الواقعية التي اقنعت القاضي
في اصدار الحكم على أساسها، وقد فرض قانون المرافعات التزاماً على كل قاضي أن يبين
الأسباب التي اعتمد عليها في حكمه مادة (231) ق.م، ولا تتحقق تلك الضمانة إلا إذا سبب
القاضي الحكم، ورد على وسائل الدفاع الجوهرية رداً كافياً حتى يطمئن الخصوم إلى عدالة
الحكم، وأنه لم يصدر تحت تأثير عاطفة عارضة أو شعوري وقتي.
أهمية التسبيب:
1. أن التسبيب يساعد الخصوم على
مراقبة حياد القاضي بالمعنى الفني الدي أن القاضي قد كون اقتناعه بناء على ما قدمه
الخصوم من طلبات ودفوع وادله، وأنه لم يتجاوز طلباتهم وأنه لم يأت بادله من عنده فتظهر
أسباب الحكم عدله وحياده.
2. بتأكد الخصوم عن طريق التسبيب
أن القاضي قد احترام مبدا الموجهة لا الفانون الحديث قد منح القاضي سلطات كبيرة في
مجال القانون والواقع, والزمه باحترام مبدا المواجهة في ذلك.
3. أن التزام القاضي بذكر أسباب
الرد على وسائل الدفاع الجوهرية المتمثلة في الطلبات والدفوع والأدلة يمثل أهمية كبيرة
للخصوم, حيث يساعدهم على التأكد من احترام حق الدفاع ومعرفة إذا كان الرد كافياً ومنطقياً
ام لا, مما يساعدهم على استعمال الحق في الطعن كما يسهل على المحكمة اعمال الرقابة
على الحكم المطعون.
4. أن التزام القاضي بالتسبيب يدفعه
إلى الحرص والتثبيت عند ابداء رأيه في القضية، فلا يصدر هذا الرأي إلا بعد تمحيص ولا
يصوغ في الحكم إلا بعد دراسة ومناقشة واقتناع، والأمر الذي يكسب الحكم القوة الاقناع
مما يودي إلى اقتناع الراي العام بعدالته.
ومجال الالتزام بالتسبيب هو الاحكام القضائية, أما القرارات المتعلقة بإدارة
المرافق القضاء وتنظيم الخصومة أو الأوامر على العرائض, فلا يوجد التزام قانوني على
القاضي اليمني بتسبيبها.
مضمون التزام القاضي بالتسبيب:
إن مضمون التزام القاضي بالتسبيب يكون من أربعة واجبات قانونية وهي كالاتي:
أولاً: أن يكون الحكم مسبباً: وهذا يقتضي أن يعرض
القاضي في حكمة الأسباب الواقعية والقانونية, ويقصد بالأسباب الواقعية بيان الواقعة
والأدلة التي يستند اليها الحكم في تقرير وجود الواقعة من عدمه، أما الأسباب القانونية
فيقصد بها بيان القاعدة القانونية أو المبدأ القانوني مدعمة بالحجج القانونية التي
استند اليها الحكم
•يكون القاضي مخلاً بهذا الالتزام إذا أصدر حكمه دون أسباب, أو إذا كان قد
أورد تلك الأسباب في عبارة عامة.
•وكما يكون الحكم غير مسبباً إذا كانت أسباب الحكم متناقضة مع بعضها.
•ويكون الحكم غير مسبباً إذا تناقضت الأسباب مع المنطوق.
ثانياً: أن يكون التسبيب كافياً: وهذا يفترض أمرين:
•أن يتضمن الحكم رداً كافياً على وسائل الدفاع الجوهرية: يتعين على القاضي
دراسة وسائل الدفاع الجوهرية في الطلبات والدفوع والمستندات التي يقدمها الخصم بالطريق
القانوني ويكون لها إثر في حل النزاع وعلى نحو جازم يقرع سمع المحكمة وتكون متفقة مع
صحيح القانون، ويجب على القاضي الرد على وسيلة الدفاع إذا تمثلت في طلب أو دفع أو دليل،
ويجب التميز بين وسيلة الدفاع الجوهرية وعي التي تتعلق بحق قانوني أو شرط أو مبد, أو
تفسير راجح للقاعدة القانونية.
•يجب أن تكون الأسباب كافية وتكون كذلك إذا أوضحت بجلاء أن الواقعة اللازمة
لتطبيق القاعدة القانونية قد توفرت، وتكون غير كافية إذا لم يتضح منها كذلك لقصورها
على ايراد العناصر الكافية للواقعة من اجل تبرير تطبيق القاعدة القانونية, كأن يقرر
الحكم عدم وجود قوة قاهرة، أو ثبوت الواقعة بمستند دون أن يبين الظروف التي استند عليها
في ثبوت الواقعة أو يبين ماهية المستند، فهنا يلحق الحكم عيب القصور في التسبيب.
ثالثاً: أن يكون التسبيب منطقياً: لا بكفي أن يكون التسبيب
كافياً بل يحب أن يكون التسبيب منطقاً, ويقصد بمنطقية الأسباب أن تكون الواقعة التي
قرر ثبوتها مفترضا يقبله العقل للنتيجة التي استخلصها منها، وهذا الاستخلاص يخضع لعملية
عقلية يقوم بها القاضي مستخدماً علمه وذكاءه معاً، فاذا لم يكن التسبيب منطقياً ترتب
علية الفساد في الاستدلال، وهو عيب يرجع إلى عقل القاضي واقتناعه بسبب عدم سلامة الاستنباط.
رابعاً: أن تستمد أسباب الحكم من أوراق القضية: فالقضية هي الوعاء
الوحيد الذي يجب أن يستمد منه القاضي مادة اقتناعه، ولهذا يعيب الحكم استناد إلى سبب
لا سند له من أوراق الدعوى أو على خلاف الثابت فيها، إلا أن الفقه والقضاء يقرر أن
يجوز أن تحيل المحكمة في أسباب حكمها حكم سابق صادر بين الخصوم أنفسهم, كالحكم الاستئنافي
الذي يحيل إلى الحكم الابتدائي في الأسباب بشرط أن يكون الأخير مسبباً، أو إلى تقرير
الخبير إذا كان ضمن أوراق القضية.
إثر انعدم التسبيب في بطلان الحكم القضائي:
من خلال استقراء أحكام عدة من الاحكام الصادرة عن المحكمة العليا باليمن,
نجد انها قد بذلت جهوداً مشكورة في الاجتهاد لتحديد أوجه القصور في تسبيب الاحكام،
ومن خلال استقراء احكام المحكمة العليا نستطيع أن نلخص أوجه القصور التي ذكرتها بعض
احكام المحكمة العليا بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: خلو الحكم من التسبيب:
سبق أن ذكرنا أن القانون قد صرح بوجوب تسبيب الاحكام، وتبعاً لذلك فإن الحكم
الذي يخلو من التسبيب يكون باطلاً، وهذا ما قررته المحكمة العليا في احكام كثيرة لها
منها:
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بتاريخ 10/4/2007م الذي
قرر أن (خلو الحكم من الاسباب يجعله باطلاً).
الوجه الثاني: تناقض اسباب الحكم مع بعضها:
صرح قانون المرافعات في المادة (231) مرافعات بأن تناقض اسباب الحكم يبطله
حسبما سبق بيانه، والتناقض الذي يبطل الحكم هو ما تتعارض به الاسباب وتتهاتر وتتساقط
بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم بحسب تعبير محكمة النقض المصرية في حكمها رقم
(1018) ل سنة48ق) فاذا كان التناقض بين سببين فإنهما يتساقطا ولا يؤثر ذلك على الحكم
ما دامت هناك اسباب اخرى سليمة غير متناقضة، وقد قررت المحكمة العليا هذا المبدأ القانوني
في احكام كثيرة منها:
1-الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 6/2/2007م في
الطعن التجاري رقم 28521 لسنة 1428هـ الذي قرر أن (تناقض الحكم الذي يترتب عليه بطلانه
هو ذلك التناقض بين اسباب الحكم نفسه وليس بين اسباب الحكم وحكم آخر).
الوجه الثالث: تناقض اسباب الحكم مع منطوقه:
ذكرنا فيما سبق أن من قواعد اصدار الاحكام أن تكون اسباب الحكم متوافقة مع
منطوق الحكم فلا تخالفه ولا تناقضه، وقد اوجبت المادة (231) مرافعات أن تكون اسباب
الحكم متفقة مع المنطوق وقررت تلك المادة أنه إذا تناقضت اسباب الحكم مع المنطوق فان
جزاء ذلك هو بطلان الحكم، وقد سلكت المحكمة العليا هذا المسلك في احكام كثيرة منها:
1.الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا بتاريخ 25/2/2007م في
الطعن الجزائي رقم 27212 لسنة 1428هـ الذي قرر أن الحكم بالدية بعد التسبيب الموجب
للقصاص تناقض يجعل الحكم باطلاً).
2.عدم مناقشة الحكم لوسائل الدفاع الجوهرية أو إغفالها:
3.وسائل الدفاع الجوهرية هي الادلة والمستندات التي تؤثر في النتيجة التي
انتهى اليها الحكم بحيث أن المحكمة لو كانت قد ناقشتها لتغيرت هذه النتيجة، فاذا اغفلت
المحكمة الرد على هذه الوسائل فأنها تكون قد اخلت بحقوق الدفاع ، فلا يجوز للقاضي أن
يطرح أو يتجاهل الادلة أو المستندات المؤثرة في حقوق الخصوم دون أن يورد في حكمه ما
يبرر هذا التجاهل والإغفال بأسباب خاصة ، وقد رتبت المادة(231) مرافعات على عدم مناقشة
الحكم لوسائل الدفاع الجوهرية بطلان الحكم على النحو السابق بيانه ، وقد كرست المحكمة
العليا ذلك في كثير من احكامها ، ومن ذلك الاحكام التالية:
4.حكم الحكمة العليا في الطعن رقم (23098) لسنة 1426هـ في جلسة
10/12/2005م الذي قرر أن (عدم اشتمال الحكم على مناقشة وقائع النزاع وطلبات الخصوم
ودفوعهم وكامل ادلتهم واسانيدهم القانونية والواقعية يبطل الحكم).
الوجه الرابع: عدم مناقشة الحكم لوسائل الدفاع الجوهرية
أو إغفالها:
وسائل الدفاع الجوهرية هي الادلة والمستندات التي تؤثر في النتيجة التي انتهى
إليها الحكم, بحيث أن المحكمة لو كانت قد ناقشتها لتغيرت هذه النتيجة، فإذا اغفلت المحكمة
الرد على هذه الوسائل فأنها تكون قد اخلت بحقوق الدفاع ، فلا يجوز للقاضي أن يطرح أو
يتجاهل الادلة أو المستندات المؤثرة في حقوق الخصوم دون أن يورد في حكمه ما يبرر هذا
التجاهل والإغفال بأسباب خاصة ، وقد رتبت المادة(231) مرافعات على عدم مناقشة الحكم
لوسائل الدفاع الجوهرية بطلان الحكم على النحو السابق بيانه ، وقد كرست المحكمة العليا
ذلك في كثير من احكامها ، ومن ذلك الاحكام التالية:
1-حكم الحكمة العليا في الطعن رقم (23098) لسنة 1426هـ في جلسة
10/12/2005م الذي قرر أن (عدم اشتمال الحكم على مناقشة وقائع النزاع وطلبات الخصوم
ودفوعهم وكامل ادلتهم واسانيدهم القانونية والواقعية يبطل الحكم).
المراجع:
•الوجز في أصول قانون القضاء المدني اليمني / الدكتور سعيد الشرعبي / الطبع
الثالثة/ مركز الصادق.
•قانون رقم (40) لسنة 2002م بشأن المرافعات والتنفيذ المدني وتعديله بالقانون
(2) لسنة 2010 والقانون رقم (1) لسنة 2021م.
•التعليق / الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين.
إعداد / واعد القدسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي